الإفادة من الوسائل الحديثة في الدعوة
معالي الدكتور : علي بن إبراهيم الحمد النملة وزير العمل والشئون الاجتماعية
المقدمة :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين ، وبعد:
فإن الله تعالى أوجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تحمل الإسلام ، وتبلغه إلى الأمم الأخرى ، فتقيم عليها الحجة . وتأتي هذه الدعوة مطلقة ، أي غير مقيدة بزمان ومكان ، وإن كانت مقيدة من حيث الأسلوب الذي يقتضي الحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، من مقتضى قول الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
وعدم تحديد الدعوة إلى الله زمانا ومكانا يقتضي أن تنطلق الدعوة بموجب متطلبات العصر الذي تنطلق فيه ، والتركيز هنا ينصب على الوسائل التي تستخدم للتبليغ ، والوسائل تتجدد وتتطور وتتغير ، بحسب التطورات العلمية والثقافية ( التقنية) التي تنطلق بسرعة عجيبة تستلزم المتابعة الدقيقة إذا ما أريد للدعوة أن تؤثر في الناس ، وتتماشى مع مستوياتهم التفكيرية التي تمليها عليهم ظروفهم التكوينية في التنشئة والتربية والتعليم . وينظر إلى هذه الوسائل على أنها ما يستعين به الداعي على تبليغ الدعوة إلى الله على نحو نافع مثمر . وهي نوعان: وسائل تتعلق باتخاذ الأسباب لتهيئة المجال الجيد المساعد لتبليغ الدعوة إلى الله ، ونسميها بالوسائل الخارجية للدعوة ، ووسائل تتعلق بمهمة تبليغ الدعوة بصورة مباشرة ، ونسميها وسائل تبليغ الدعوة . وهي ما يمكن أن يقال عنها إنها تبليغ بالقول ، مما يعني أن هناك تبليغا بالفعل كذلك . وعلى أي حال فإن الوسيلة تعالج الكيفية التي تنقل بها الدعوة إلى الآخرين من المسلمين وغير المسلمين . وهذا أمر واسع قابل للتنظير من معظم المهتمين في مجال الدعوة ، وهم كثر .
ولو تفرغ أحد الباحثين في مجالات الدعوة لحصر وسائلها المعاصرة لخرج بعدد طيب من الوسائل التي بثها من أسهموا في الكتابة عن الدعوة إلى الله . فلا يكاد كتاب أو مقالة تتحدث عن الدعوة في الوقت الراهن تغفل الحديث عن وسيلة أو أكثر من وسائل الدعوة ، إما مباشرة أو بطريق غير مباشر . ولذا فإنه من المتعذر حصرها هنا ، إلا أن نقول: إن الحديث عنها قد تنوع بحسب الكاتب لها من اعتبار الوسائل المادية إلى اعتبار الوسائل المعنوية المتعلقة بالداعية نفسه ، مما يدخل في مقاومات الداعية أو مؤهلاته . أو يدخل في البيئة نفسها .
والتكوين في التنشئة والتربية والتعليم كما يختلف زمانا ، يختلف كذلك مكانا . وباختلافها في الزمان والمكان تختلف مع هذا الاختلاف الوسائل . ذلك أن مستوى الإدراك والتقبل للدعوة يختلف بهذا الاختلاف ، فإن مجتمعات قائمة الآن هي أكثر تقبلا للدعوة من مجتمعات أخرى . وبالتالي فإن هناك مجتمعات يصعب الولوج إليها ، ليس لانغلاقها ومحاربتها للدعوة ، مما يدخل في المؤثرات الخارجية ، وإنما لأن تنشئة ذلك المجتمع بنيت على عدم تقبل أي مؤثرات خارجية عليها .
ويكاد هذا الزعم ينطبق على المجتمعات المسلمة نفسها ، التي تخضع لمفهوم الاختلاف في التنشئة والتربية والتعليم بحسب البيئة التي ينشأ فيها الناشئ . فالمجتمع الذي قام في تنشئته لأبنائه واضعا اعتبارا للدين في المنزل والمدرسة والشارع أكثر قبولا للدعوة من مجتمع مسلم لم يوفق إلى ذلك ، بسبب من مؤثرات خارجية زالت حسا ، ولكن أثرها باق في النفوس ، مثل مؤثر الاحتلال " الاستعمار" الذي سعى منذ زمن إلى تغريب بعض المجتمعات المسلمة ، وسعى كذلك إلى العمل على رفض كل ما له علاقة بالدين من قريب أو بعيد ، ولا سيما ما له علاقة بنشر الإسلام بمفهومه الصحيح ، القائم على العقيدة الصحيحة والسلوك الإسلامي السليم في العبادات والمعاملات . ولذا فإن هذه المجتمعات التي تعرضت لهذا التيار تحتاج إلى جهد كبير ومتأن وصبور في مجال الدعوة .
فإذا كان هذا يصدق على بعض المجتمعات المسلمة ، فإنه يصدق بصورة أقوى وأدق في المجتمعات غير المسلمة التي يراد لها أن تتعرف على الإسلام . ولذا فإنه من الممكن القول: إنه مع اتفاق المكان والزمان فإن المستهدفين من الدعوة يختلفون بحسب التنشئة والتربية والتعليم ، ويتبع هذا القرب من الإسلام والبعد عنه . ولهذا مظاهر متعددة ، ذكر عبد الله بن حمد الشبانة في كتاب المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية سبعة عشر عاملا منها ، ركزت معظمها على المنهج الدراسي على مستوى التعليم العام والتعليم العالي ، بما في ذلك العلوم الإسلامية واللغة العربية والعلوم التطبيقية .
ومن المهم ، عند النظر إلى المجتمعات المسلمة بهدف الدعوة ، أن يكون هناك اعتبار لهذا البعد الموجود ، بحيث يمكن أن يقال إن الأولويات في مجال الدعوة ، أيضا ، تختلف من مجتمع إلى آخر داخل المجتمعات المسلمة نفسها؛ فالمجتمع المسلم الذي يعاني من خلل في العقيدة تكون أولوية الدعوة فيه تصحيح العقيدة ، وتنقيتها من الشوائب التي ألحقت بها بفعل مؤثرات داخلية أو خارجية على هذا المجتمع ولا يهم كيف يمارس هذا المجتمع جانب العبادات في الأمور الفرعية التي تخضع لاجتهادات علماء الأمة ، بقدر ما يهم أن تصلح عقيدته وهذا يكون القياس ، فإن مجتمعا لا يعاني من خلل في عقيدته لا يركز فيه على التصحيح في الوقت الذي تظهر على ممارساته في العبادات والمعاملات تجاوزات قد تخل في قبول هذه الممارسات . وأعلم أن هذا الإطلاق لن يكون مقبولا على علاته ، إذ إنه لا يخلو من الرغبة في التفصيل الذي يزيد الأمر توضيحا . ولست أنبري هنا لأنظر آتيا بما لم تستطعه الأوائل . وإنما هي أفكار تقدم بهذه المناسبة ، فتلقى القبول ويؤخذ بها إن وافقت الحق ، وتترك وترد إن جانبت الصواب .
على أنه من المهم جدا النظر إلى أن موضوع الدعوة موضوع واسع ، ودخل فيه جمع كبير من المهتمين على اختلاف دوافعهم ، بل وتوجهاتهم الفكرية الظاهرة على إسهاماتهم الفكرية . ومن هنا فإنه ينبغي التأكيد على أنه ليس كل من كتب في هذا المجال جاء بالمسلمات التي تقتضي بالقبول المطلق ، بل إن هناك إسهامات فكرية تشطح في التعميم ، وتغفل الجوانب الحسنة في المجتمعات المسلمة ، وتصمها بالتخلف السياسي والعلمي والثقافي والفكري ، على شكل من أشكال اليأس الذي لا يتفق مع منهجنا العقدي في إرجاع كل ما يدور في هذا العالم من مشكلات إلى إرادة الله تعالى ، وينبع من مقتضى حكمته التي تستدعي القبول بقضاء الله وقدره ، مع عدم إغفال اتخاذ الأسباب والوسائل المشروعة في التغيير .
هذا مع احتمال إقحام الهوى في بعض هذه الإسهامات ، بحيث نراها تروج لمفهوماتها هي للدعوة من منطلق تنظيري أملاه أحد المتحمسين ، فالتقطه متحمسون آخرون ، وأضافوا عليه ، وحذفوا منه ، وعدلوا فيه ، كل ذلك بدافع تغليب الهوى والميل الذاتي لهذا الداعية أو ذاك . مطبقين في ذلك ما عانوه في بيئتهم هم ، وفي زمانهم ، وكذا المكان الذي نشأوا فيه فأخذ هذا عنهم ، وأريد له التعميم المطلق الذي نظر نظرة تشاؤمية لكل المجتمعات المسلمة دون استثناء . وأخشى أن يكون هذا كله على حساب التوجه الصحيح للدعوة إلى الله .
الاتصالات :
ومن مقتضيات الزمان اختلاف الوسائل في مجال الدعوة ، والسعي إلى مواكبة الزمان بتطوراته الفكرية والثقافية . وبالنظر إلى زماننا هذا نلاحظ أنه يشهد تطورات سريعة جدا في مجالات الاتصال ونقل المعلومات ، بحيث يتكرر القول بأن العالم أضحى قرية صغيرة واحدة ، كما يتكرر القول بأن العالم اليوم يتجه إلى تبني أسلوب موحد في مواجهة الحياة بشتى مقوماتها السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية ، مما يطلق عليه الآن بعصر العولمة ، التي تسعى إلى فرض أفكار الغالب على المغلوب ، وبالتالي فرض أنماطه السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية بحيث تفرض على المجتمعات الأخرى ذات المقومات ، التي تجمع بين المادة والروح ، النظرة المادية التي جعلت من الدنيا نفسها غاية لا وسيلة ، وعليه فإننا لا نسلم بهذا التوجه ، الجديد في المصطلح ، القديم في المضمون .
ويستخدم توجه العولمة الوسائل الحديث في تقنية المعلومات والاتصالات من القنوات الفضائية إلى شبكة المعلومات العالمية ، التي تعارف الناس عليها بمصطلحها الأجنبي " الإنترنت " وأضحى كثير من الناس يردد هذا المصطلح دون أن يدرك أبعاده ومدى ما يقدمه هذا النظام من معلومات ، وبالتالي من تأثير ، ومدى القدرة على الدخول على الشبكة ، والإسهام فيها بالمعلومة الصادقة ، واستغلالها الاستغلال الأمثل في مجال الدعوة . وأحسب أن كثيرا من الذين يرددون هذا المصطلح لم يجلسوا أمام مقوماته الثقافية كالحاسوب ، ولم يتمكنوا بالتالي من الدخول إلى موقع من مواقعه ، بل إنهم لا يحسنون التعامل مع الآلة ، وهي وعاء معلومات ، ليحسنوا التعامل مع ما تحمله وتنقله من معلومات .
ولن تتعرض هذه الوقفة إلى دورة تدريبية في استخدامات هذه الشبكة العالمية ، فإن الاستخدام اليوم أضحى مطلبا تربويا يتقنه تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين نشأوا وتربوا وتعلموا على الحاسوبات التي بدأت ألعابا إلكترونية ، ثم تطورت إلى قدرة الفتى على الدخول على شبكات المعلومات الدولية والتعامل معها بكل اقتدار ، بز فيه الكبار ، ولعب بأعصاب المبتكرين . وتستمر الصحافة السيارة في إيراد الأخبار الطريفة التي تبين مدى سيطرة الصغار على ما صنعه الكبار . ولا يعني هذا الاستخفاف بقدرات الكبار .
ولست أذهب إلى الاندفاع وراء هذه النظرات السريعة إلى التقانة ، ولكني لا أغفل قدراتها على اختصار الزمان والمكان ، وما لها من ميزات لا تنكر في سرعة نقل المعلومات والتصرف بها ، والاتصال بالمواقع الأخرى والتحاور معها ، وتصحيح ما أوردته من مآخذ وأخطاء ، مما يعد ثورة في نقل المعلومة ، وما يدخل في مصطلح النشر الإلكتروني . وقد بين مساعد بن إبراهيم الحديثي ميزات هذه الشبكة المعلوماتية ، وأكد على ضرورة استخدامها وسيلة حديثة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى ، إذ ربما يصل مستخدموها إلى مليار ( 1000000000) مستفيد في غضون الأشهر القليلة القادمة ، أي قبل نهاية العام الميلادي الحالي ( 1999 م) ، ودخول العالم في الألف الميلادي الثالث ، الذي يشهد الآن استعدادات غير عادية ، وكأن العالم مع حلول عام ألفين ( 2000) سيتحول إلى عالم آخر في تفكيره وإمكاناته المادية .
ولست أغفل هنا ما وصلت إليه هذه الوسائل من التعقيد . وفي هذا يقول عبد القادر طاش : ولقد تعقدت في عصرنا الراهن وسائل وأساليب الاتصال ، وتنوعت فنون الإبلاغ والإقناع ، فأصبح من الضروري أن تتوافق برامج إعداد الدعاة وتأهيل طلبة العلوم الشرعية مع هذا التعقد والتنوع في أساليب الاتصال وفنون الإبلاغ ، حتى يكون هؤلاء الدعاة وطلاب العلم قادرين على إيصال الرسالة والعلم بأساليب مقنعة وطرق جذابة ووسائل مناسبة .
وهذا يعني السعي إلى تأهيل الدعاة علميا وتدريبيا للتعامل مع التقانة الحديثة في التعامل مع المعلومة ، من حيث الوصول إليها ، واستخدامها في الدعوة . وقد ظهر من الدعاة اليوم من وفقهم الله إلى التنبه لهذا ، فتراهم يحضرون حاسباتهم الشخصية في الأماكن التي يتولون الدعوة فيها كالمساجد وقاعات المحاضرات ، ويرجعون إليها مباشرة ، بل ويستخدمون الوسائل الإيضاحية الحديثة التي تربط بهذه الحاسبات ، كالشرائح والشفافيات والبيانات والنصوص التي تعرض مكبرة على شاشات واضحة مرئية .
وينتظر من الجهات التي تعنى بالدعوة من مؤسسات دعوية ومعاهد عليا تخرج الدعاة أن تولي هذا الجانب اهتماما بالغا لا يكاد عندي يقل عن التأهيل العلمي للداعية ، ذلك أن داعية دون وسيلة غير مؤثر ، كما أن داعية دون علم غير مؤثر ، بل ربما كان ضررهما أكثر من نفعهما .
ويمكن أن يتم التأهيل لاستخدام الوسائل الحديثة في الدعوة بالدورات التدريبية التي هي الآن النمط المسيطر في التغلب على صعوبة التعامل مع هذه الوسائل في نقل المعلومات وتهيئتها للإفادة . ويتم هذا عن طريق معاهد التدريب المنتشرة ، أو عن طريق مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر بالجامعات . هذا مع الأخذ في الاعتبار جانب التعلم الذي ينظر إلى هذه الوسائل نظرة تخصصية ، ويقدم في قاعات المحاضرات في الكليات والمعاهد العليا التي تعنى بتأهيل الدعاة ، بحيث يتخرج دعاة مؤهلون لهذا الغرض يستفاد منهم في نشر الدعوة إلى الله بالأسلوب الذي يؤثر في المتلقين .
مشروعية الوسائل :
وفي خضم النظر إلى الوسائل في مجال الدعوة ظهر من يقول بالنهي عن اتخاذ الوسائل الحديثة مهما كان تأثيرها وسرعة وصول محتواها إلى " المستهدفين " . ذلك أن من تبني هذا الرأي لا يرى الخروج عن النمط الذي قامت عليه الدعوة منذ انطلاقتها . ونظر إلى الدعوة بمضمونها ووسائلها وأساليبها على أنها توقيفية ، مثلها في ذلك مثل العبادات والمعاملات التوقيفية .
وإن عد هذا الرأي شاذا ، إلا أنه يكتسب قبولا من بعض المتلقين ، ولا سيما أنه شاع عن طريق استخدام وسيلة حديثة في الدعوة وهي الشريط المسموع !! ذو القابلية السريعة للانتشار بين أوساط الناشئة المتعطشين إلى الكلمة الطيبة والتوجيه السديد ، أي أن الذي نهى عن استخدام الوسيلة الحديثة في الدعوة قد أشاع هذا النهي عن طريق وسيلة حديثة . ولعله خشي في نهيه هذا من أن يقع الدعاة أسرى للوسيلة ، بحيث تكون هذه الوسيلة أو تلك مدعاة إلى الوقوع في المنهي عنه من الوسائل ، فيغفل الداعية مقومات مهمة ، أو يتنازل عنها بفعل من تأثير الوسيلة المادية التي قد تطغى على الوسيلة المعنوية المتمثلة في النية الصادقة وسلامة الفكر والقدوة الحسنة والكلمة الطيبة .
على أنه سيظل هناك من يتوقف عند كل وسيله حديثة وقفة الرافض لها خوفا من آثارها السيئة على المجتمع ، وخوفا من عدم إباحيتها قياسا على بعض التطورات التي دخلت بعض المجتمعات المسلمة فجأة ، فكان موقف الناس منها موقفا حذرا جدا ، خشية أن يكون لها مساس بما يعتقده الناس ، مع أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وإنما الذي يقيد هذه الإباحة بحكم هي النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وما اعتبره أئمة السلف من العلماء المجتهدين .
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في رد غير مباشر على هذا الرأي: " يجب أن نعرف قاعدة ، وهي أن الوسائل بحسب المقاصد ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، أن الوسيلة لها أحكام المقصد ، ما لم تكن هذه الوسيلة محرمة ، فإن كانت محرمة فلا خير فيها . وأما إذا كانت مباحة ، وكانت توصل إلى ثمرة مقصودة شرعا ، فإنه لا بأس بها ، ولكن لا يعني ذلك أن نعدل عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما فيهما من مواعظ ، إلى ما نرى أنه وسيله في الدعوة إلى الله . وقد نرى أن هذا وسيلة ويرى غيرنا أنه ليس بوسيلة ، ولهذا ينبغي للإنسان في الدعوة إلى الله أن يستعمل الوسيلة التي يتفق الناس عليها حتى لا تخدش دعوته إلى الله بما فيه الخلاف بين الناس . ويورد الناقل لهذا النص نصوصا أخرى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ صالح بن فوزان الفوزان ، ويستنتج من ذلك كله " أن القاعدة في اتخاذ الوسائل والأساليب الدعوية هي مراعاة حال الدعوة زمانا ومكانا .
فإذا أخذنا بالرأي القائم على أن الوسائل توقيفية على أنه مثال من أمثلة التعامل مع التقانة الحديثة في نقل المعلومة ، فإن هذا يعني أننا نحتاج إلى وقت طويل لنصل إلى نظرة موحدة حول هذه الوسائل ، في الوقت الذي نجد فيه غيرنا ، مثل المنصرين ، الذين لم ينظروا إلى هذا البعد نظرة تحليل أو تحريم ، يستغلونها أفضل استغلال ، ويحصلون من وراء ذلك على شيء من التأثير الذي يتوقعونه ، بل ربما زادت النتائج عما رسموا له ، ولا سيما في المجتمعات غير المسلمة .
ويقاس على التنصير بعض التيارات الأخرى التي تتعامل مع فكر الإنسان ومنها تلك التي تتحدث باسم الإسلام ، وتحجز لها مواقع مهمة في التقانة الحديثة ، كالقاديانية ، وبعض النحل الأخرى التي انحرفت عن المسار الصحيح للإسلام ، فلقيت دعما متواصلا من بعض الذين يحاربون المعلومة الصحية عن الدين الصحيح . وليس في هذا إيحاء إلى اتخاذ الوسائل مهما كانت في سبيل تحقيق الأهداف ، فإن الوسائل نفسها تخضع للميزان الشرعي الذي يوجب فيها أن تكون وسائل مباحة طيبة مضمونة النتائج الحسنة بإذن الله تعالى .
الفضائيات :
ومن المشكلات التي نواجهها في طريق استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله تعالى ضعف استغلال الفضائيات لنشر الإسلام والدفاع عنه ، والوقوف في وجه الشبهات التي تثار حوله . وإذا كان قد ظهر من ينهى عن استخدام وسائل الاتصال الآلية كالحاسوب وشبكات المعلومات وقواعدها . فإنه من المتوقع أن يظهر من ينهى عن اللجوء إلى الفضائيات في الإفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى ، فتترك للآخرين ليستغلوها فيما يغوي الناس ، وينشر الرذيلة بينهم . وفي حديث جانبي مع أحد الإعلاميين المسؤولين عن مرفق إعلامي مهم حمل المسؤولية الدعاة الذين لم يبادروا باستغلال هذا المرفق الإعلامي المهم الذي يراد له أن يبث إرساله لساعات طوال ، وبالتالي لا بد من ملء هذه الساعات بما هو متوافر في " السوق " الإعلامية . ومصداق هذا قول محمود محمد الناكوع : " إن المشكلة الحقيقية أن أغلب وسائل الإعلام في العالم الإسلامي لا تزال تابعة ، أي أنها تعتمد اعتمادا رئيسيا على شبكات الإعلام الأجنبية ، فأغلب ما تردده وسائل إعلامنا هو نقل أو صدى لما تنشره وكالات أنباء بريطانيا وأمريكا وألمانيا وروسيا والصين . . . الخ .
ولقد خطت الفضائيات ، من حيث الانتشار وتقانته ، خطوات سريعة جدا لا تحتمل التأجيل ، وأضحت في عالمنا العربي والإسلامي مدعاة للهو غير البريء . وأضحي الشابق على إرضاء الجمهور هو المقياس الذي تسير عليه هذه الفضائيات التي تصرح بكل وضوح أن الجمهور هو الذي يوجه هذه القنوات ، وليست هي التي توجه الجمهور . حتى أضحت معظم هذه الفضائيات وسيلة للصد عن الخير والمثل العليا . ومهما أظهرت من رغبة في تغلب الخير ، إلا أن الشر يتغلب ، ولا سيما في المسلسلات التي تحرص الناشئة على متابعتها حلقة حلقة مهما تعددت الحلقات ، بعد أن " تموع " المثل التي عاشت عليها هذا المجتمعات .
ولقد قيل عن هذه الفضائيات كثير من النقد المباشر وغير المباشر .
كما قيل إنها " فورة " تتابع الناس عليها لفترة لا تلبث أن تزول إذا ما أدرك الناس هذه السطحية التي تشمم بها البرامج التي تقدم على هذه القنوات . ولكنه مع هذا إدراك سيكون متأخرا يعتمد على ما ستفرزه هذه البرامج من مضار على أفراد المجتمع المسلم ذكوره وإناثه ، مما سيتولد عنه جيل سيكون نهبا للأفكار والرغبات والنزوات غير الأخلاقية ، وبالتالي غير المشروعة . يقول فهد العرابي الحارثي في محاضرة له عن موقعنا في الكونية الإعلامية الجديدة : " إن موقعنا فوق خريطة النظام الكوني الإعلامي الجديد هو موقع متواضع بكل المقاييس . وهو موقع لا يتلاءم مع عمق المساحة التي نشغلها فوق خريطة التاريخ البشري . ولا ينسجم مع الحجم الهائل للكثافة البشرية للمسلمين . إن الحضارة الإسلامية في قوتها الكامنة ، وإن أعداد المنتمين إلى تلك الحضارة هي كلها أمور تستوجب وجودا أكثر نباهة في ذلك النظام المثير والخطير " .
ولست مع هذا أغفل بعض القنوات الفضائية التي تتسم بالرزانة ، وتخاطب العقل ، وتسهم في الدعوة . ويمكن أن يضرب لذلك مثالا بالقناة السعودية الفضائية الأولى التي تحرص على التوعية ، وتصر على الرقي بالمجتمع ، من منطلق أنها تنبع من مجتمع متميز يحمل هم الدعوة ، وإن كانت لا تخلو من بعض الهنات التي جر إليها هذا السباق " المحموم " لإرضاء الجمهور .
ثم برزت على الساحة العربية والإسلامية قناة فضائية دعوية جديدة هي قناة " اقرأ " المنبثقة عن "راديو وتلفزيون العرب " تلك المؤسسة الإعلامية التي لم تسلم من المآخذ ، لما تعرضه على شاشاتها المتعددة من برامج ومسلسلات وأغان ومنوعات وغيرها هي من ذلك النوع من " التسطيح " الذي لا يحترم المتلقي ، ولا يسعى إلى أن يرقى به بدلا من جرة إلى الهبوط . ويقوم على القناة الدعوية المنبثقة عن هذه المؤسسة الإعلامية أحد الرجال المعروفين بجهودهم الدعوية ، بالإضافة إلى تخصصهم الإعلامي ، وما عرف عنه بحمل هموم الأمة من الزواية التي تعنيه ، وهو الدكتور عبد القادر طاش محمد ، وتستحق هذه الوليدة الإشادة ، لأنها ترسم الآن منهجا للإفادة من الوسيلة الحديثة في الدعوة إلى الله تعالى . ولا نغفل أيضا بعض القنوات العربية التي تقدم برامج دعوية مهما كانت محدودة في الوقت والمضمون ، في ظل مزاحمة البرامج الترفيهية السطحية عليها .