جمرةٌ وثلجٌ
همسَ لذاتِ صاحبه معدّدا ميزاته: أنا من أوقفك على أرصفة الإحجام، قبل الجلوس على أرائك الإقدام، وأدعوك لدوائر التّكذيب قبل المكوث في مربّعات التّصديق...
أبذر في سهول أفكارك، مبكرا الموسم؛ كي تظلّ البذور قيد النّبش قبل التّغلغل والتّشبّث بالتّربة... قد يروقك الأمر فتغطّيها؛ لتنمو وتورق، وأنت مطمئنّ النّفس، ولا تقطف الثّمار إن أثمرت، إلّا إذا تأكّدت من جودتها، وطيب مذاقها.
أدعوك دوما للجلوس على كرسي نزع الثّقة من كلّ المحيطين بك، فلا تسمحُ لمن هو أقلّ منك مالًا بالاقتراب ممّا تملك؛ فتسوّل له نفسه اشتهاء ما عندك، ولا تأذنُ لمن أحببته وأدخلته رياضك بأن ينعم بغدقِ وبهاء تلك الرّياض، فتظلّ عيناك له مراقِبة، ونفسك منه مرتابة، وأفكارك حائرة ما بين إيوائه وإقصائه...
أحصد بمنجلي سنابل حقول أحلامك، وأبقي لك زوانها؛ لتذوق مرّ الطّعم، وتبتعد عن نعيم الرّؤى... فتشكو وتستنجد حتّى تكلّ؛ لتحظى بفتوى لحلمك ورؤياك، وتمشي صوب دروب التّحقيق...
أجرّك لفرن التّخبّطات، وأنت ممسك بيد الاستقرار، فيحرقك اللّهيب، ويحرمك من برد وسلام الثّبات...
إن فرحت لبياض الأمور، لا أطيل عليك لحظات الهناءة، فأباغتك وأوقفك أمام سود السّتائر التي تلحّفك، وتمنع اختراق خيوط البياض لسوادها، فتقبع في غياهب جبّ أمرك تنتظر بعض السّيّارة؛ ليزيحوا عنك تلك السّتائر، وترى بياض الأفق الذي يعيدك للتّحليق، وبيض غيمات بعض أمانيّك...
أجلس على صدرك أخطبوطا تلتقط أذرعي كلّ صيد تنوي التّمتّع به، وأريك إيّاه جيفة، بعدما رأيته تحفة؛ لتعافه نفسك، وتشمئزّ منه روحك...
قد تكره التّلفظ أحيانا باسمي أو تخيُّل حرفي؛ لأنّهما يشكّلان مصيدة تغريك بدسم أجبانها، لتجد نفسك داخلها يعتصرك ضغط أجزائها.، فتنتبه لمساوئي..
وفيما الشّكّ غائص في آسن المياه، وتارك عذبها مغذّيا طحالبها، ونتانة رائحتها، وإذ باليقين يأتي سابحا في أجاج الذّات؛ ليهدّئ من روعها، ومتحدّيا إيّاه:
أيّها الخائض بين ثنايا سليم الأمور لإفسادها، احفظْ عليك مكرك، ودع ما توسوس به ذاتك؛ لأنّ هناك من هو أقوى منك، من يقوّم سيف الباطل الذي تتغمّده .
إنّي من ينتصر عليك دائما... عندما أنهض تغطّ أنت في سبات عميق، ولن يفطن أحد لإيقاظك، فلا رغبة لإخراج حيّة من وكرها؛ لتنفث سمومها أنّى توجّهت...
أنا من يأمر بقطف أجود ثمار الإنجاز، ووضعها في سلال الفرح؛ كي ينعم بها صاحبها ويسرّ... وإذا ما فسدت ثمرة من تلك الثّمار، أهبّ محذّرا وصائحا لإبعادها، ولا أزرع في قلب البستانيّ الخوف من فساد الجنى.
أنا من يعلّق ثريّات النّور؛ كي تسطع بأضوائها وتسرّ النّاظرين في طرق التّخطيط، وإنجاز ما ينفع ويسير بالحياة قُدما، ويعلي من شأن مَن كان تحت القهر يقبع.
أُري الغراسَ عاليةً، والثّمارَ ناضجةً لمن أمسك بيده الفسيلة والمعول، وهمّ بالغرس، وبالأمل والصّبر تجمّل، مسابقا الطّيور في بكورها، والشّمس في شروقها.
أجعل الكريم يغدق بعطائه، والأمين يزيد من وفائه، والوجوه تفيض بشرا، والقلوب تطفح حبّا، والنّفس تعمر إيمانا وصدقا.
أبني صروح الثّقة، وأعلي لها البنيان، وأنشر عطر الأمان في كلّ مكان؛ ليعيش الإنسان هانئا متحدّيا صعاب الزّمان.
أُجلس صاحبي على أرائك النّعيم؛ كي ينعم بهدأة البال ويستكين... ولا أبقيه تحت سياط التّردّد، ووخز الإبر ما بين التّصديق والتّكذيب... وأجعل المجافي منتظرا وصال الحبيب، والفقير حالما برغد العيش لا ذلّه، والعاصي طامعا برضا ربّ العالمين لا سخطه... فكيفَ لا وأنا اليقين؟!.