أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تحليل سيميائي مقترح لنص بردة كعب بن زهير

  1. #1
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي تحليل سيميائي مقترح لنص بردة كعب بن زهير

    تحليل سيميائي مقترح لنص
    بردة كعب بن زهير
    للصف العاشر الأساسي في فلسطين / الجزء الثاني
    مقدمة :
    عندما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يدعو إلى الإسلام ، انطلق كعب بن زهير بن أبي سلمى ، وأخوه بُجَير ، يستطلعان أمر هذا الدين الجديد ، حتى بلغا " أبرُقَ العزّاف " ، وهو ماء في الطريق إلى المدينة ، فقال كعبٌ لبُجَير : القَ الرجل ، فأنا مقيم ٌ لك ها هنا ، وانظر ما يقول لك ، فقدمَ بجير على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسمع منه وأسلم . فبلغ ذلك كعبًا ، وكان نَدِمَ على رغبته في الإسلام ، فهجا الرسولَ - عليه السلام - ونال من أعراض المسلمين ، فلما بلغ ذلك الرسولَ - عليه السلام – أهدر دمه . فكتب بجيرٌ إليه يخبره الخبر . وعندما فتح المسلمون مكة ، كتب بجير إلى أخيه يأمره أن يأتي إلى الرسول – عليه السلام – ويبايعه على الإسلام ، فأقبل على الرسول بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رَحُبَت ، وكان ملثمًا بعمامته ، فقال : يا رسولَ الله ، هذا رجلٌ يبايعك على الإسلام ، فبسط – عليه السلام – يده ، فحسر كعبٌ عن وجهه ، وقال : هذا مكان العائذ بك يا رسولَ الله ، اأنا كعب بن زهير ، فَتَجَهَّمَتْهُ الأنصار ، وأغلظت له ؛ لِما كان منه ، وأرادت الفتك به ، وأَحَبَّ المهاجرون أن يسلم ، ويُؤَمِّنَهُ الرسولُ – عليه السلام – فأمَّنَهُ ، فأنشد هذه القصيدة ، فكساه الرسولُ بُردةً ، فسُمِّيَت هذه القصيدة ( البُردة ) .
    وهذه القصيدة من شعر المخضرمين ، وهم الشعراء الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام ، وقد افتتحها الشاعر بالغزَل ، جريًا على عادة شعراء الجاهلية ، ثم تحدَّث عن الناقة التي حمَلَتهُ إلى المحبوبة ، ثم جاء على الغرض الرئيس الذي قال من أجله قصيدته ، فاعتذر إلى الرسول الكريم ، واستعطفه ، بعد أن أظهر خوفه وجزعه ، ومدح الرسول – عليه السلام - ، ثم مدح المهاجرين الذين رغبوا في إسلامه .
    وكعب بن زهير ، شاعر مخضرم ، شهد الجاهلية والإسلام ، وهو ابن الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى ، توفي سنة ستٍّ وخمسين للهجرة .
    1 ـ سيميائية العنوان :
    يتحدث العنوان عن بُردة ، وهي الثوب المخطط ، وهذه البردة كانت أصلاً للرسول – صلى الله عليه وسلم – ولكنه كساها كعب بن زهير ؛ فسميت : " بردة كعب بن زهير " . ولكن لماذا اختيرت هذه البردة لتكون عنوانًا للنص ؟! الواقع أن هذه البردة كان لها شأن عظيم في حياة كعب ؛ لأنها حولت حياته من إنسان مهدور الدم ، إلى إنسان معزز مكرَّم ، قد بلغ من رضا الرسول – صلى الله عليه وسلم – عنه أن كساه بردته . فهذه البردة تحمل معاني الرضا والأمن والأمان والسلامة والإسلام ، بعد الخوف والشدة وإهدار الدم وضيق الأرض بما رحُبَت بسبب ما قام به كعب من هجاء للرسول - صلى الله عليه وسلم – ونَيله من أعراض المسلمين .
    2 ـ سيميائية الأسماء :
    استهل الشاعر قصيدته بذِكر " سعاد " ، وأغلب الظن أن " سعاد " ليست شخصية حقيقية ؛ فلقد سمَّى الشاعر الجاهلي له محبوبةً رمزًا لغويًا ، واسمًا فنيًا ، وعنوانًا موضوعيًا ( عبد الجليل ، 1982 ، 51 ) . ومن الملاحظ أن اسم " سعاد " لم يستعمله الشعراء الجاهليون إلا في المدح . فالشاعر كعب بن زهير استعمل هذا الاسم في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم – في هذه القصيدة . واستعمله ربيعة بن مقروم حين مدح مسعود بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة في قصيدته التي مطلعها :
    بانت سعادُ فأمسى القلبُ معمودا وأخلَفَتْكَ ابنةُ الحُرِّ المواعيدا
    واستعمله الأعشى حين مدح هوذة بن علي الحنفي في قصيدته التي مطلعها :
    بانت سعادُ وأمسى حبلُها انقطعا واحتلَّت الغَمرَ فالجُدَّينِ فالفَرَعا
    واستعمله الأعشى أيضًا حين مدح إياس بن قبيصة الطائي في قصيدته التي مطلعها :
    بانت سعادُ وأمسى حبلُها رابا وأحدَثَ النأيُ لي شوقًا وأوصابا
    حتى أن إبا نواس ، الشاعر العباسي، قد استعمله عندما مدح العباس بن عبيد الله في قصيدته التي مطلعها:
    حلَّت سعادُ وأهلُها سَرِفا قومًا عدًى ، ومحلةً قذفا
    فليس عبثًا أن يقف كعب بن زهير ليختار سعاد ، مستهلاً بها أبياته ، مصرحًا باسمها ، واصفًا ما وصف ـ وهو الحريص على إبعاد أية مظنة من مظان الاتهام ـ مادحًا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ، معتذرًا ، راجيًا الصفح والعفو ، خائفًا من الفتك به ، مختبئًا وراء كلماته ، ويصادف شعره من رسول الله رضًا ليطلب إليه أن يكشف له عن وجهه ، وما سعاد في هذا الصدد سوى رمز يهدف إلى ما يريده الرجل ، ويكشف عما يأمله المذنب ( عبد الجليل ، 1982 ، 26 ) . وسعاد هي التي لا يشقى صاحبها ، ولا يخيب طالبها بالأمل الباسم والحياة الواعدة ( عبد الجليل ، 1982 ، 163 ) .
    ولكن لماذا يُستخدم هذا الاسم بالذات في القصائد التي غرضها الأساسي المديح ؟! إن من يمدح إنسانًا إنما يريد من ذلك أن ينال شيئًا من الممدوح ، سواءً أكان ذلك مالاً أو جائزةً أو رضًا أو عفوًا عن ذنب اقترفه ، فإذا حقق له الممدوح ما يريد فإنه سيكون في سعادةٍ غامرة .
    فكأن كعب بن زهير يقول : أسعِدني يا رسول الله بالعفو عني ؛ فأنت الكريم القوي الشجاع ، الذي يعفو عند المقدرة ، وقد أعطاك الله القرآن الكريم ، وحولك المسلمون المهاجرون ذوو الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة . . . إلخ .
    3 ـ سيميائية البناء الداخلي للشخصيات :
    وردت في القصيدة عدة شخصيات هي على الترتيب : سعاد ، الناقة ، الوشاة ، الشاعر نفسه ، أصدقاء الشاعر ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المسلمون المهاجرون .
    أما سعاد فإنها تتصف بالصفات التالية : تخلف الوعد ، لا تقبل النصيحة ، تتغير كثيرًا في تعاملها، تنقض العهود . ولكن ما علاقة هذه الصفات بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب العفو منه؟ أغلب الظن أنه يشير بهذه الصفات إلى السعادة التي يبحث عنها ؛ فقد تخيلها فتاةً يحبها اسمها سعاد، ولكنها فارقته وأخلفت وعده ، ولم تدم على حال ، وهو يتمنى أن تعود إليه ، ولا يكون ذلك إلا بعفو الرسول – صلى الله عليه وسلم – عنه . إذن فالشاعر يرمي من وراء ذكر محبوبته المفترَضة التي فارقته ، أن يستعطف النبي – صلى الله عليه وسلم – لكي يعفو عنه ، فيجعله سعيدًا .
    أما الناقة فلم ترِد أوصاف معنوية لها ، حتى في النص الكامل للقصيدة .
    وأما الوشاة فلم نعرف عنهم سوى أنهم قالوا له : إنك مقتولٌ لا محالة . ولعله كان يقصد بالوشاة هنا من لم يُسلموا بعد ، فهم يريدون أن يثنوه عن الذهاب للرسول ليعلن إسلامه ، وذلك بتخويفه من فتك الرسول به . وربما كان يقصد بالوشاة الأنصار الذين تجهَّموه عندما كشف عن وجهه ، وأغلظوا له ، وأرادوا الفتك به . فكأنه يقول للرسول – صلى الله عليه وسلم – : اعف ُ عني يا رسول الله ، ولا تقتلني، ولا تطع هؤلاء الذين يريدون قتلي والفتك بي .
    وأما الشاعر نفسه فإنه يتصف بما يلي : لا يسمع لكلام الوشاة ، يؤمن بالقضاء والقدر ، يؤمن بأن مصير كل إنسان هو الموت ، يأمل بالعفو من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، يؤمن بالقرآن الكريم، جاء تائبًا معتذرًا معلنًا إسلامه .
    وأما أصدقاء الشاعر فقد تخلوا عنه ، وكل منهم ادَّعى أنه مشغول ، ولا يقدر على مساعدته . وربما قصد الشاعر من وراء ذلك أن يبين للرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الأعداء قد حاولوا ثنيَهُ عن إعلان إسلامه ، وأن الأصدقاء قد تخلوا عنه في محنته ، فلم يبق له أمل ورجاء إلا في رسول الله أن يعفو عنه ويتجاوز عن زلته .
    وأما الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد اختار الشاعر من صفاته : أنه شجاع ، يهابه من يقف أمامه ، وتخافه سباع الجو وسباع البر ، وكلامه فاصل حاسم لا يُرَدُّ ، وهو نورٌ يهتدي به الناس . وذِكْرُ الشاعر لهذه الصفات بالذات يحمل في طياته حثًا للرسول – صلى الله عليه وسلم – على العفو عنه ؛ لأنه إن عفا عنه فإن هذا العفو ليس ناجمًا عن ضعف وخَوَر ، إنما هو العفو عند المقدرة ، ثم إن الرسول لم يأتِ للانتقام وسفك الدماء ، إنما جاء نورًا وهاديًا للعالمين ، فهذا الرسول بهذه الصفات حريٌّ به أن يعفو عمَّن جاءه تائبًا نادمًا على ما بَدَرَ منه .
    وأما المهاجرون من قريش فقد خصهم الشاعر بمدحه لأنهم أحَبّوا أن يُسلِم ، وحثوا الرسول على أن يؤمِّنَه ويعفو عنه . فمن صفاتهم التي ذكرها الشاعر : لم تكن هجرتهم عن ضعف ، أو قلة سلاح ، أو خوف من الأعداء ، ولا حُمقًا وانعزالاً عن الناس . وهم أنوفهم مرفوعة إلى أعلى عزةً وفخارًا ، وهم أبطال في المعارك ، ولكنهم لا يفرحون كثيرًا إذا انتصروا ، ولا يجزعون إذا هُزِموا ، وهم شجعان لا يفرون من المعركة .


    4 ـ سيمياء البناء الخارجي للشخصيات :
    وردت في القصيدة أوصاف خارجية لكل من : سعاد ، والناقة التي حملتها إلى البلاد التي ذهبت إليها بعد رحيلها من بلد الشاعر .
    أما سعاد فمن ملامحها الخارجية التي وردت في القصيدة : أنها في صوتها غُنَّة ، تنظر خافضةً عينيها ، وهي مكحولة العينين ، ضامرة البطن ، رقيقة الخاصرة ، كبيرة العجز ، متوسطة الطول ، أسنانها برّاقة ناصعة البياض . وما دام الشاعر يقصد بسعاد سعادته المفقودة التي يتمنى رجوعها ، فإنه يشير هنا كم هي جميلة تلك السعادة التي ستحل عليه إن عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وأما الناقة التي حملت محبوبته سعاد ، ففيها كل الصفات الجميلة . ومن هذه الصفات التي نستنبطها من النص الكامل للقصيدة : عتيق ( كريمة ) ، نجيبة ( قوية خفيفة ) ، مرسال ( سريعة ) ، عُذافرة ( صلبة عظيمة ) ، قوية على السير ، كثيرة العرق ، حادة البصر ، ضخمة العنق ، غلباء (غليظة العنق ) ، وجناء ( عظيمة الوجنتين ) ، عُلكوم ( شديدة ) ، مُذكَّرة ( عظيمة الخلقة تشبه الذُّكران من الأباعر ) ، واسعة الجنبين ، طويلة العنق ، جلدها في غاية النعومة والملاسة ، مداخلة النسَب في الكرم ، مهجَّنة ( كريمة الأبوين ) ، قَوداء ( طويلة الظهر والعنق ) ، شمليل ( خفيفة سريعة ) ، عَيرانة ( تشبه الحمار الوحشي في سرعته ونشاطه وصلابته ) ، ممتلئة باللحم من كل الجوانب ، ذيلها غليظ طويل كثير الشَّعَر ، قَنواء ( محدودبة الأنف ) ، يظهر للعارف بالإبل الكرام كرمٌ ظاهر في أذنيها لحسنهما وطولهما، في خديها سهولة وليونة ، غاية في الإسراع في سيرها ، أعصاب قوائمها شديدة كالرماح السُّمر .
    هذه الصفات كلها صفات مدح ، فلماذا أسهب الشاعر في مدح هذه الناقة بالرغم من أنها ساعدت في بُعد محبوبته سعاد عنه ؟
    5 ـ سيميائية الزمان والمكان :
    حدثت أحداث هذا النص بعد فتح مكة ، حيث كان المسلمون في أوج قوتهم وعزتهم ، فليس أمام كعب بن زهير إلا أن يندم عما بدر منه بحق الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين ، ويطلب العفو من رسول الله ، كما ليس أمامه إلا أن يعترف بأن الإسلام هو الدين الحق ، وأنه لا أحد يستطيع أن يقف في وجهه .
    أما الزمن الذي حدثت فيه الأحداث المفترضة المذكورة في القصيدة ، فإنه يشمل :
    1 ـ فترة ما قبل رحيل محبوبته سعاد ، حيث كان يعيش في أمن واستقرار ، وهي تشير إلى الفترة التي عاشها الشاعر قبل أن يهدر الرسول - صلى الله عليه وسلم – دمه ، حيث كان يعيش في أمن واطمئنان .
    2 ـ فترة رحيل محبوبته سعاد ، حيث المعاناة والآلام النفسية التي قاساها ، وهي تشير إلى الفترة التي عاشها منذ أن أُهدِرَ دمه حتى قدومه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وما كان فيها من معاناة.
    3 ـ الفترة التي ألقى فيها قصيدته على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفيها يتحدث الشاعر بصريح العبارة - دون إشارة أو تلميح – عن أمله في أن يعفو رسول الله عنه ؛ حتى تعود إليه سعادته .
    أما المكان فقد ألقى الشاعر قصيدته بحضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأغلب الظن أن ذلك في المسجد النبوي ، الذي هو في المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك ، حيث القوة والعزة والمنعة . وبذلك نجد أن الزمان والمكان يتعاضدان في إبراز الظرف الذي حدثت فيه الدواعي التي دعت إلى قول هذه القصيدة ، وما كان يطمح إليه الشاعر من إلقائها .
    وأما الأحداث التي ذكرها الشاعر في قصيدته ، فقد حدثت في عدة أماكن ، وكل مكان منها له دلالاته وإيحاءاته . فالمكان الأول هو مكان إقامة الشاعر ، فهذا المكان يشير إلى ما كان عليه الشاعر من أمن واطمئنان وسعادة ، حيث كانت محبوبته سعاد ( التي تشير إلى السعادة ) قريبة منه ، يسعد بلقائها والقرب منها . أما المكان الثاني فهو الطريق الذي سلكته سعاد عندما غادرت الديار لتفارقه ، فهذا المكان يشير إلا المرحلة الانتقالية التي عاشها منذ إهدار دمه حتى قدومه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، حيث عانى ماعانى من الشدة والخوف والقلق وعدم الاستقرار . أما المكان الثالث فهو مكان حقيقي وليس مفترضًا ، وهو المكان الذي يقف فيه ليُلقي قصيدته ، وهذا المكان – كما سبق أن قلنا – هو المسجد النبوي في المدينة المنورة .
    6 ـ سيميائية الأحداث الواردة في النص :
    تبدأ الأحداث بفراق محبوبته سعاد ، ورحيلها من دياره إلى ديار أخرى بعيدة عنه . والشاعر يشير بذلك إلى أنه كان يعيش سعيدًا آمنًا مطمئنًا ، ولكن هذه السعادة لم تدم ، بل فارقته عندما توعَّده رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأهدر دمه .
    ثم يبدأ الشاعر بوصف محبوبته سعاد بأوصاف حسية غاية في الجمال ، ولكن صفاتها المعنوية ليست كذلك ؛ فهي تخلف الوعد ، ولا تقبل النصيحة ، وتتغير كثيرًا في معاملتها ، ولا تفي بالوعود . وكأن الشاعر يشير إلى أن سعادته كانت في ظاهرها جميلةً جذابة ، ولكنها في حقيقتها وجوهرها عكس ذلك ؛ لأنها لم تكن سعادة قائمة على الإسلام والإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم - .
    ثم يتحدث الشاعر عن وصول سعاد إلى بلاد بعيدة لا يمكن الوصول إليها إلا على ظهور النوق الكريمة النشيطة . وكأن الشاعر يريد أن يقول : إن عودة السعادة إليه ليس بالأمر الهين أو اليسير ، ولا يقدر عليه إلا الكريم الشجاع ( يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وفي ذلك ترقيق لقلب الرسول لكي يعفو عنه .
    ثم يذكر الشاعر أن الوشاة خوفوه وقالوا له : إنك مقتول لا محالة ، ولكنه لم يلتفت إلى أقوالهم ؛ لأنه يؤمن بالقضاء والقدر ، وأن كل ما قدَّر الرحمن مفعول . ولعل الشاعر يقصد بالوشاة أولئك الذين لم يؤمنوا بعد ، وحاولوا أن يثنوه عن الذهاب إلى رسول الله والاعتذار إليه . وربما يقصد بالوشاة الأنصار من أهل المدينة الذين تجهموه وأغلظوا له وأرادوا الفتك به عندما اكتشفوا أمره .
    كما يذكر الشاعر

    النص الكامل لقصيدة " بانت سعاد "
    لكعب بن زهير
    1- بانت سُـعادُ فقلبي اليـومَ متـبولُ مُتَيَّــمٌ إثْرَهــا لم يُفدَ مكـبولُ
    2- وما سُعادُ غَـداةَ البينِ إذْ رحـلوا إلا أغَنُّ غضيضُ الطرفِ مكحولُ
    3- هيفـاءُ مُقبِلةً ، عجـزاءُ مُدْبِـرةً لا يُشتَكَى قِصَرٌ منهـا ولا طُـولُ
    4- تجلو عوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسمت كأنَّــهُ مُنهَـلٌ بالـراحِ معلـولُ
    5- شُجَّت بذي شَـبَمٍ من مـاءِ مَحْنِيَةٍ صافٍ بأبطحَ أضحى وَهْوَ مشمولُ
    6- تنفي الرياحُ القَـذَى عنهُ وَأفرَطَهُ من صَوْبِ غاديـةٍ بِيضٌ يعاليـلُ
    7- فيـا لهـا خُـلَّةٌ لو أنها صَدَقَتْ بِوَعْدِهـا أوْ لَوَ أنَّ النُّصحَ مقبولُ
    8- لَكِنَّها خُـلَّةٌ قد سِـيطَ من دَمِها فَجْـعٌ وَوَلْـعٌ وإخلافٌ وتبديـلُ
    9- فما تدومُ على حالٍ تكونُ بهـا كمـا تَلَوَّنُ في أثـوابِـها الغـولُ
    10- وما تَمَسَّكُ بالعهدِ الذي زعَمَت إلا كما يُمْسِـكُ المـاءَ الغرابيـلُ
    11- فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّت وما وعَدَتْ إنَّ الأمـانِيَّ والأحـلامَ تَضليـلُ
    12- كانت مواعيدُ عُرقوبٍ لها مَثَلاً ومـا مواعيدُهـا إلا الأبــاطيلُ
    13- أرجو وآمُلُ أن تدنو مَوَدَّتُهـا وما إخـالُ لَدَينـا منكِ تنويــلُ
    14- أمسَتْ سُعادُ بِأرضٍ لا يُبَلِّغُهـا إلا العِتـاقُ النَّجيباتُ المراسـيلُ
    15- ولن يُبَلِّغَهــا إلا عُذافــِرةٌ لها على الأيـنِ إرقـالٌ وَتَبغيـلُ
    16- من كُلِّ نضَّاخةِ الذِّفْرى إذا عَرِقَتْ عُرْضَتُها طامِسُ الأعلامِ مجهولُ
    17- ترمي الغُيُوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إذا تَوَقََّـدَتِ الحِزّانُ والمِيــلُ
    18- ضَخْـمٌ مُقَلَّـدُها، فَعْمٌ مُقَيَّدُهـا في خَلٌقِها عن بناتِ الفَحلِ تفضيلُ
    19- غلباءُ، وَجْناءُ، عُلكوم، مُذَكَّرةٌ في دَفِّهـا سَـعَةٌ قُـدَّامُها مِيـلُ
    20- وَجِلْدُها من أطومٍ ما يؤيِّسُهُ طِلْـحٌ بِضاحِيَةِ المتْنَينِ مهزولُ
    21- حَرْفٌ أخوها أبوها من مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّهــا خالُـها قَوداءُ شِمليلُ
    22- يمشي القُرادُ عليها ثُمَّ يُزْلِـقُهُ منها لَبـانٌ وأقـرابٌ زهـاليلُ
    23- عَيرانةٌ قُذِفَتْ بالنَّحضِ عن عُرُضٍ مِرفَقُها عن بناتِ الزَّورِ مفتـولُ
    24- كأنما فـاتَ عَيْنَيْهـا ومَذْبَحـها من خَطْمِها وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرٌطِيلُ
    25- تُمِرُّ مثلَ عسيبِ النَّخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لم تَخَوَّنْـهُ الأحاليـلُ
    26- قَنواءُ في حُرَّتَيها للبصيرِ بهـا عِتْقٌ مُبِينٌ وفي الخَدَّيـنِ تَسهيـلُ
    27- تَخْدي على يَسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ ذوابلٍ مَسُّـهُنَّ الأرضَ تحليـلُ
    28- سُمْرِ العُجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيَمًا لم يَقِهِـنَّ رُؤُوسُ الأُكْـمِ تَنْعيلُ
    29- كأنَّ أوبَ ذِراعَيها وقد عَرِقَـتْ وقد تَلَفَّـعَ بالقُـوْرِ العساقيــلُ
    30- يومًا يظلُّ بهِ الحِرباءُ مُصْطَخِدًا كأنَّ ضاحِيَـهُ بالشَّمسِ مَمْلـولُ
    31- وقال للقوم ِحادِيهِمْ وقد جَفَـلَتْ وُرْقُ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصا قِيلوا
    32- شَدَّ النهارِ ذراعًا عَيطلٍ نَصَفٍ قامـت فجاوَبَـها نُكْـدٌ مثاكيـلُ
    33- نوَّاحةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَينِ ليسَ لها لَمَّـا نَعَى بِكْرَها الناعونَ معقولُ
    34- تفري اللَّبانَ بِكَفَّيْها ، وَمِدْرَعُهـا مُشَقـَّقٌ عن تراقيـها رعابيـلُ
    35- تسعى الغُواةُ جَنابَيها وقولَـهُمُ إنَّـكَ يا بـنَ أبي سُلمَى لَمَقتولُ
    36- وقال كُلُّ صديقٍ كنتُ آمُلُـهُ لا أُلْهِيَنَّـكَ إني عنـكَ مشـغولُ
    37- فقلتُ خَلُّوا سبيلي لا أبا لكُمُ فكُـلُّ ما قَـدَّرَ الرحمَنُ مفعـولُ
    38- كلُّ ابنِ أنثى وإنْ طالت سلامَتُهُ يومـًا على آلـةٍ حَدْبـاءَ محمولُ
    39- نُبِّئتُ أنَّ رسـولَ اللهِ أوعدَني والعفـوُ عندَ رسـولِ اللهِ مأمولُ
    40- مهلاً هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ الـــــقرآنِ فيهـا مواعيـظٌ وتفصيـلُ
    41- لا تَأخُذَنِّي بأقوالِ الوشاةِ ولم أُذنِبْ ولو كَثُـرَتْ فِيَّ الأقاويــلُ
    42- لقد أقومُ مقامًا لو يقومُ بِـهِ أرى وأسمـعُ ما لو يسـمعُ الفيـلُ
    43- لظلَّ يرعدُ إلا أن يكونَ لهُ منَ الرســولِ بإذنِ الله تنويــلُ
    44- حتى وَضَعْتُ يميني ما أُنازِعُهُ في كفِّ ذي نَقَمـاتٍ قيلـُهُ القيـلُ
    45- فَلَهْوَ أخْوَفُ عندي إذ أُكَلِّمُهُ وقيـلَ إنَّـكَ منسـوبٌ ومسؤولُ
    46- من ضَيْغَمٍ بِضَرَّاءِ الأرضِ مُخْدَرَهُ في بطنِ عَثَّرَ غيـلٌ دونَـهُ غيلُ
    47- يغدو فيُلحِمُ ضرغامَينِ عيشُهما لحـمٌ منَ الناسِ معفورٌ خراديـلُ
    48- إذا يساوِرُ قِرْنًا ، لا يَحِلُّ لـهُ أن يتركَ القِـرْنَ إلا وهـو مفلولُ
    49- منهُ تظلُّ سـِباعُ الجوِّ نافـرةً ولا تَمَشَّـى بِوادِيْــهِ الأراجـيلُ
    50- ولا يزالُ بِواديهِ أخـو ثِقـةٍ مُضَرَّجُ البِـزِّ والدُّرسـانِ مأكولُ
    51- إنَّ الرسولَ لَنورٌ يُستضاءُ بهِ مُهَنَّـدٌ من سُـيوفِ اللهِ مسـلولُ
    52- في عُصبةٍ منْ قُرَيشٍ قالَ قائلُهم بِبَطنِ مكَّةَ لمَّـا أسـلَموا : زولوا
    53- زالوا فما زالَ أنكاسٌ ولا كُشُفٌ عندَ اللقـاءِ ولا مِيـلٌ معازيـلُ
    54- شُـمُّ العرانين أبطالٌ ، لُبوسُهُمُ منْ نَسجِ داوودَ في الهيجا سرابيلُ
    55- بِيضٌ سوابغُ قد شُكَّت لها حَلَقٌ كأنهـا حَـلَقُ القَفعـاءِ مَجْدولُ
    56- ليسوا مَفاريحَ إنْ نالت رِماحُهُمُ قومًا، وليسـوا مجازيعًا إذا نيلوا
    57- يمشون مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّوْدُ التَّنابيـلُ
    58- لا يقَعُ الطَّعْنُ إلا في نُحُـورِهِمُ وما لهُمْ عن حياضِ الموتِ تهليلُ

  2. #2
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    تحليل رائع يا عطية ، أضاء جوانب في البردة لم أتنبه إليها من قبل ، وقد اقنعتني في كثير مما قرأت في هذا التحليل، وربما تسنح الفرصة لعودة أخرى لي للدخول في تفاصيل النص أكثر ..
    أخي الحبيب عطية: سأتابعك ؛ لأنك لا تجلب معك إلا الخير دائما..
    دم نقيا كما أنت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    أستاذي القدير سلطان الحريري حفظه الله
    كم أنا فخور بهذا الإطراء والمدح ، وأرجو أن أكون قد قدمتُ شيئاً جديداً ومفيداً
    وللاستزادة في هذا النوع من التحليل يمكنك الرجوع إلى عدة مقالات في هذا المجال نشرتها في واحتنا الثقافية الغنَّاء ، أرجو أن تزيد من جلاء الموضوع
    مع خالص تقديري واحترامي

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي


    أخي المحترم..عطية..
    سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
    لديكم أمور كثيرة بحاجة إلى قراءات جادة..
    منها هذه الدّرّة المتخفية في أواخر صفحات ملفك..
    قراءة واعية ..تفيد الأجيال..
    ستكون لنا فيها إضافات مستقبلا ـ إن شاء الله ـ
    دام قلمك ظاهرا ..طاهرا ..
    بالغ تقديري..

  5. #5
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الكريم
    ودمت بألف خير
    اللهم يا من تعلم السِّرَّ منّا لا تكشف السترَ عنّا وكن معنا حيث كنّا ورضِّنا وارضَ عنّا وعافنا واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا

المواضيع المتشابهه

  1. إتْحَافُ الْبَرِيَّة بأَخْبارِ جَريرِ بنِ عطيّة
    بواسطة ربيع بن المدني السملالي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-01-2012, 11:33 PM
  2. بين الحُطيئة والزّبرقان بنِ بدر
    بواسطة ربيع بن المدني السملالي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-10-2011, 11:17 AM
  3. تحليل سيميائي مقترح لنص سباق العقبان والنسور
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-04-2009, 11:21 AM
  4. تحليل سيميائي مقترح لنص" يحيى بن يعمر .. شجاعة في الحق "
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 21-09-2005, 09:20 AM
  5. تحليل سيميائي مقترح لنص " سباق العقبان والنسور "
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 21-09-2005, 06:53 AM