في شاشةِ هاتفِه, كلَّ ليلةٍ ينتظرُ الصباحَ كما اتفقا على اللقاء
لكنه لم يحضُر يومًا في موعده
دائمًا يتأخر,أو هو مَن يستعجلُ اللقاءَ هربًا من طنينِ ليلٍ مُزعج.
يسترقُ النّظرَ إلى اسمِها في وسيلة التواصل تلك ويلمحُ تحته كلمة "متصل".
قبل سنتين كانت "متصل" تلك تعني لهما عيدًا,
عيدًا للحبّ.
فعيدُهما لم يكن مرتبطًا بفالنتين كما العشّاق,
بل كان في كل يومٍ يسترقان فيه دقائقَ تمكنهما من الاتصال.
كان لوقعِ المحادثات الكتابية بينهما تأثيرًا أفيونيا,
فقد كان يُقالُ فيها كلُّ ما تهربُ منه الكلمات.
كانت خلف شاشةِ هاتفِها ترمي سهامَها في عُنقِ الخجل,فتُرديه.
بينما هو في الجانبِ الآخرِ يستقبلُ سهامَ الحياة.
يُلقي إليها بوردةٍ, فتُطعمُه من ثمارِ الجنة
يقضِمُها, هو الجائعُ إليها بكلِّ ما أوتيَ من جوع.
متصل...
مع مَن هي متصلة؟
مَن تحادثين إلى هذا الوقت المتأخرِ من الليل؟
ماذا تقولين له؟
هل أحببته بهذه السرعة؟
يرصِفُها عمرًا سقطَ في شكلِ حروف, ثم يمحوها كما مُحيت أحلامُه
فهو إن أرسلها فلن يحظى بعدها برؤيةِ كلمة متصل.
كان هذا شرطَها فيما أبقت له من كلِّ ما أبقاه لها :لا شئ
لا,بل تركَ لها الكثير...وهل أكثرُ من وجعٍ يمشي على رجلين؟
يركُلُه ضميرُه ما بين رجليه بكلِّ ما استجمع من ضمير:
أتلومُها على محاولةِ الحياة؟
هي التي منحتكَ القوةَ لتكونَ ضعيفةً إليك, فكانت ضعيفةً بك.
سألَته ذات حلمٍ: أيحبُّ الرجلُ المرأةَ ثمَّ يهجرُها؟
أجابها: نعم...إذا أحبّها أكثرَ مما ينبغي.
لم تفهم مقصده, ولم تحاول أن تفكّ شفرته العاجية
فقد كانت إجابته كافيةً لطمأنتها, فهي يومًا لم تشعر أنه أحبها أكثرَ مما ينبغي.
ربّما كانت على حق, فهو لا يذكرُ أنّه عاشَ شعورًا أكثرَ مما ينبغي, أوحتى كما ينبغي.
دائمًا يرى نفسه غريبا لا حقَّ له في امتلاكِ شئٍ, ولو كان شعورًا.
يعلمُ أنَّ كل شعورٍ جميلٍ يأتيه صدفةً لن يدوم لوقتٍ يُلزمُه وفاءَ الحزنِ عليه, لذلكَ لا داعيَ للاكتراثِ به
هو الزائرُ أينما حلَّ, ولو لبثَ سنينَ فلن يطلبَ حقَّ الإقامة
هو المُسافر, وليس للمسافرِ ما للمُقيم
ثمّةُ رخصةٍ لمن على سفر...أن يقصُر
فهل قصرَ أوجاعَه؟
هيَ لن تدريَ أبدًا أنها كانت أكثرَ ما خالفَ شرعَه وأثارَ جنونه
شعورٌ جميلٌ لم ينتظر انقضاءَه...وتلك كانت خطيئتَه الكبرى
وكانت هي من كفّرت عنها.
لعلّه نسيَ أن يُكملَ إجابته: أو إذا أوجعها أكثرَ مما ينبغي
ليته كان أكملها, فلعلها كانت أدركت أنه قطعًا سيهجُرُها...إشفاقًا عليها.