هو صديقي ـ ورغم إنه كان يكبرني بعامين, إلا إنه كان الصديق المفضل لدي . لم يكن شابا عاديا ـ كان يمتاز بخفة الروح, وحلاوة النكتة, والتفوق في الجد واللعب معا. يسحر بشخصيته الخلابة الألباب, محبوب من الجميع , يلتفوا حوله أينما كان ليستمتعوا بشخصيته الجذابة, ويستمعوا إلى قصصه ونوادره اللطيفة التي لا تنضب ـ فإذا ما جاش صدره بالعطاء ألقى أزجالا وطنية تلهب فيهم الحماس فيهيموا معه تهليلا وتصفيقا.
البارحة .. دوى انفجار مروع رج المكان رجا ـ فهرولت أجري على الدرج أقفز قفزات متتالية, تلاحقني صرخات أمي منادية ومحذرة, ولكن فضولي كان أكبر.
نزلت إلى الشارع ـ وقفت أنظر بنظرات مشدوهة , فقد هالني ما رأيت. رأيت جثثا مطروحة, والدم البشري يسيل على أديم الأرض يصبغها باللون القاني.
وتعالت أصوات كثيرةـ الجميع كان يتكلم في حالة هستيرية واصفا انفجار سيارة مفخخة بهدف اغتيال شخصية حكومية هامة تسكن في الجوار.
أجلت عيني بين الأشلاء المطروحة في ألم وأسى .. تصلبت عيناي على شيء ما.. نعم لقد كان صديقي ـ ملقى على الأرض, متسربلا بدمائه.. هرعت إليه والألم يعصف بقلبي عصفا ـ رفعت رأسه بكلتا يدّي محتضناً إياها غير آبه للدماء التي أغرقتني, فانفصلت عنه يده المبتورة.. أرعبني المنظر, وارتعدت فرائصي, فاحتضنته بكل قوتي وأنا أصرخ.. في رقبة من هذه الدماء البريئة يا قتلة.