تربعت على قارعة الطريق، أخذت طفلها في حجرها، مدت يدها في صمت، المارة يتواردون عليها، منهم من يُسقط قطعة نقدية، ومنهم من ينظر متذمرًا، وآخر ساخرًا، الشمس تنذر بإسدال الستار على ما تبقى من النهار، بعثرت دريهماتها في كفها، لا تكفي أن تخدّر الجوع المتمرد في أحشائه، قرصت فخذها كي تمنع دمعة تغالب جفنها، نهضت متكاسلة لعل مارًّا يتمّها، لكن ... لا أمل، فالسوق قد سحبت غطاءها معلنة نومها، وقفت سيارة أمامها، نظرت إلى سائقها فرأت في عينيه دعوة إلى الصعود والخطيئة، أسقطت عينها على طفلها الذي أعياه الصراخ فصار يئن في استسلام، لم تفكر، قفزت إلى الكرسي الأمامي، وابتلعتهم الطريق، هل تسمح لي يا سيدي أن نعرج على أول صيدلية كي نشتري علبة حليب، غاب قليلاً وعاد محملاً بعلب الحليب وأشياء أخرى، دخلوا شقته، كانت أنيقة تشبه ملابسه، دخلت المطبخ مسرعة لتخرج بزجاجة الحليب وعينين تملؤهما سعادة الأمومة، ألقمت طفلها الزجاجة التي لم يجد القوة ليمسك بها، إلى أن شربه النوم، قامت لتدفع الثمن، تعطرت، تزينت، واستلقت على ظهرها، وعصرت جفتيها على دمعة تريد أن تفور، نظر إليها متسائلاً، إنها المرة الأولى، جوع طفلي وبرد الشتاء أقوى من كل القيم، رمى إليها بغطاء كان على طرف السرير، وأدار ظهره، وأجهش بالبكاء، هل آلمتك يا سيدي؟، إنها أقدارنا ترسم خطواتنا ونحن لا نملك منها فرارًا، خلٍّ عنك، سأحاول أن أستعيد الأنثى في داخلي كي أعوضك ما سكبت علي وعلى طفلي، أجابها بنبرة متزنة، خذي طفلك وما تشائين، وارحلي، فنحن مازلنا في أبجدية الليل، لقد تذكرت أمي عندما كنا صغارًا، عندما كانت تخرج بعدما يتغوّل الجوع داخلنا لتعود إلينا آخر النهار بتعويذة الشبع، وكثير من الحب.