أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 22

الموضوع: الحاجز .. ( قصة قصيرة)

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحاجز .. ( قصة قصيرة)

    الحاجز ..


    قصة قصيرة
    بقلم ( محمد فتحي المقداد )*

    فاجأ سائق الباص الركاب بإطفاء محرِّك المركبة، قبل الحاجز بكثير، فاتخذ مسافة عدّة أمتار عن آخر سيارة تصطف في الطّابور، بانتظار دورها في التفتيش، لاجتياز الحاجز اللعين، فلا رحمة لكبير أو صغير .. ولا لشيخ أو امرأة، مزاج العسكري هو الذي يتحّكم بالموضوع.
    الحرارة تكاد أن تتجاوز الأربعين درجة، النوافذ مشرعة، و الباب مفتوح، سكون عجيب لنسيمات الهواء التي يتمنَّوْنها لاسترداد أرواحهم ، روائح التعرّق تمتزج بأنفاسهم، فتصدر خلطة عجيبة كانوا مجبرين على القبول بها، فالتأفف لا ينفع، وعقارب الزمان توقفت عند هذا الحدّ.
    شابٌ ينظر إلى ساعته مطلقاُ تأففه :" أوف .. أف .. – بكلام مُغَمْغَمْ - ساعة مضت على توقفنا هنا"، يمسح العرق عن جبينه، ويعيد ترتيب نظارته السوداء، يتابع كلامه بسؤالٍ للسائق :" هل تعتقد أننا سنـتأخر كثيراُ.. ".
    - السائق – يتنحنح نافثاً دخان سيجارته - :" إن شاء الله، لا ، هاهي السيارات تتقدم، بالصبر سنَصِلْ بأمان، نصحيتي أن تُبرِّد على أعصابك، إن بقي منها شيء، هذا قدرنا ولا مفر ..".
    أعمارنا تتكسر على نِصَال عقارب الساعة، بلادنا غارقة في مجاهل بدائية، لا تعترف بقيمة الوقت، وهاهي حجارتنا تحطّم سيف الوقت بدم بارد.
    طفلٌ يتلوى بين يديّ أمه، تهدهده وتهفّ عليه بدفتر العائلة، هواء حار يلفح وجهه الذاوي، تخرج ثديها فَتُلقمه إياه، وتغطي رأسه بمنديلها .
    دخانٌ منبعثٌ من الجالسين في الكرسي الأخير، تتكوّم السُّحُب في جو مشحون باليأس المُمِلْ، موظفتان لم تنقطع ثرثرتهما، عن الجارات، و غداء اليوم المطبوخ ليلاً، شخيرُ أحدهم يأتي لتزداد حالة القرف و التذمر.
    شابان دون العشرين، يحتضن أحدهما قفصاً يختفي مع محتوياته داخل كيس، استنشقوا أنفاسهم بارتياح، على صوت محرك الباص، وانتقاله إلى الأمام ليصبح أمام الحاجز مباشرة، السائق يطلب من الجميع تهيئة بطاقات هوياتهم وإيصالات الكهرباء المدفوعة حديثاً، لتجنب المزيد من التأخير، غمرتهم حالة من النشوة، فقد أخذ منهم التعب كل مأخذ، قتل فيهم الإحساس بالوقت.

    ***
    تقدم عسكري للتفتيش، واضعاً جُعْبته على صدره، وعلى كتفه بندقيته، وعلى مسافة أمتار قليلة يقف عسكري آخر كمؤازرة إذا ما حدث شيء ما.
    جمع السائق بطاقات الهوية مع إيصالات الكهرباء‘ وقام بتسليمها للعسكري الواقف من جهته،وقال له : " تفضل سيدي، لكنها ناقصة وصلاً واحداً، فذاك الشاب ليس معه وَصْله ".
    نظر العسكري إلى الشاب بنظرة شزرة عابسة يتطاير الشرر منها، وقال : " ألا تعرف أنني سأعيدك من حيث أتيْت ولا أسمح لك بالمرور – هزّ رأسه كأنه يتوعده ، وأمره بخلع نظارته السوداء– ".
    الحيرة تصيب الشاب، ويتلعثم لسانه : " سيدي – و الله – لا عِلْمَ لي بالأوامر الجديدة، كما أنني قدمتُ من دمشق، قاصداً مدينتي من أجل إجراء معاملة تأجيل دراسي في شعبة التجنيد، واستخراج قيد سجل مدني، من أجل التسجيل الجامعي" .
    - " اخرس .. اخرس .. بلا علاك فاضي ".
    بلع الشاب ريقه بصعوبة، وبدت ملامح الغضب المكبوت على وجهه المتورد، خجلاً لهذه الإهانة أمام الآخرين، رانَ صمتٌ ثقيل على الأجواء، بينما العسكري توجه للخيمة لفحص أسماء الركاب على اللابتوب، ومطابقتها مع قوائم المطلوبين، أمام الخيمة يربض رامي الرشاش خلف سلاحه متأهباً، وقريباً منه الحراس كل يتخذ زاوية تشرف على الميدان.
    ***
    صراخ حاد صدر عن إحدى الموظفتين، انقلب الصمت إلى ساحة معركة، وبدأ كل حارس يطلق النار بشكل عشوائي، يخرج ضابط من الخيمة بملامحه الغاضبة صارخاً : " ما بكم ، وما الذي حدث؟". صوت جماعي للعساكر :" سيدي، صراخ في الباص ".
    بينما انفلت باب القفص، خرج الجرذ الأبيض، الذي يستخدمه الشاب لسحب أوراق الحظ للراغبين، فيحصل على معاشه من ذلك، تلقى الجنود أمر الضابط بتطويق الباص وتفتيشه، بينما ينتهي هو من مطابقة الهويات.
    - العسكري : " من الذي صَرَخ , وأحدث تلك الضجة؟ ألا تعلمون أنكم صدَّعتْم رؤوسنا".
    - الموظفة :" سيدي ، جردون تسلق على رجلي، وحاول قرض كُنْدَرَتي ".
    انخرط العساكر بنوبة ضحك هستيرية، آذانهم غير مصدقة ما سمعوه من السيدة الموظفة، كبير العساكر، يرفع حاجبه متعجباً ": من أين جاء الفأر إلى الباص؟ يا للغرابة ..!! هيّا انزلوا على الأرض، وابتعدوا إلى هناك، هيا بسرعة ".
    ***
    جرت عملية تفتيش دقيقة للباص، وكاد أن يختفي أثر الجرذ، إلا أن أحدهم أدخل الحَرْبَة الموصولة بمقدمة البندقية، في فتحة صغيرة تحت كرسي السائق، ليخرج الجرذ مذعوراً، صرخ العساكر : " اقتله .. انتبه " هرب باتجاه الأرض، صوّب أحدهم رصاصة لتخترق الجرذ, وتخرج منه لتستقر في دولاب الباص الأمامي، ينزّ دمه بقطرات على الباب الأيمن ويرسم لوحة كئيبة بسريالية حزينة، تضاف إلى الدم السوري المهدور. ويأتي دور الشاب صاحب الجرذ، ليأكل نصيبه من الصفع و الرّكل، والضرب بأعقاب البنادق من المفتشين، وقع أرضاً ونزف الدم من أنفه، حملوه للباص فاقد الوعي. خرج العسكري من الخيمة ونادى على الشاب صاحب النظارة السوداء:" تعال بسرعة ". داخل الخيمة وقف أمام طاولة الضابط الذي راح يستجوبه عن اسمه ومواليده واسمَيْ والده ووالدته، ثم تحوّل لسؤاله عن مشاركته بالمظاهرات، نفى الشاب نفياً قاطعاً أي اشتراك له بالمظاهرات، ثم التقط له الضابط صورة بواسطة ( كام اللابتوب ) كي يقارنها بالصور المخزنة عنده، - مستخدماً برنامج عارض الصور بيزاكا الذي يصنف الوجوه حسب نقاط التشابه – بعد لحظات من عمليات البحث و المطابقة، أمره بالانصراف. خلال هذه الفترة قام السائق بتبديل الدولاب الذي اخترقته الرصاصة، وانطلقوا إلى وجهتهم.

    تمّت

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    مشهد من واقع مرير يعيشه شعب محتل
    يكشف النص أن المشهد في سوريا ببعض مفاتيح في السرد منها الجمل باللهجة المحكية
    افتقر النص لما اعتدنا في حرفك من تشويق وأرهقه إسهاب لم يقدم إضافة

    دمت بخير


    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    مشهد من واقع مرير يعيشه شعب محتل
    يكشف النص أن المشهد في سوريا ببعض مفاتيح في السرد منها الجمل باللهجة المحكية
    افتقر النص لما اعتدنا في حرفك من تشويق وأرهقه إسهاب لم يقدم إضافة

    دمت بخير


    تحاياي

    أستاذة ربيحة
    أسعدك الله، وتقبل الله طاعتكم في رمضان
    رأيك محل اهتمامي .. ولكن أحيانا طبيعة الموقف
    لنقل طبيعة العسكري الفظّة حتى يشعر القارئ بذلك
    تحياتي لك نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    فتقت جراحنا بقصتك أخي
    أؤيد الأستاذة ربيحة الرفاعي بخصوص الإطالة في النص
    لكني تأثرت به جدا وعشت كل تفاصيله
    ربما لأن الجرح في قلبي

    شكرا ل أخي

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الاستاذ الاديب محمد فتحي المقداد
    السرد وتصوير مشهد الانتظار والتفتيش كان مشوقا.. وأثرى التفاصيل.
    لكنني توقعت خاتمة أقوى .
    تحيتي وتقديري.
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    فتقت جراحنا بقصتك أخي
    أؤيد الأستاذة ربيحة الرفاعي بخصوص الإطالة في النص
    لكني تأثرت به جدا وعشت كل تفاصيله
    ربما لأن الجرح في قلبي

    شكرا ل أخي

    بوركت
    أستاذة نداء
    تحياتي لك
    مرورك أسعدني
    دمت بكل ود

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    الاستاذ الاديب محمد فتحي المقداد
    السرد وتصوير مشهد الانتظار والتفتيش كان مشوقا.. وأثرى التفاصيل.
    لكنني توقعت خاتمة أقوى .
    تحيتي وتقديري.
    أستاذنا عبدالسلام ..
    أسعد الله أوقاتك
    في المرات القادمة إن شاء الله ستكون الخاتمة أقوى من هذه الخاتمة
    تحياتي لك

  8. #8
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    تأتي التفاصيل لترسيخ مدى فظاعة الحدث
    شدني السرد و نقل الصور بمهارة
    أؤيد أعبد السلام ؛ توقعت نهاية أقوى
    تقديري

  9. #9
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.00

    افتراضي

    أخي الأكرم ، الأستاذ محمد فتحي
    أسعد الله أوقاتك
    ذلك ليعلم مَنْ جهل أن ثورة السوريين لم تكن ( ثورة خبز ) ولا ثورة بطون جائعة
    بل ثورةُ نفوس أبية لاسترداد كرامتها من كائنات لا تُشبه البشر !
    هل كان الكاتب يتحدث عن تعامل بشر مع بشر ؟ أم كائنات متوحشة مفترسة مع كتل لحميّة ميّتة أشبه بوجباتهم ؟!
    لم لا يقولون في النقد الأدبي مثل هذه العبارات :
    نصٌ يرفع نسبة السكر في الدم .. أو يُسبّب القرحتين .. أو قصّة بالقهر تقرّب قارئها من القبر ؟!!
    كان يُمكن لهذا النصّ ، وأنا أعتبره صفحة من أدب الثورة السوريّة ، أن يكون أروع وآلم لو اعتُني بألفاظه أكثر
    ولو أنك صنعتَ له قفلة مؤثرة طاعنة .. ويُمكن ذلك بسهولة في بيئة مثل بيئتها .. كلها طعن !!
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  10. #10
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    نعم هو واقع أليم يعيشه شعب محتل .. ومن المضحك المبكي أن يكون الشعب
    محتلا من طواغيته ، وأن يكون العسكري الفظ أو تلك الوحوش الآدمية ليس
    مستعمرا أجنبيا ولكنه من بني جلدة هذا الشعب.
    السرد هنا كان تسجيليا أكثر منه تشوقيا ، فما يحدث يجب أن يسجله التاريخ
    وتسجله الحروف لتكون شاهدا على حقبة أليمة يعيشها
    بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قصة قصيرة ......... العازف
    بواسطة تعب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-08-2016, 10:13 PM
  2. على الحاجزِ العسكريّ
    بواسطة رفعت زيتون في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 28-06-2011, 03:40 PM
  3. معاناة إمرأة على الحاجز _____ بقلم: ريما حاج يحيى
    بواسطة ريما حاج يحيى في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 25-05-2009, 10:51 PM
  4. *على الحاجِزِ العَسْكريّ * (مِنْ يوميّات فلسطيني شاعرْ)
    بواسطة عمر زيادة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 12-03-2009, 04:29 AM
  5. عند الحاجز العسكري
    بواسطة عبدالله سليمان الطليان في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-01-2008, 09:55 AM