أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: ماركيز يعيد كتابة هيمنغواي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2003
    المشاركات : 173
    المواضيع : 58
    الردود : 173
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي ماركيز يعيد كتابة هيمنغواي

    عندما تسلّمت العمل مع جريدة الحياة وأردت أن أكتب عن بعض الإصدارات الجميلة، لم أستطع أن أتجاوز كتاب قراءة في وجه الشمس، وكان أن قدّمت له في ديباجة سريعة، لم تتضمن الحديث عن هيمنجواي، لكنّ هيمنغواي كان في خلفية الدافع، الذي دفعني إلى تقديم الكتاب:

    الحياة: الخميس المنصرم، زاوية إصدارات:

    1.قراءة في وجه الشمس.
    مقالات
    المؤلف: خالد العوض.
    في طليعة الكتاب يضع الكاتب خالد العوض وطاءة تمهيدية يشرح فيها المؤثرات الظرفية المصاحبة لكتابة هذه المقالات: المنافسة المشهورة بين ماتسورا والقصيبي في انتخابات اليونسكو، أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مواجهة هجومات بعض الأدباء والكتاب العرب لجوانب اجتماعية في الحياة السعودية، كتابات في مواضيع مهمة لها علاقة بالأدب والسياسة.
    وينتهج الكاتب أسلوب المقالة القصصية أو الوصفية الفكرية، وهو أسلوب ممتع يستحق العناية والتدبر.

    يتساءل الأستاذ خالد العوض: ((أيهما اثّر على أعمال هيمنجواي الأدبية؟ عمله الصحفي الذي يتطلب منه الموضوعية والتجرد أم عمله الآخر [الجاسوسي] الذي لم نعرفه إلا بعد ثمان وثلاثين سنة من وفاته؟!)).


    والذي فهمته أن الأستاذ خالد العوض، يعزو هذا الصدق الواقعي، وهذه الحقيقة العفوية المعجزة لدى هيمنجوي إما إلى تجربته الصحفية، أو إلى قدرته على الوصول إلى المعلومات بحتمية عمله الجاسوسي.

    من هنا جاءتني الرغبة في المشاركة والمداخلة، وعلى سبيل الاستطراد، أقول إن هيمنجوي كان رائعا وعبقريّا، وشرط هذه العبقريّة أن يكون مثل حيوان الكاتوبليباس، الذي ذكره ماريو يوسا في رسائله إلى الروائي الشاب، وهو حيوان خرافي، يبدأ بالتهام نفسه من قدميه إلى رأسه، ليلتهم نفسه في النهاية، بمعنى: أن مادّة الإبداع عند هيمنجوي هي مادّة حياته، أي تجربته كلها، يدخل في ذلك ميله الأدبي، وتجاربه في الحرب والرحلات، ومع النساء، ومقاساته المادّيّة وما يحمله في ذاته من صراع بين الذاتية الإبداعيّة الإنسانية والزخم الأنانيّ الذي يستقبل مادّة العالم على أنها كلها أدوات ليس إلا (وهذا الكلام ليس ليوسا على أيّ حال، فأنا لم آخذ منه إلا عبارة الكاتوبليباس). هذا التلاقح، والتغذي على مكتسبات الذات كلها، بما فيها الذات نفسها، هي ما يسميه النقاد والمتخصصون: (الثراء) أو (العمق) أو (الواقعيّة الصادقة). وهو عندي باختصار: (الصدق الفني الحازم). ولذا نلاحظ أن الكتاب الأمريكيين انقسموا إلى ثلاثة أقسام: كتاب أمريكا، وكتاب أمريكا وأوربا، وكتاب أمريكا والعالم. وأنا أزعم أنّ (هيمنجواي ووليم فوكنر ووليم جولدينج) هؤلاء الثلاثة (ولك أن تزيد عليهم ولكن هذه قناعتي) هم كتاب أمريكا والعالم، وأخصّ هيمنجوي ووليم فوكنر لماذا؟ لأنهما يعتبران من الكتاب الأمريكيين الذين أثروا تأثيرا بالغاً في أدب أمريكا اللاتينيّة، فبثّوا فيه تلك المحليّة الصارخة المجنونة، وتلك الحماقات والبذاءات السليطة التي تجري بغرائبها على ألسن الأبطال، وتلك المشهدية غير المباليَة بأي قيمة إضافيّة ما عدا قيمتها الذاتيّة. وكم ذا قلتُ إن هيمنجوي وفوكنر لا يقلان تأثيرا في أمريكا اللاتينية عن بورخيس وكورتاثر. بل إنني أرى (وهذه كلمة خطيرة، ولكنني أقولها وأتحمل عقوبتها) أنّ كثيرا من الأعمال الأدبية العظيمة في أمريكا اللاتينية ما هي إلا عالةٌ على هذين الكاتبين العظيمين: وليم فوكنر، وإرنست هيمنجوي. إن الكاتب اللاتيني والناقد اللاتيني والمتذوق اللاتيني لا يكاد يحك رأسه دون أن يحدثك عن وليم فوكنر وهيمنجوي. وسآخذ مثالا واحدا ليس إلا، وهو أحد أعظم فانتزيي الأدب اللاتيني على الإطلاق: غابرييل غارسيا ماركيز:
    هذا الكاتب في مذكراته، يكاد يصاب بالحمّى وهو يقرأ رواية الصخب والعنف لوليام فوكنر، وهذه رواية لاتينية كما تعلمون، وهذا ما يقوله ماركيز نفسه، لأن الفوارق الحدودية والناشيونالية (إن صحت الكلمة) ليست بأشد تأثيرا من التشابه البيئي والمجتمعيّ؛ وبحسب مذكرات ماركيز، فقد كان يقرأ هذه الرواية في رحلته على السفينة مع والدته، إلى قريته الأم التي نشأت فيها الأسرة، وكان يقرؤها على أبواب القرية وفيها، ويقرأ قريته اللاتينية على ضوئها.
    ولسنا ببعيدين عن الرواية الكبرى الشهيرة، التي كتبها وليم فوكنر بالتوازي مع رواية أخرى، وأنا أعني رواية الرجل العجوز، التي تصاغ متوازية مع قصة حبّ في جنوب أمريكا، وقد أفردتها إحدى دور النشر بالطباعة وحدها: في رواية الرجل العجوز نقرأ عن فيضان نهر المسيسبي، حيث يتحوّل النهر إلى الشخصية المصارعة للبطل، فالبطل يصارع في قاربه، ليوصل المرأة إلى هدفها، ويصارع قوى غير مرئية، تحاول أن تغالبه دون هدفه، وتجري غرائبية الكلام ليس بافتعاله، وإنما بالجرأة على تقديم هذا المشهد غير المعقول في قالب مقنع، قالب حقيقيّ إن شئتم القول، البطل يقاتل هذه القوى، ويفقد مجدافه، ويتعرض لخيالات الضياع والجوع، ويظل أياما يقاتل حتى يصل في النهاية إلى الضفة.
    هذه الفكرة يستلمها هيمنجواي من وليم فوكنر ويكتب بها (بكل وضوح) رواية العجوز والبحر.
    ويستلم غابرييل ماركيز هذه الفكرة ويكتب على إثرها رواية البحار الذي فقد سفينته (بالوضوح ذاته والمشاهد والتجارب ذاتها).
    لكن المثال الأكبر المتشح بعلامته الحمراء هو: المقارنة بين قصة قصيرة لهيمنجوي، ورواية لماركيز.
    قصة هيمنجوي بعنوان: القتلة. وتحكي قصّة أخويْن يأتيان إلى المدينة يسألان عن رجل يريدان قتله، وهذا الرجل ارتكب خطأ فظيعا، ولكن هيمنجوي لا يبوح بهذا السر، وبرغم أنهما أعلنا أمام الناس أنهما سيقتلان هذا الرجل إلا أن أحدا لم يخبره، ويعثران عليه وهو خارج من منزله فيقتلانه.

    العمل الموازي من حيث الصياغة هو رواية ماركيز: سرد أحداث موت معلن.
    في هذه الرواية يرتكب سانتياغو نصار خطأ في حق الأخوين، لأنه يفتض بكارة أختهما، ويسرد ماركيز الأحداث متوازية مع قصة القتلة، لكنه يفصل ويسرد كما ينطق بذلك عنوان روايته، ويخبر الأخوان جميع الموجودين في الأرجاء أنهما سيقتلان سانتياغو نصّار، ولكن أحدا لم يحذره، وتجري أحداث الرواية ناهضة على الأسلوب السردي الماركيزي العجيب، إلى أن يلتقي الأخوان بسانتياغو نصار خارج بيته فيقتلانه، بفارق بسيط: أنهما كانا يحملان ساطورين صغيرين، وليس بندقيتين صغيرتين كما في قصة القتلة لهيمنجوي.

    هذا المثال يؤكد حقيقة التأثير للكاتبين الأمريكيين المذكورين في ثقافة الأدب اللاتيني، التي تراهن في استقلاليتها الكتابية على الطريقة التي تتناول بها الموضوع، وليس على ابتكار الحكاية أو الانفراد بطابعها الحكائي، فنلاحظ أن رواية ماركيز هذه ما هي إلا سرد موسّع لأساس مكتوب مسبقا، وكاتبه هو: هيمنجوي، هذا هو هيمنجوي، المبدع الذي صنعه أنه يتغذى على كيانه المبدع، وليس أيّ ذاكرة أو تجربة مخصصة بعينها، بل بتجاربه جميعا، جاسوسا، أو صحفيا، عاشقا، مفلسا، أو قوّاداً، بكل شيء، كل شيء.
    لو استنشقتَ عبير الأسحار لأفاقَ منكَ قلبُكَ المخمور

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jan 2005
    المشاركات : 393
    المواضيع : 6
    الردود : 393
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    أخي الحبيب عبد الواحد

    تم ما أردت، وأستأذنك فقد قمت بنقل الموضوع إلى منتدى الفنون والآداب، فمكانه هنا أفضل.

    تقبل تحياتي،،،
    وَلَم أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبَا...كَنَقْصِ القَادِرِيْنَ عَلَى التَمَامِ
    المتنبي

  3. #3
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    المبدع عبد الواحد:

    تناول ينم عما نعرف عنك من عمق أدبي وثقافة واسعة وحرفية في التناول.

    أسعدني نشرك مثل هذه المواضيع بحق وأرى أن مكان مثلها هو في صالون الواحة للآداب والفنون وقد أحسن أخي سلطان بنقله إلى هنا.


    لا نزال نطمع منك بالكثير فأنت للأدب نبع وفير وغيث غزير.


    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2003
    المشاركات : 173
    المواضيع : 58
    الردود : 173
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    أساتذتي سلطان زمن، سمير العمري، لقد تهت عن هذا الموضوع بعد أن طلبت منكم نقله، ولم أجده إلا اليوم، أنا في أشد درجات التعثر والخجل لتأخري عن الرد، أشكركما على هذه العناية، ولا حرمني الله من ظلّكما، وكل عام وأنتم بخير، دوما بعافية، دوما بها، دوما بها.

  5. #5
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الله عليكم
    الاخ الفاضل عبد الواحد الانصاري

    ما اجمل هذه الرحلة الثقافية الادبية التي
    شددت رحالي معك فيها , فنشرت شراعي
    وتركت نفسي لرياح افكارك وعباراتك ,
    محمولا على تقاذفات امواج بحرك الصاخب
    فافرح تارة واحزن اخرى , فانا احبّ الرجلين
    ولكل منهما في قلبي تمثال حب قديم جميل ,
    انا احب البحر واحب همنجواي , اعشق
    التجربة الانسانية الثّرة الممزوجة تارة بالطهر
    وتارة بالاثم , وتارة اخرى تبقى مبهمة كاللغز,
    واحب ايضا امريكا اللاتينية , احب موسيقاها
    واعشق شعرها وادبها , انها بالنسبة لي حياة
    صاخبةملأى بالمشاعر الانسانية العميقة وبالحب
    العفوي والثورة والعنفوان , احببت جابرييل غارسيا
    ماركيز .
    اخي الاديب الفاضل عبد الواحد الانصاري , كم
    سعدت بهذه الرحلة الرائعة التي قضيتها
    مع كتابتك القيّمة وهذه المقالة الادبية , التي
    وددت لو لم تنتهي , تمنيت ان استمر ناهلا
    من معينها , ومرافقتك المشوار الى عوالم
    وعوالم اخرى .

    وتقبل محبتي وتقديري .

    اخوكم
    السمان

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2003
    المشاركات : 173
    المواضيع : 58
    الردود : 173
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    أخي السمّان: مشاعر طيّبة، وردّك دلّني على ما عندك من عناية وحبّ شديد للآداب العالميّة النثريّة، وهذه وشيجة قربى تجمعني بك، وتحوط ذراعي بذراعك، وأعتقد أنني كسبت فيك قارئا مهتمّا، وهذا مكسب لا يضاهى.
    تحرسك الملائكة يا صديقي.

  7. #7
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الله عليكم
    الاخ الفاضل الاستاذ عبد الواحد الانصاري
    اكرمتني بردك الجميل , ويشرفني ان اكسب اخا وصديقا
    علما مثلك , والحقيقة ان المقالة التي جئت بها هي ذات
    مستوى رفيع ومتقدم جدا , ولعل صالون الواحة الثقافي
    يعتز بك وباخوة افاضل من كبار الادباء , ممن اعتز انا
    بملاقاتهم من خلاله .
    تقبل محبتي وتقديري الخالصين .

    اخوكم
    السمان

  8. #8
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    وأخيرا أجد صديقي المثقف الموهوب عبدالواحد الأنصاري هنا في الواحة ..
    وكعادته دائما يقدم لنا كتابة حقيقية .
    وكما عرفت عبدالواحد كاتبا متميزا في السرد .
    نراه الآن متابعا حقيقيا للآداب العالمية .
    نعم. وليم فوكنر طاقة روائية هائلة .
    لا يمكنني أن أنسى روايته الهائلة " الصخب والعنف " بأبناط الكتابة المختلفة .
    وهو ما لم يكن معروفا قبل ذلك بنفس الدرجة من الحذق والكفاءة .

    موضوع هام وقراءة مجيدة .

  9. #9
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    (الثراء) أو (العمق) أو (الواقعيّة الصادقة)

    خبز الابداع لايكون الا بهذه الثلاثة .....

    ممتن لهذا الجهد .. النافع
    الإنسان : موقف

المواضيع المتشابهه

  1. لاشيء يعيد الزمن
    بواسطة بتول الدليمي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-02-2020, 09:18 PM
  2. التاريخ يعيد نفسه في قطر
    بواسطة شهيد لحسن امباركي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-06-2017, 11:34 PM
  3. من يعيد الجدولة
    بواسطة محمد ذيب سليمان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 17-07-2015, 12:26 PM
  4. تعالوا نتعلم كتابة الفقرة
    بواسطة د. سلطان الحريري في المنتدى عُلُومٌ وَمَبَاحِثُ لُغَوِيَّةٌ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 25-04-2012, 09:06 PM