إعتراف
قصة الطيب بنعبيد
لازال لم يصدق بأن ملف ترشيحه قبل هذه المرة . منذ أن حصل على شهادة البكلوريا بامتياز وهويطرق أبواب الإدارات الفاحمة الموصودة ، يدفع الملفات هنا و هناك ويعود بخفي حنين ، و لأول مرة يتم استدعاؤه للمقابلة ولم يمر على تقديمه ملف ترشيحه أسبوع لشغل منصب بمركز الشرطة. لم يصدق هذه الغرابة ولكن بصيص الأمل قاده لبوابة بدت له مفتوحة في سابقة لم يعهدها...بعد لحظات طويلة من الإنتظار السرمدي بالبهو ، إستقبله مسؤول بلباس رسمي زرع الرعب في دواخله ، لأنه لم يخاطب شخصا بلباس رسمي طوال حياته ، لم يعش في الظل بل في الظلمة... سأله المسؤول عن اسمه وهو يفتح ملف ترشيحه الذي بعثه لهم ، و قال له:
- صحيح لقد قبل ملف ترشيحك و لكن الصورة بملفك طبيعية بينما أنت .... عذرا .. لم تعد لك ملامح ، أنت مشوه بشكل كلي ،ولابد من التأكد من شخصستك ... فهل الصورة فعلا لك ؟
ارتبك الشاب و تلعثم ثم رد:
- نعم ، نعم ، إنها لي يا سيدي ، التقطت قبل الحادثة .
فقال المسؤول وهو يتمايل بزيه العسكري ...:
- لابد لك من إثباث ، فالصورة طبيعية وأنت ...ثم ...لابأس.. أكتب إقرارا بخط يدك تؤكد فيه بأنك صاحب الصورة قبل تشوه وجهك حرقا ، ثم اعترف أمام عدسة الكاميرا بأنك صاحب هذه الصورة ...و عليك باليمين... إنها إجراءات إستثنائية في حالتك الخاصة جدا.
قدم تقريراعتراف بخط يده موقعا ، ثم أقسم أمام عدسة الكاميرا أنه صاحب الصورة التي في الملف وقد التقطت له قبل آن يصاب بالحروق .
نظر إليه المسؤول الحكومي بنوع من الإحتقار لم يفهم المسكين سببه ، تأبط الملف ،ثم طلب منه أن ينتظره لحظة حتى يعود...
على كرسي الإنتظار، عاد بمخيلته إلى طفولته و قد كان يتيم الأب ، ضئيل البنية ، كان يبدو أقل من سنه الحقيقي بعدة سنوات . و كانت أمه تستغل هذه الوضعية لتصحبه معها إلى حمام القرية التقليدي الخاص بالنساء ، لم تطاوعها نفسها بدفعه لحمام الرجال وحيدا ،إذ كانت تخاف عليه من الشواذ ومن الجن .. .وكانت تتذرع لصاحبة الحمام بكونه صغيرا لا يفهم أي شيء.. لقد كان يكره حرارة الحمام و بخاره و الفرك و الصابون و الماء المغلي.و لكن ذلك كله كان يهون أمام لحظات تلذذه واستمتاعه بمشاهدة النساء شبه عاريات بالحمام ، فكان فيبتسم تارة عندما يرى جسدا مترهلا وتثيره الصدورالمنتفخة ، و يبلع ريقه أحيانا و هو يخطف النظر لعورات الصغيرات ، و أمه تعنفه كل لحظة و تعتذر للنساء بكونه طفلا صغيرا بريئا غبيا لا يقصد ولا يفهم شيئا في الجنس.... بقي _على هذه الحال زمنا حتى كان اليوم المشؤوم الذي دخل الحمام فيه فتاة من أسرة مغربية مهاجرة بإسبانيا ، كانت تبدو له فائقة الجمال.ونظرا لتحررها المطلق ، لم تجد حرجا في التعري بشكل كلي داخل الحمام والمشي فيه ذهابا وإيابا لسقي الماء ، ولأول مرة ، حمل الفتى المسحور سطل ماء فارغ و توجه للصهريج المغلي لجلب الماء كذريعة للتقرب من الفتاة المهاجرة العارية.. و تأمل مفاتنها عن قرب ، مستغلا انشغال أمه بغسل شعرها بالغاسول ..شدت الفتاة بصره وبصيرته فبدأ يضع رجليه حيثما اتفق ، فتعثر في حافة صهريج الماء الملتهب و سقط داخله ، لم تغامر أية امرأة على إنقاذه.وهو يصيح و يتخبط لمدة ليست بالقصيرة إلا أمه المنكوبة التي تمكنت بعد جهد جهيد من إخراجه مسلوخا وهي تولول وتصيح و قد احترق جسده بالكامل.
بعد أمد غير يسير من المعاناة بالمستشفى و تحت المراقبة الطبية الدقيقة ،خرج مشوها بشكل فضيع . وهو ما غير حياته بشكل كلي. لم يعد شيء يشغله في حياته غير الدراسة.فلم يتخذ صديقا بل كان زملاؤه ينادونه بالمسخ أو الوحش أو (أحدب نوتردام) رغم انه لم يكن أحدبا.أفرغ كل طاقاته في الإجتهاد فتفوق على كل زملائه في الدراسة .لكنهم في النهاية كلهم حصلوا على وظائف أما هو فكانت طلباته دائما ترفض بسبب التشوه... كان قد دفع مئات الملفات على امتداد عقد من زمن حصوله على االشهادة اللعينة..
.و في بداية هذا الشهر خرج من إحدى المؤسسات يجر أذيال الخيبة كالعادة فوجد صورة شمسية لشاب في مثل سنه ملقاة على الأرض .فكر في الغش لإنقاذ نفسه من الضياع ، حمل الصورة وألصقها في هذا الملف عسى أن يقبل ترشيحه ، فجاء الفرج ، وقبل ترشيحه للمرة الأولى في حياته ...
دخل المسؤوول برفقة حرسين بزي رسمي ، فتح ملفا أسود و أخرج منه صورة مكبرة نسخة للموجودة في الملف وقدمها له ثم سأله مرة أخرى:
-هل أنت متأكد من أنك أنت صاحب هذه الصورة...
فابتسم الشاب و قال:
- نعم ؟بالتأكيد يا سيدي وهل هناك شخص يغفل عن وجهه ...نعم هي صورتي ألف في المائة وقد أكدت ذلك كتابة وتسجيلا....
بإشارة من العسكري المسؤول أحاط بالضحية مسلحون وأمسكوا به بخشونة زائدة فقيدوه ، تقدم منه المسؤول وقلب الصورة الكبيرة وطلب من الشاب أن يقرأ المكتوب على ظهرها بخط عريض واضح :
مجرم خطير جدا ، محكوم عليه بالإعدام غيابيا ،مبحوث عنه في ربوع المملكة كلها.
الطيب بنعبيد / مكناس. المغرب.