الأخ الكريم سامح عسكر
حسبما قرأت رأيت أن المشكلة عندك ليست في مسألة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية رضي الله عنها ، وإنما في المنهج الذي تتبناه في قبول ورفض الروايات بحجة مخالفتها للقرآن الكريم .
وأقف عند بعض ما جاء في الموضوع :
1 ـ هل البخاري معصوم ؟
كلا ..
هل عمله في الصحيح جهد فردي ؟
هذه نقطة يثيرها دائماً من يرون أن في البخاري مخالفات للقرآن ، أي يقولون أن البخاري شخص اجتهد في جمع الروايات وهو معرض للخطأ ، وهذا صحيح ، ولكن تأمل معي ..
البخاري كان يكتب صحيحه وعنده تلاميذه ، وهم من أصحاب الحديث وعلمائها كالإمام مسلم النيسابوري والإمام الترمذي ، كما عرض صحيحه كما في كتاب ( فتح الساري ) على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة ، كما أنه رحمه الله كان يرتحل ويحدث بصحيحه فيجتمع عليه آلاف الناس يستمعون له ، فلماذا لم يرد عليه أحدهم أحاديثه التي خالفت القرآن ؟ ولماذا تلقت الأمة لأربعة عشر قرناً صحيحه بالقبول ؟
قلت : ( اتستهينوا يا أخوة بما لصق في أذهان الناس عن البخاري ، فمن كثرة تعظيم الأئمة والخطباء له بات الرجل وكتابه قرآناً ثانياً يعتقده الناس عملياً وليس نظرياً ) .
أقول : لماذا تتهم الخطباء والأئمة ، وقد تلقى الأمة صحيح البخاري منذ وقت تأليفه إلى الآن بالقبول ؟
ثم أعطني شخصاً واحداً يعتقد أن البخاري كالقرآن ..
2 ـ قلت : فالثابت أن جمهور أهل العلم اتفقوا على أن رواية الآحاد - أياً كانت درجة صحتها - هي ظنية الثبوت لا قطع فيها كي ننسبها لرسول الله .. وهذه نقطة في غاية الأهمية ويتغاضى عنها الشيوخ ويحجبونها عن العامة قصداً .
أقول : قولك أن كل الآحاد ظني الثبوت كلام أكاديمي يدرس لطلاب الشريعة في جامعاتنا ، والحقيقة أنه ليس كل الآحاد ظني الثبوت ولا يفيد إلا الظن ، فهذا ابن صلاح يصرح في مقدمته أن المتفق عليه بين البخاري ومسلم ( جميعه مقطوع بصحته ، والعلم اليقيني النظري واقع به ، خلافاً لقول من نفي ذلك محتجاً بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن ، والظن قد يخطئ ، وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قوياً ، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولاً هو الصحيح ) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى :
( الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم ، وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث ، وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر ، ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علماً قطعياً أن النبي ( قاله : تارة لتواتره ، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول . وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفراييني وابن فورك ) .
ويقول في مجموع الفتاوى :
( اخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقاً له أو عملاً بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف، وهذا في معنى التواتر ، لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر ومشهور وخبر واحد، وإذا كان كذلك فأكثر متون الصحيحين معلومة متقنة تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحتها، وإجماعهم معصوم من الخطأ ) .
وكذلك أنظر كتاب ( الباعث الحثيث لابن كثير ) وشرح الشيخ احمد محمد شاكر في الهامش .
كما أنك اتهمت العلماء من غير دليل ولا برهان على أنهم يخفون حقيقة أن الآحاد ظنية الثبوت ، كما اتهمتهم بحجب العلم قصداً فقلت ( وهذه نقطة في غاية الأهمية ويتغاضى عنها الشيوخ ويحجبونها عن العامة قصداً ) .
وهذا كلام لا صحة له أبداً ، وإني أحيلك إلى ابسط كتب مصطلح الحديث لتعلم أن القول بظنية خبر الواحد موجود فيه ، وأن العلماء لم يحجبوا ذلك عن الناس .. وأن ما قلته محض توهم ..
3 ـ نقد المتن قديم مارسه الصحابة رضي الله عنهم والعلماء من بعدهم ، ومن أن المحدثين لم يهتموا إلا بالسند فقد ابعد النجعة .
4 ـ في أكثر من مكان تؤكد على أن هناك روايات مدسوسة كقولك ( أن من صنع عدةً مخصوصةً للجارية صنعها عن رواية وهذا عين التقليد وعبادة السند ) و ( لأنهم لا يعلمون ما دُسّ في الكتب ) .
لكنك لم تذكر لنا من الذي صنع تلك الروايات ودسها في الكتب ..
5 ـ قلت : قول الله تعالى..." ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم"..وسورة الأنفال نزلت قبل غزوة خيبر بكثير فكيف يأسر النبي أمة ثم ينكحها تحت بند وما ملكت أيمانكم بعد نزول هذه الآية ؟!.. هذا يعني أن كافة روايات الأسر التي أعقبت نزول هذه الآية كلها محض خيال ولا علاقة لها بالنبي ولا بصحبه..وإلا كيف نجمع بين فهم هذه الآية وتلك الروايات التي تتعارض صراحة مع القرآن وأحداثه؟!
هل تعني بأن الرسول والصحابة لم يأسروا أحداً بعد هذه الآية ؟
6 ـ هل أحاديث الدجال ونزول المسيح عليه السلام وعذاب القبر تتعارض مع القرآن ؟
كيف وأين ؟
أخي الكريم التعارض معناه ـ مثلاً ـ أن يقول القرآن هذا حلال والحديث يقول لا هو حرام .
أما إذا جاء النص في القرآن مطلقاً فقيده الحديث ، أو عاماً فخصصه الحديث ، أو مجملاً ففصله الحديث ، فلا يعتبر ذلك تعارضاً بل تكاملاً ..
فهل القرآن قال أن لا وجود للدجال وان المسيح لن ينزل وأنه لا عذاب في القبر ، ثم جاءت الأحاديث بخلاف ذلك ؟
على أنك لو صبرت قليلاً وتأملك لوجدت موافقة بين القرآن والسنة بهذا الخصوص .
فالقرآن الكريم ذكر أن هناك آيات إذا أتت لا تنفع نفس إيمانها ، لكنه لا يذكر هذه الآيات
( هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) .
فيأتي الحديث يفصل بعض هذه الآيات ومنها الدجال :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثٌ إِذَا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ ».
صحيح مسلم
وقال القرآن حول عيسى عليه السلام :
( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً )
أي لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام ... لأن السياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأختبر اللّه أنه لم يكن الأمر كذلك وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة .
والحديث يبين أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض :
( عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .
صحيح البخاري
وعن عذاب القبر قال تعالى :
( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )
فواضح من الآية أن هناك عذاب قبل يوم القيامة .
تقبل مروري وخالص تحياتي ..