وأخيرًا وجدتُكَ يا صديقي
صديقي .. يا توأم روحي .. يا كل كياني .. يا بلسم حياتي .. يا من أبحث عنه منذ أن أبصرت عيناي النور .. يا من أشتاق إليه وأنا معه .. يا من لا يغيب خياله عني لحظة واحدة .. يا أنا ..18 / 4 / 2018 م
لقد كنتُ أبحث عنك طول حياتي فما وجدتك .. بحثتُ عنك وأنا طفل صغير بين أقراني الأطفال ، لعبتُ معهم .. تبادلنا الفكاهات والنوادر .. تشاجرنا أحيانًا .. كنت أبحث من بينهم عن صديق حقيقي ، وإن لم أكن أعرف أن من أبحث عنه يسمى صديقًا ، ولكني كنت فقط أبحث عن شخص أرى فيه نفسي .. أشتاق إليه إذا غاب .. لا أن أشتاق إلى أن ألعب معه .. أفهم ما يريد دون أن ينطق .. ويفهمني دون أن يراني ويسمعني .. ولكني بحثتُ عنه فما وجدتُه .
وكبرتُ .. أصبحتُ طالبًا في المدرسة .. كان لي زملاء أعزاء .. ندرس سويًا .. نتسابق في الوصول للمراتب الأولى على باقي الزملاء .. نتحادث ونتسامر .. خيل إلي أن من بينهم من أبحث عنه .. ولكن للأسف لم أجده .. فبمجرد أن افترقت بنا الحياة حتى نسي كل منا الآخر .. وما هذا هو الصديق الذي أبحث عنه .
وصلتُ إلى المرحلة الثانوية ، وشاءت الأقدار أن ألتقي بمن كنت أظنه من أبحث عنه .. درسنا سويًا .. أكلنا سويًا .. تسامرنا سويًا .. حتى أنك لا ترانا إلا سويًا في منزلنا أو منزلهم .. افترقنا بعد الثانوية .. هو أكمل تعليمه الجامعي في مصر .. وأنا درست في معهد المعلمين في رام الله .. وهنا بدأت زحمة الحياة في مصر ، والانطلاق فيها تأخذه مني شيئًا فشيئًا .. توظف في ليبيا ونسيني تمامًا .. كنت أذهب إلى بيت أهله أسأل عنه ، فيخبرونني أنه بالكاد يرسل لهم رسالة تطمئنهم .. سمعتُ ذات مرة أنه جاء لزيارة أهله .. أسرعت للتسليم عليه والاطمئنان على أحواله .. سعدتُ برؤيته واتفقنا على التواصل بيننا .. ولكن من يومها لم أسمع عنه أي خبر .. عرفت حينها أنه ليس الصديق الذي كنت أبحث عنه .. الصديق الذي لا ينسى صديقه مهما تبدلت الظروف والأحوال .
توظفتُ مدرسًا في وكالة الغوث ، كان لي زملاء أفاضل .. أحترمهم ويحترمونني .. يجامل بعضنا بعضًا في المناسبات .. حاولت جاهدًا أن أجد من بينهم من أبحث عنه .. فما وجدته .. كان الواحد منهم إذا انتقل إلى مدرسة أخرى لا يعنيه من أمرك شيء .. ويكتفي بمصافحتك إذا التقيته صدفة ..
ولكن ها قد وجدتك يا صديقي .. عرفتُ أنك من كنتُ أبحث عنه .. ويزداد يقيني من ذلك يومًا بعد يوم .. ها هي الأيام تثبت لي أنك صديقي الحقيقي .. ها هي الأيام تزيدك قربًا مني .. ها هي الأيام تثبت أن فيك كل الصفات التي بحثتُ عنها منذ صغري .. أحس بك وتحس بي .. أفهمك وتفهمني .. أشتاق إليك وتشتاق إلي .. تقرأ أفكاري وأقرأ أفكارك .. لا يغيب أحدنا عن فكر الآخر لحظةً واحدة .. وأهم من ذلك أن علاقتنا تزداد متانةً يومًا بعد يوم ، بعكس علاقاتي السابقة التي كانت تفتر يومًا بعد يوم . إن ست سنين ونيف من صداقتنا تثبت أنك حقًا هو من كنت أبحث عنه .
ولكن يا صديقي .. يا نور عيني .. لماذا تأخرت عليَّ كل هذه المدة ؟ لماذا جئتني في الوقت الضائع كما يقولون ؟ لماذا تركتني طول هذه المدة وأنا أبحث عنك ؟ ولكن لا بأس ، فعزائي أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي . فبالله عليك يا صديقي لا تفرط بهذه الصداقة لحظةً واحدة .. بالله عليك حافظ عليها كما تحاظ على أغلى ما تملك . أتعاهدني يا صديقي على أن تستمر صداقتنا إلى الأبد ؟ أتعاهدني على أن لا نسمح للشيطان أن يفسد صداقتنا هذه أو أن يحرفها عن مسارها الصحيح ؟ أتعاهدني على نجعل صداقتنا هذه في الخير وأن لا تشوبها شائبة ؟ إني أعاهدك على كل ذلك وأكثر ، فهل تعاهدني ؟