أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: ظل السُور

  1. #1
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي ظل السُور

    ظِل السُور
    عندما لاح الصباح وأرتفعت الشمس فى كبد السماء. أرسلت اشعتها الملتهبة فسخنت الأرض واشتدت حرارتها. وصار الجو جافا وسور المسجد الخشبى يرسل طقطقات احتجاج من الأجساد المتكئة تستظل به. تنبعث من مراحيضه تلك الروائح المميزة النتنة من خليط قاذورات أناس مختلفى السحنات، يقطعون جمارهم بما تعودوا عليه . تختلط هذه الروائح بروائح الأبخرة المنبعثة من المحلات التجارية، الملاصقة لسور المسجد الكبير، بخور التيمان لطرد الذباب القادم من المرحاض الوحيد فى منطقة الأسواق. تقام الصلوات وتتلى الآيات على المصلين، تناشدهم بالعطف على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وهم لايدرون من هم. هم الجمع الذى تحرك نحو شريط الظل الذى جاد به السور، استرخوا وتمددوا فوق اسمالهم يفترشونها، وتحركت معهم ارتال الذباب الذى كان ينتظر قدوم النهار ليشاركهم الظل، يلتصق بأجسادهم وكأنهم حجارةٌ صماء، ترتفع أياديهم النحيله يمنةً ويسرة ليهشوه، ولكن لافكاك. أيادى مقطوعة الأكف، والأصابع، وبقايا أرجل قد بترها المرض، يمدونها أمامهم يتسولون بها..وآخرون قد نهشتهم الأمراض المعدية ففقدوا أبصارهم، كل هذا الجمع المُستظل بظل سور المسجد يجمعهم ذلك القلق المُبهم ويسيطر عليهم كلما يأتى النهار. خُلقت بينهم الروابط، ربما رابطة الوطن المبهم متمثلا فى قطعة الأرض التى يفترشونها جوار المسجد الكبير. يتحدثون لهجات مختلفة. ويأتون من بلاد شتى الكل يتسول بلهجته فتسمع أوركسترا الوجه الآخر للحياة :كرامه...كرامه......سلام...خير.. تعلوا الأصوات فتجبر المارة على ادخال أيديهم عنوة فى جيوبهم، يخرجوا عملات معدنيه يلقوا بها فى صحن معدنى أمام المتسول، ربما يكون أعمى أو أكتع . ضجيج السيارات ودخان عوادمها، والغبار الذى تثيرة أقدام المارة المهرولين من هذا الشارع فتلتصق بأجساد هذا الجمع فتتشكل ألوانهم، يعلو السُعال الجماعى فتجد الأمراض موطنها.
    ترتبط مجموعة ظل سور المسجد الكبير بسلوك عام منتظم بالنهار، يتماشى مع سلوك المدينة، وإيقاع حيا ة المواطنين. ويظهر نمط هذا السلوك العام المألوف المتبوع لمجموعة ظل السور، رجل أو امرأة. إن شذوا عن القاعدة وأتوا بافعال تخدش الحياء العام نهاراً. ستتوتر أعصاب المدينة وتهتزأسلاكها، وتدوى البلاغات يأتى النظام، لإعادة الأمور لنصابها لتهدأ أعصاب المدينة.
    عندما تغطس الشمس بعيداً، وتلملم اشعتها الكونيه مودعة النهار. يأتى الليل البهيم بسواده الحالك، إلّا من نجيمات يقفزن هنا وهناك، على صفحة السماء الحالكة السواد، والقمر الخجول متوارى خلف السحب التى ازداد الليل بها ظلامًا. تهدأ أقدام المارة ويهدأ ضجيج السيارات. وتتلاتشى الأبخرة المنبعثة من المحلات بعد اغلاقها، يختفى النظام العام، ويلف الصمت جماعة ظل السور، ويهدأ الغضب والتوتر وتتلاصق الأجساد. تختلط النطاف وتبذر الأجنة، ووكل هذا العرى يلفه الليل الساكن. الذى يُحرك الغرائز ويزحف كل ذكر نحو الأنثى التى تليه، لاوثيقة زواج ولاحب مشتعل، ولكنها الطبيعة تؤدى دورة البقاء، العيون مغمضة تاخذ الغرئز نصيبها، وعند الفجر ، تدب الحياة من جديد بإيقاع المدينة المنتظم.
    طَيّوبه المجنونة مواطنة ظل السور. يأتى النهار فتخرج إلى قاع المدينة تتسول، وملابسها قد تساقطت من على جسدها فبرزت مفاتنها. كثيرا ماضجرت منها المدينة، ولكن أعصاب المدينه لاتتوتر لها بها مس من الجنون..يطاردها صبية فى قاع المدينة صائحين :طيوبه المجنونه........ ياها.... المجنونه.
    عندما يأتى المساء تأتى طيوبه إلى موطنها ظل سور. وتنزع ماتبقى لها من ملابس. وترقد عارية كما ولدتها أمها. يأتى بعض المارة التى تعبث الخمر بوعيهم، ويرتمون فوقها كالبهائم يطفون شبقهم ويذهبون ربما فى ذات الليلة ياتيها أربعة من الرجال ويبذرون فى رحمها بذورهم ويمضون. كل تسعة أشهر وعشرة أيام يأتى مولودا للظل. صارو ستة أطفال هى التى أتت بهم إلى الحياة . كان أكبرهم، يعتنى بهم ولا يفارق ظل السور. ذات ليلة أختفى فيها كل النور. داهم طيوبه مخاض متعسر. اشعلت الليل بصراخها زحفت النسوة اللاتى يعملن على مساعدة بعضهن فى الإنجاب. ولكنهن فشلن فى اخراج المولود. الذى رفض الخروج لهذا العالم التعيس. كان الرجال يتململون، والكل لم يستطع النوم حتى الأطفال وهى تلعن تارة وتصرخ أخرى، وفى ثلث الليل الأخير، حين بدأ الظلام يتلاشى، مفسحا للفجر اطلالة على استحياء .وكان جموع المصلين قد بدأت فى التوافد للمسجد. هدأ صوتها واقتربت منها احداهن وأعلنت وفاتها. هكذا عبرت روحها المعذبة وفارقت تحمل جنينها فى أحشائها.
    لم يعد ظل سور المسجد مسكنًا لابنها الكبير. فقد سئم من تلك العلاقه التى كانت بينه وبين حمدين الفتوة. فقد كان عندما يجّن الليل يأتيه من دبر. نظير توفير لقمة العيش له ولإخوته. و قد رآ ه ذات ليلة والأجساد تتلاصق. يمارس شذوذه مع أخيه الصغير. فهرب الى قاع المدينة حيث بدأ سقوطه المريع مع أولاد الشوارع. ولم يعد إلى ظل السور مسقط رأسه مرة أخرى...
    (قص أفريقى)

  2. #2
    الصورة الرمزية عمر الحجار أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    الدولة : حيفا \ اجزم
    العمر : 53
    المشاركات : 767
    المواضيع : 37
    الردود : 767
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الاستاذة سعاد الامين


    اعتقد انه اللجوء اللاواعي نحو الغيبيات ، هو التواكل وتحصيل البركات
    الموروث الشعبي الذي ارتبط دائما بأذهان الناس بتسليم الامر الى ما يجهلون حقيقته ولا يدركون كنهه
    والحالة الواعية والحقيقية امام هذا الخنوع تعتبر امرا شاذا خارجا عن المألوف كما اسلفت
    ان الوصف الدقيق والصارم للمسجد وسوره وما يحيط بها يتناسب بدقة كبيرة مع هذه الحالات التواكلية



    دمت مبدعة وصاحبة فكر فذ
    وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد

  3. #3
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    شكرا أخى عمر على التعليق. فىتلك البلاد الأفريقية دائما تجد المسجد والضريح مأوى لهؤلاء البشر يعتقدون إن ظل المسجد سيوفرلهم الحماية . لقد مررت بهذا السجد الكبير ورأيت هؤلاء البشر بايديهم المقطوعة وتصنعهم العمى ومواليد صغار يزحفو ن حولهم صورتهم بكمرتى الداخلية وكنت أحزن كثيرا لهذا المشهد ومازال حنى الآن ولذلك كان الوصف دقيقا كما الصورة والذى يزعجنى التسول باسم الدين و(المسلم القوى خير من المسلم الضعيف)الجهل يجعل الغيبيات تجد مرتعها.

  4. #4
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    شاهدت تلك النماذج كثيرا كما التقطتيها أديبتنا الرائعة بعدستك الثاقبة وحرفك الجميل
    وهناك شاهدت من تدعي فقد البصر وتضمد عينيها بعصبة من القماش أثناء التسول وتمشي ابنتها الصغيرة أمامها وفجأة تمد يدها لتنتشلها عند مرور سيارة
    وشاهدت الكسيح الذي يتكئ على زوج من العكاكيز تحمله وعند مرور حملة لتفريقهم أو القبض عليهم يترك مسانده ويفر جريا
    بل ويقترضوا الأطفال المعاقة لينالوا بهم عطف الناس أو لجلب الكرامات والبركات بمسحة من يديه الطاهرتين ..
    لم تندثر تلك الظاهرة رغم التقدم والتكنولوجيا وخاصة في البلدان النامية والفقيرة حيث الجهل يأخذ مكانته والفكر منحصر على موروثات التخلف
    نص رائع الفكرة والمضمون .. سردية مدهشة ولغة متينة وخاتمة مؤلمة أثرت النص
    دام ألقك أخت سعاد
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    تجولت في رحابها فشاهدت الجمال يتفرع من بين حرفها ..سرد ووصف راقي
    دمت موفقة اختي سعاد محمود الامين

  6. #6
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الاخت آمال
    شكرا لك على التثنية فقد شاهدتِ ماشاهدت ومازالت الشمس تغيب وتشرق ولم يتغير المشهد .

  7. #7
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الاخ محمد شكرا لك على ا لتجول فى متصفحى المتواضع أزداد ألقا بتعليقاتك .

  8. #8
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    مهارة في التصوير ملفتة، وأسلوب قصي مشوّق ، كان يحتاج لعقدة تحلها القفلة التي جاءت مجرد مشهد آخر يصف هذا القاع المنتن وشخوصه.
    تعثرت اللغة في غير موقع نحوا وبناء، لكنها لم تفقد النص روعة رسم مشاهده التي حكت مهارة الكاتبة في رسم الوعي الجمعي للعوام من خلال صورهم الخارجية

    أهلا بك أيتها الفاضلة في واحتك

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  9. #9
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأستاذة ربيحة
    المشهد برمته عقدة كؤود ونصل حاد على خاصرة تلك المجتمعات التى أبت ألا أنت تعيش هذا النوع من الحياة السهلة أن تجلس وتأكل من عرق الآخريين . كنت أريد لها نهاية فكرت فيها كثيرا ونبذتها لعدم واقعيتها.( أن يدخل هذا الابن الجامع ويصلى ويدرس ويعمل ويأخذ إخوته من الضياع )لكن!! مارأيك أنت ايتها الأديبة فى النهاية بين القوسين تصلح؟

  10. #10
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    أبدعت فى تسليط الضوء على فئة من قاع المدينة
    بتصوير رائع , ووصف دقيق نقلت لنا تلك الحياة
    بدون تجميل أو رتوش ــ بأسلوب سردى مشوق
    ولغة سهلة أنيقة .. دام إبداعك متألقا .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الحروف في أوائل السور ومعانيها
    بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 17-07-2016, 10:16 AM
  2. الحروف المقطعة فى أوائل السور القرآنية-حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-06-2016, 10:14 AM
  3. عدد السور القرآنية -المستشار الأدبي:حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-06-2016, 10:57 AM
  4. أسلوب فواتح وخواتم السور القرآنية-حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-05-2016, 10:05 PM
  5. خلفَ السورْ
    بواسطة رائد الشيخ علي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 15-06-2008, 12:19 AM