النقد وفلسفة النقد
النقد الأدبي، هو عملية توخي وتقصي مواقع الجمال والابداع في النص الأدبي، والإشارة إليها بما يتناسب من استحسان وتقدير، وبالمقابل هو عملية توخي وتقصي المواقع الكريهة أو السلبية في النص الأدبي والإشارة إليها بما يتناسب من إنكار وتقريظ، يقود ذلك رهافة الحس والحصافة في التمييز عند الناقد، ولا صدق في النقد ولا نجاح فيه، إن لم يتمتع الناقد بالمعرفة والإحاطة بالأدب وأدواته.
وفي تاريخنا، كان الشعراء يجلسون بين يدي امرؤ القيس، وفي سوق عكاظ، أو بين يدي الخنساء أو حسان بن ثابت، يقدمون أشعارهم وكأنهم يضعونها في الميزان، فالناقد هو الميزان، وقد تطور النقد الأدبي، عبر العصور اللاحقة، وظهرت مدارس ومناهج في النقد، كالنقد البراغماتي والظاهراتي والوجودي والنقد النفسي التحليلي والنقد الاجتماعي والنقد الثيمي، شكلت ما يمكن أن نطلق عليه فلسفة النقد، ولاشك في أن الغرب كان له قصب السبق في فلسفة النقد وتطوره، ومهما يكن من أمر، فقد بقي مفهوم الناقد الميزان هو الأساس في عملية النقد، ويجزم البعض، أنّه لولا النقد لما تطورت الأشكال الأدبية، وأخذت أشكالها الإبداعية.
وفي ساحاتنا الأدبية زاد في الفترة الأخيرة، عدد فلاسفة النقد، وقلّ عدد النقاد الموازين، ورابطة الواحة الثقافية، التي تمثّل صرحا أدبيا متقدما، برز فيها على مدى سنوات نقّاد بارعون، نجحوا في فلسفة النقد، وقد عاصرت عددا كبيرا منهم، وقد أعجبت بالكثير من أعمالهم متفكرا مستحسنا، ولكن كلمة حق لابد ان أقولها وأعرب عنها، كنت وما زلت أؤمن بأن النقد هو التمييز والحصافة والإحاطة، كنت وما زلت أؤمن بالناقد الميزان، الذي هو الأصل في النقد، وعلى الرغم من كل دراساتي في النقد وثقافتي النقدية، وفق مفهوم الناقد الميزان، أو في فلسفة النقد. كنت وما زلت أتابع كتابات الدكتور سمير العمري، التي يخطها على بعض الأعمال الأدبية، يقينا مني، بأنه الناقد الميزان الذي يتميز رأيه بالعمق والجدية والنزاهة والذائقة الفنية التي لا تجارى، حتى إنني عندما أريد أن أعلق على نص او قصيدة، أنتظر تعليق الناقد الميزان الدكتور سمير العمري، ثم أكتب ردي بناء على ما أقرأ وأجد في ميزانه النقدي المنصف، وأقرّ هنا بأنني عندما أريد ان أمتحن مدى نجاحي في نقد عمل ما، أقارنه دون حرج، بما يخطه الدكتور سمير العمري فهو عندي ميزان الشعر في هذا العصر.
وربما أسجّل على نفسي، الميل إلى ملامسة مواقع الجمال والاستحسان في النص، وقلما أشير إلى نقيصة أو سلبية، وهكذا لا أعتبر نفسي ميزانا عادلا، في حين أنظر إلى الدكتور سمير العمري بإعجاب، ليس فقط لرهافة الاحساس والحصافة والإحاطة فقط، بل للجرأة التي يتمتع بها، فهو لا يحابي ولا يوارب، ولا يتحامل ولا يتخاذل، وإنما هو يزين بالقسط، ولذلك أراه أحيانا يتعرض لغضب بعضهم أو عدم رضى بعضهم الآخر، خصوصا عندما يلامس موضعا غير مستحب في النص ويشير إليه، حتى رغم أدبه الكبير في الشرح والطرح ودماثة خلقه التي نعرفها، ولكن لا عجب في ذلك، فكلنا شئنا أم أبينا نحب من يمدحنا، أو على الأقل يلاطفنا، أما الناقد الميزان الذي يلتفت لرأيه ويهتم بحكمه فهو ذلك الذي يمتلك الذائقة الحقيقية ويكون صاحب حرفة أدبية فريدة وأهم من هذا وذاك أنه لا يقدّم العلاقات الشخصية أو الانسانية، على قدسية النقد القويم.
د. محمد حسن السمان