الصداقة :
الصداقة هبةٌ إلهية ومنحةٌ ربانية ، وهي من أكبر النعم التي قد يحصل عليها الإنسان ، فعن طريقها يشعر الشخص بالأمان ؛ لأنّ هناك شخصًا يقف بجانبه ويسانده في المواقف الصعبة التي قد تواجهه . والصداقـة ليسـت تعـارفـاً بين أشخـاص ، ولا زمالة في الدراسة ، ولا علاقةً بين الجيران ، ولا حتى أسمـاء وابتسـامـات وزيـارات يتبـادلهـا الأفراد فيمـا بينهم . الصداقة زهرة لا بدّ أن نرويها بماء الوفاء ونحيطها بتراب الإخلاص حتى تظل دائماً يانعة متفتحة ، شامخةً شموخ الجبال.
والصداقة - بادئ ذي بدء - تآلفٌ روحي ، وتناغمٌ فكري ، حتى لو اختلف المستوى العلمي والتخصص الأكاديمي ، الصداقة تبدأ بشعور تحس به نحو الشخص – قبل أن تعرف تفاصيل حياته – تراه فتنجذب إليه دون سبب ظاهر ، وكأنك تجسد الحديث النبوي الشريف : " الأرواح جنودٌ مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تنافر منها اختلف " ( رواه البخاري ومسلم ) . صحيح أن هذه النقطة وحدها لا تكفي لتكوين صداقة حقيقية ، ولكن بدونها لا تكون هناك صداقة حقيقية .
والصداقةٌ – ثانيًا – صراحةٌ ووضوح ، أن تعرف من البداية حقيقة صديقك ، وحقيقة الصداقة بينكما ، وطبيعة نظرتكما لهذه الصداقة . ولا أقصد هنا أن الصديق يجب أن يعرف كل أسرار صديقه ، ولكن لا بد للصديق من البداية أن يعرف كل ما يمكن أن يؤثر في صداقتهما مستقبلاً – سلبًا أو إيجابًا – فلا يفاجأ بأشياء قد يفسرها الصديق على غير حقيقتها ، وخاصة علاقات الصديق الأخرى مع الآخرين .
والصداقة بعد ذلك إخلاص وتفانٍ ، بعيدًا عن المصالح الذاتية ، والمكاسب الشخصية .. وأن تخلص في صداقتك ، فلا تألو جهدًا في بذل الغالي والنفيس لإسعاد صديقك .. ولا تترك فرصة لتقدم له النصيحة والمشورة .. وأن تتمنى له من كل قلبك كل خير وتقدم وفلاح .. وأن تحب له ما تحب لنفسك .. ثم لا يكون هدفك من الصداقة مكسبًا شخصيًا ، أو تزلفًا له بسبب المنصب أو المكانة المرموقة أو حمايةً لك من آخرين .
والصداقة تضحية وفداء .. تضحي من أجل صديقك بما تستطيع .. لا تبخل عليه بمالك وجهدك وعرقك .. وأن تفديه بكل غالٍ ونفيس .. والشعب الفلسطيني – والحمد لله – قدَّم ويقدم كل يوم أروع قصص التضحية والفداء ، وكم سمعنا عن أصدقاء تعرضوا للاستشهاد دفاعًا عن أصدقائهم .
والصداقة أيضًا درعٌ وحماية ووقاية للصديق .. تذبُّ عنه في غيابه .. لا تذكره أمام الآخرين إلا بالخير .. تدافع عنه في المحافل .. تنصره إذا تعرض لسوء .. تبعد عنه كل ما قد يسيء إليه ..
والصداقة نصحٌ وإرشاد .. تنصحه إذا أخطأ .. ترشده إلى أفضل طرق الخير .. لا تعينه على الباطل .. عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره" ( رواه البخاري ) .
وقبل ذلك وبعد ذلك يجب أن تكون الصداقة على تقوى الله .. أن تكون في الخير .. لا أن تكون في معصية الله .. حتى لا تكون مصدر ندامة يوم القيامة .. قال تعالى : " الأخِلّاءُ يومئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدو إلا المتقين " ( سورة الزخرف 67).
أدعو الله العلي القدير أن تجمعنا بكم صداقة في طاعة الله ، وأن يبعدنا عن أصدقاء السوء ، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل ، إنه نعم المولى ونعم النصير .