سَفر نحو وِجهة مجهولة
سافر والوقت ليل تَلفه المَخاطر من كل جهة ،لبس جلبابا صوفيا ولم يحمل معه نقودا ولا زادا ،وبدأت الرحلة الوهمية فيما مر من سنوات حملت بين طياتها حياة مليئة أَرَقا وفَرحا وحُزنا ،فَوَلت على غيرِ رِجعة ،حيث يجْتر المَرء كل ما مَر،فينظُر إليْه كشاشة تعرض مشاهد متفرقة من هنا، ومن هناك، فكان ما نعيشه آنا يشير إلى أشياء من ماضينا فيستدعيها ليعرضها على شاشة خاصة ،وكأن أحداث الحاضر جهاز تحكم مُسَخر، ليعرض مشاهد من ماضينا وما حمل ،عبر عرض أحداث مضت فأرقتنا، وتلَتها أخرى فأفرحتنا ،وركبتنا النكبة فدمرتنا، وقضت مضْجعنا ،فكُنا بذلك أناسا يربطون ماضيهم بحَاضرهم ،ولكِنا بذلك، بِتنا نجتر الحزن وما لازمه من آلام ،ولا نلقي بالا لأحداث كان لها مناداة حقيقة، فنضع في أفقنا عنوانا لبداية بزوغ فجر جديد، يزيل العتمة عن إراداتنا وعزائمنا لنخترق ذلك الصرح الجاثي، الذي جعل حياتنا مكبلة بتحكم عن بعد ،وكأننا متفجرات لا يكاد يقترب منها عابث ،إلا وكان من نهايته وشيكا، فكان الإستبداد الوسيلة الحل لتفادي عنوان وجودنا الذي جمعنا منذ عصور، حين شيئ التأليف بين قلوبنا .
كلمات ومناجاة حوتها خلايا ذاكرته ،فأسهبت في حقائق أرخت سدولها على محياه ،فجعلت منه إنسانا مسافرا في عالم بلا حدود ،لا يعنيه قيظ حرارة الصيف ،فيبيت في العراء وهو في جولته المتفردة يهيم على وجهه،لا يفكر في أيام الشتاء ولياليها الطويلة ،فلا يخشى أن تسلبه ببردها تلك القدرة على أن يظل منتصب القامة لمتابعة سفره . كذلك كانت حياة ذلك الطالب الذي كان نبراسا يشع في البحث والتقصي ،طالبا العلم والمعرفة بدون ملل ولا فتور ،فصار اليوم ضائعا بين الدروب والأزقة بدون اسم ، مسافرا في عالمه لا يأبَه للنظَرات، ولا يُلقي بَالاً لِمَا كان بالأمس هدفا له .