مفسدات الصداقة :
الأخوة والصداقة ... رابطة من أقوى الروابطوأوثقها .. لا تنشأ إلا بفضل من الله ومنة ... لا تنشأ بالتصنع ولا التملق ... وأقصدالأخوة والصداقة الحقيقية .. الأخوة في الله والصداقة على ذلك.
وتتنوع الأخوة والصداقة بتنوع الداعي لها... فإما أن يكون الداعي لها داعي مصلحة .. كما هو حال كثيييير من الأخوّات والصداقات.. مصلحة مال أو جاه .. أو يكون الداعي داعي شهوة .. يغنيك اسمها عن تعريفها .. فهيعلاقة غير شريفة .. تنبئ عن أمراض نفسية ...وشهوات تعافها البهائم ... أو يكون الداعيداعي فضيلة .. فأكرم به من داع
وإذا كانت الأخوة والصداقة قائمة على أساسالفضيلة فأكرم به من أساس ولنعم الأساس هو .. هذا وإن الفضيلة كل الفضيلة هي تقوى اللهعز وجل وطاعته ... فذلك أساس الحب والبغض .. فـبقدر ما يكون عند الأخ والصديق من تقوىالله وطاعته يكون له بقدر ذلك من الحب والمؤاخاة والصداقة ... ومدار ذلك علم نافع أوعمل صالح أو خلق فاضل ... فإذا لم يكن شئ من ذلك في من تريد صحبته ومؤاخاته ... فـفرّمنه فرارك من الأسد .. فإن لم تفعل فقد سقطت في حبائل المصلحة أو الشهوة ... لا تقل:لا ولكن انظر إلى حقائق الأمور ينجلي لك المستور.
فإذا تقرر هذا الأصل وهو أن أساس الأخوةوالصداقة طاعة الله وتقواه ... فإن مقتضى ذلك أن هذه العلاقة لا تتأثر بالعوارض الدنيوية... بمعنى أن الأخوة والصداقة لا يضرها الخلاف الدنيوي وسوء التفاهم والمشاكل العارضةالتي تحصل بين البشر ... كـكلمة قيلت وقت غضب تجرح المشاعر ... وكتقصير في بذل مالللأخ المحتاج ووووغيرها من صور الأذى الذي قد يصيب النفس من بعض التصرفات !!!
لذلك فإني أذكر هنا بعض الأمور التي قدتفسد الصداقة وتقضي عليها :
(1) ممّا يفسد العلاقات ... ويقضي على المودات، أن يصبح الصديق يغيظ صديقه ... ويعمل على إدخال الأحزان في قلبه ...وهناك صور منذلك منها أن يؤاخي الصديق أعداء صديقه ( وأقصد من عاداهم بحق وإن كان المفترض ألا يكونللإنسان عداوات لكن قد يُظلم الإنسان من شخص فيبقى ألم الظلم في قلبه) وليست المشكلةفي ذلك فحسب .. بل المشكلة أن يبين الصديق لصديقه أنه خرج مع فلان أو سافر معه أو( طلعنا نتعشى سوا) أو يقوم بمدحه والرفع من قدره .. مع العلم أن هذا الشخص قد تعدىظلمًا على الصديق المنكوب أو أهانه في مجلس أو افترى عليه زورًا ... ومع ذلك تجد هذاالصديق التافه يحاول إظهار مودته لهذا المتعدي على حساب مشاعر صديقه الأول .. أليستهذه تصرفات أطفال!؟ .. لكنها مع ذلك تقع ( من طوال الشوارب) ... وأعيد وأكرر أنها تصرفاتتافهة أستحي من ذكرها ... لكنها الواقع المؤلم.
(2) ومما يفسد العلاقات ... ويقضي على المودات... ويجهز عليها بلا رحمة ... ذلك المرض الخبيث ... والداء العضال ... الذي تفشى فيالقلوب ... ويكاد أن يطبق على الأذهان .. ذلك هو( ســــوء الـــظــّـن) كم من صديقنبذ صديقه؟ وكم أخ تباعد عن أخيه؟ بسبب ظن سيء جاء في ذهنه ، لا دليل عليه ولا بيـنه!!إنما هو الشيطان ألقاه في قلبه ... فوجد قلبًا فارغـًا ... بل تهيأ لقبول التخيلاتوالأوهام ... فهذا يظن أن صديقه كان يقصده بالكلام ... وعندما تسأل المتكلم هل كنتتقصد صديقك بالكلام الذي قلته؟ فـيقول والله لم يطرأ لي على ذهن .. ومع ذلك فسيء الظنلا يقبل ذلك من صديقه... مع أنه يحلف له بالله سبحانه!!!! وهذه أكثر الصور بروزا وظهورا.. والمشكلة أن يؤدي سوء الظن للتجسس .. فهذا يظن أن صاحبه يكثر الغياب عنه ... فـيظنهذا المريض أن صاحبه قد صاحب غيره ... فتراه يتابعه ويلاحقه بخفية لكي يعرف من يصاحب!!! والحقيقة أن صاحبه كان مشغولاً بابنة له مريضة كان يدور بها بين العيادات !!!!صورتان والصور أكثر وأكثر ... لكن حسن الظن تاج على رؤوس العقلاء ... بحسن الظن يهدأالقلب ولا يتشتت الفكر ... فلا هم ولا متابعة ... ولا تجسس ولا مراقبة !!!
(3) اقرأ ... فلا بد أن تقرأ .. جروح تُداوى... فجرح يطيب ... وجروحنا لم تبرأ ... ومن جرّب مثل تجربتي ... عرف مثل معرفتي... وليس المخبر كالمشاهد ... أقول .. يحكم الصديق على علاقته بصديقه بالإعدام ...وذلك عندما يفتح أذنه لكل ناعق ... ويجعل كلام هذا الناعق خنجرًا مسمومًا يطعن به فيظهر صديقه ... فهذا البائس يأتيه رجل نكرة حاقد أو حاسد له مآرب خفية .. وغايات دنيـة.. فيقوم هذا المجرم الآثم بملء أذن هذا الصديق البائس بـ قيئه النتن .. ويملأ قلبهبما يفرق بينه وبين صديقه ... إلى هذا الحد فلا غرابة ، فما زال الحاقدون يمارسون أعمالهمبكل فن واحتراف !!! أما الغرابة المؤلمة ... أن يصدق الصديق في صديقه كلام الناس ،خاصة وهو أقرب الناس لصديقه ... ويعلم من صديقه ما لا يعلمه إخوانه من أبيه وأمه بلويعلم من صديقه عكس قيل فيه لكن (التفاهة) أن المفسد قد قال في كلامه: انتبه فهو يتصنعأمامك ما لا يفعله خلفك ... وكأن الصديق لم يسافر مع صديقه ولم يعرفه عن كثب ... فيكونالصديق المنكوب في عين صديقه ممثلا محترفـًا يبحث عنه كبار المخرجين لإتقانه الدورسنوات عديدة بلا كبوة ولا خروج عن النص! أليس هذا هو الواقع؟!
(4) سماع الصديق ما يقال عن صديقه ... خطوةفي الطريق الخطأ ... والناصح الحقيقي ... يذهب إلى المخطئ ... ويقول له أخطأت ... فإذاأعجزه ذلك وأراد الذهاب إلى الصديق ... فليذهب بصورة المحب المشفق ويقول إن الأخ مرآةأخيه وإن النصيحة تتعين للإصلاح وإن صديقك فلان فيه كذا فاذهب فناصحه ... هذا هو الطريقالمشروع لإيصال الخير ولابد أن يسلم من حظوظ النفس ، لكن الواقع خلاف ذلك ... فهذايذهب وينم ... ولو كان صادقـًا فيما نقله فالنميمة نقل الكلام بقصد الإفساد ... مهماكان نوع الكلام صدقـًا أم كـذبـًا ... والمحزن أن الصديق لا يهمه ذلك بل يصدق ما يقال... ولو كان في قرارة قلبه مقرّ بخطأ هذا الكلام ... لكن هو يريد فراق صديقه ولم يجدله سببًا ... فتعلق بهذه القشة وأراد أن يقصم بها ظهر البعير ، لكن الله يتولى عباده... وربما يجعل من ذلك سببًا ... ليصرف ذا عن ذا ... لأنه لا يصلح له في دينه وخلقه، ومن رحمة الله تعالى أن جعله يكون مظلومًا ... فلربما كان له درجة في الجنة لم يبلغهابعمله ... فلعل إيذاء هذا الظالم يكون سببا لرفعة درجته في الدنيا والآخرة.
وتتميمًا لما سبق ... فعلى من وجد في صديقهخللا ً أن يكون صريحًا معه .. لا مداهنـًا ولا جبانـًا ... ولا يكون متـمثلا ً هذاالبيت :-
( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... وعينالسخط تبدي المساويا )
فإذا كانا (حبايب) فكل شي جميل ... وإذاساءت العلاقات فكل جميل سيء ... فليس ذلك من عادات الرجال ولا من أخلاق ذوي المروءة.
(5 ) الغموض ... القاتل الخفي ... والحديثعن الغموض ... حديث ذو شجون ... لكنه مليء بالأحزان ... مما سبق ذكره ... فإن من أكثرما يجمل الصداقة ... الصراحة... ومن أكثر ما يقرب الصديق إلى القلب هو أن أعرف بأنيمحل ثقته (فليست العبرة أن تجد صديقـًا تثق فيه ... لكن العبرة أن تجد صديقـًا يثقفيك) والصديق الثقة ... صندوق أمانات بل قد قيل ( قلوب الأحرار .. قبور الأسرار) قلتبأن الحديث عن الغموض حديث ذو شجون ... فهنا الآن قد عرجت على الثقة ... والتي تعتبرمن أساسات الصداقة ... فعندما يكون الصديق غامضًا فلا يخلو أن يكون لذلك أثر .... لكنالمهم تحديد حجم الأثر وتحديد أبعاده على المدى البعيد أو القريب ... فعندما يكون الصديقغامضا أو أصابه غموض فإما أن يكون لأمر فيه خير (وهذا شيء محدود) وصاحبه لا يظهر غموضهلصديقه حتى لا تتلاعب بصديقه الظنون ، وإن كان المفترض عدم ذلك ... لكن الشيطان يجريمن ابن آدم مجرى الدم ... ونهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يتناجىاثنان دون الثالث .. لأن ذلك يحزنه .... وإما أن يكون الصديق غامضًا أو أصابه غموضلأمر فيه شر ... وهذه الرسالة القادمة بمشيئة الله.
(6) .. وأحيانا يكون الغموض لأمر فيه شر... وقبل ذلك أؤكد أن من تمام الصداقات أن يكون المتصادقين لا حواجز بينهما .. ولواحتاج الصديق إلى إخفاء شيء فلا يظهر لصديقه أنه يخفي عليه شيء ... موضوع الغموض... موضوع ينخر في الثقة المتبادلة بين المتصادقين ... وإلا لماذا يكون الصديق يحتفظبشيء دون صديقه ؟؟ (( أنا أتكلم في الأحوال العادية التي ليس فيها استئمان وحفظ للأسرار))وأعود إلى حيث بدأت ... قد يحاول الصديق أن يكون غامضًا أمام صديقه ويظهر ذلك بشتىالطرق .. مثال يتضح به المقال .... ألوووو فلان لا تنس موضوعنا اليوم ... الصديق المسكينببراءة: ما موضوعك اليوم ؟؟ الغامض : لا موضوع خاص بيني وبين فلان !!! فجأة يعرف الصديقالمسكين أن الموضوع تافه لا يستحق الإخفاء ( فلان سيوصل الغامض إلى الكلية ) !!!! عجبـًاعجبـا ... أنا لا أتكلم عن أسرار بيوت ولا علاقات زوجية الأصل فيها الستر ... أنا أتكلمعن توافه ... نعم توافه يحاول أن يكون غامضًا لإدخال الوحشة في قلب صديقه ... بل لكييجعله يحس بأنه يختص بأشياء دون صديقه !!! وأبعد من ذلك بأن يجعله يحس بأن بينهما حدودونقاط مظلمة ... ليس للصديق الحق بـالسؤال عنها ... ولو كانت تافهة ، والأبعد من ذلكأن يشعر صديقه بأنه ليس ثقة يؤتمن على أسراره ...!!! هذا الفعل المؤسف له سببان ، أماالأول: فهو السبب الذي قد لا يعرف الصديق الجاهل الغامض نهايته ... وأما السبب الثاني:فهو إعلان الانسحاب التكتيكي ... وللحديث بقية !!
(7) ذكرت أن لتعمد إظهار الصديق لصديقهأنه غامض ... وأن لديه ما يخفيه عن صديقه سببين ، الأول : قد يجهل هذا الصديق نهايةطريقه ... وهو إغاظة الصديق من أجل الإغاظة ... إما لموقف فهم بالخطأ .. فيحاول تصفيةحسابات سخيفة ، وإما لمحاولة أن يكون هو ربانـًا لدفـة الصداقة بجعل الصديق تابعـًاله!! أليس هو صاحب الأسرار والحكايات والمواقف والمعارف والأصدقاء ... فيرى من نفسهالاستعلاء على صديقه.
وأما السبب الثاني: فهو الانسحاب التكـتـيكي.. وهو من أسوأ ما يقوم به صديق مع صديقه فترى الصديق الخائن يظهر الغموض... لكي يوحشقلب صديقه ؛ فلان: أين ستذهب الليلة؟؟ .. الخائن: أنا مشغول .. فلان: وما شغلك ؟؟.. الخائن: مشغول مع فلان شغل خاص ( الشغل هو الذهاب للسوق!!!!) ... فلان: اتصلت بكولم ترد علي ثلاثة أيام .. عسى ماشر ؟؟ الخائن : كنت مشغول بمواضيع مهمة ... فلان:وما هي؟؟ أبشر بالمساعدة ... الخائن : المعذرة مواضيع خاصة .. ( المواضيع هي جلساتودواوين ولعب كرة!!) .. هذا الخائن يحاول من خلال مرور الأيام أن يجعل صديقه لا يسألعنه بهذه التصرفات الصبيانية!! .. لأن الصديق سيعرف الجواب مسبقـًا ... فبذلك حقق الخائنالنصر الذي يحلم به .. وكأنه نصر الأبطال !!! لكنه نصر له طعم الخسارة ... لأنها معركةأخلاقية ... المنتصر فيها خاسر ... والخاسر فيها مغبون ... لكن ألا تلاحظون شيئا مهما؟؟؟ .. (وللحديث بقية).
(8) لقد ذكـرت في (7) ألا تلاحظون شيئامهما ؟؟ ... أما أنا فـأقول في ملاحظتي ، ألا ترون أن أغلب علاقات الصداقة تختتم بنهاياتمؤسفة ... لماذا الصديقان عندما يفترقان لا يكون بينهما احترام متبادل ؟!! ... لماذالا يذكر بعد الفراق إلا الأحزان والفضائح وهتـك الأسرار؟!! لماذا يسير الصديق الخائنوفـق سياسة الأرض المحروقة ... يدمر كل شيء بعده ويبالغ في البطش ... ويتطرف في البغض!!؟
في نظري أن الفراق بين الصديقين له أسبابكثيرة ... لكن ألا تسعنا الأخلاق وقت الفراق؟ قد يكون سبب الانسحاب التكتيكي ضغوطـًاخارجية ، بمعنى أن يعاني هذا المنسحب ممن يهاجمه لصداقته مع فلان ... كيف تصادق فلانا؟وكيف تخرج معه؟ لماذا..؟ ولماذا..؟!! فـلأجل هذه الضغوط فإنه يلجأ لهذا الانسحاب... لكن لماذا تدمير العلاقة ؟؟؟ وقد يكون من أسباب هذا الانسحاب ... عدم قدرة الصديقعلى الوفاء بحقوق الأخوة ... إما لجهله بها ... وإما لعدم مبالاته بأداء حق صاحبه ،لكن لماذا تـنحر الأخلاق عند الفراق ؟؟؟ قد يكون سبب الانسحاب الزهد في الصديق ووجودالبديل !!! ... وحتى لو بررنا ذلك فلماذا تكون الجناية على الأخلاق قبل الفراق.
ألا نلاحظ أن الانسحاب الغامض من أخلاقالجبناء ... فلماذا الغموض ولماذا الصمت ؟؟ بل تراه يظهر المديح ويتستر به لتغطية هروبه.(( أعرف بأنها جملة غامضة ))...
(9) مما يفسد الأخوة ... ويضع العوائق فيمسيرة الصداقة ( سياسة الأرشفة ) وأقصد بالأرشفة تجميع الهـفوات ... فمن خلال المصاحبةقد يجد الصديق من صديقه شيئا من الخطأ في حق نفسه ... أو حق صديقه ... أو غيرهما!!! .. أو يكون عنده شيء من التقصير في بعض الجوانب ... على حد قولهم :-
(( من ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفىبالمرء نبلا ً أن تعد معايبه ))
إلى هذا الحد ... فالأمر لا يعدو شيئا غريـبًا... لكن الغريب ... وليس بمستغرب عند أهل البغي ... والتمادي والجهل ... ألا يقوم الصديقبنصح صديقه ... بل الأدهى أنه قد يستحسن تلك الأخطاء ... وتقع البليــّة ... عندمايقوم الصديق الذي لبس ثوب اللؤم بأرشفة الأخطاء وحفظها في ذاكرته ... حتى إذا جاءتساعة الخصام ... وحضر الشيطان ... وغاب الفكر ... وبحثت النفس عن النصر ... أخرج اللئيمما في الجعبة من هفوات الصديق ... أو مما يظنه هفوة أو مما كان يستحسنه ... لكنه يشهرهاليوم منتـقدًا ... معنفـًا .. ومؤنبـًَا .. ألم تكن يا فلان تعلم بهذا الأمر من قبل؟؟؟ لماذا لم تناصحني ؟؟؟!! ألم ألقاك بعده وخرجنا ودخلنا وسافرنا وأكلنا وشربنا ؟؟؟!!!لماذا اليوم ؟؟؟ إنها النفس المريضة ... التي تنتهز وقت الغفلة ... إنها الصحبة الجوفاء... والعلاقة الخادعة ... إنه القلب الخرب ... الذي يعيش على تعاسة الآخرين ... للحديثبقية ... والصفحة البيضاء...
(10) ما قصة الصفحة البيضاء ؟؟ وما علاقتهابأرشيف الأخطاء ؟؟ قبل ذلك مما ينبغي معرفته والتواصي به ... الحرص على تأليف القلوب... وجمع الكلمة ... وحفظ الود ... والوفاء ... وعدم نسيان المعروف ... إذا تقرر ذلكفلابد أن نعلم أن الحياة لا تصفو لأحد ، وأن مما يبتـلى به الإنسان الخطأ .. منه أوعليه !!! لكن العفو مطلوب ... والتسامح من شيم الكبار ... وعلى الصديق الصادق قبولالظاهر ... والصراحة في أمره كله ... إلى هذا الحد فالأمور إلى خير.
لكن قد يختلف الصديقان ... ويحصل بينهماالشقاق ... ويعظم النزاع ... وقد يستدل بأرشيف الأخطاء ... وكنت تفعل كذا ... وفي يومكذا فعلت كذا وكذا ... لكن قد تصدق النيات ... ويتفق الصديقان على فتح ( صفحة بيضاء)... وينسون الماضي.
المشكلة الخطيرة ... التي تدل دلالات واضحةعلى عدم سلامة القلوب .. هو عند حصول مشكلة أخرى ... فقد يرجع دنيء النفس إلى أمورحصلت ... وكان حصولها قبل فتح الصفحة البيضاء .. فهذا الفعل الدنيء يدل على أمرين ،أن هذا الصديق مريض قلب لا يصدق في وعد ولا عهد ... فـهاهو بالأمس يتناسى الماضي... ويزعم أنه يفتح صفحة نقية كأنه يعرفه من حينها ... ثم هو يخون ويرجع للماضي... ويعيد كتابة الممسوح ... والأمر الآخر ... هو أن الصديق الخائن .. خبير أرشفة... لا تضيع عنده الملفات ... بل يحفظها كحفظ اسمه ... لكن مع الأسف ... هي الملفاتالسوداء.
لذلك فإني أقول لمن أحب ... أن الصديقينإذا فتحا بينهما صفحة بيضاء ... فلا يحق لأحدهما الرجوع إلى ذكريات مؤلمة قبلها... ومن رجع ... فإن في قلبه شيء.
هل هناك استثناءات ؟؟؟ .... أقول في حدودضيقة ... والحديث فيها ... يقود إلى مفسد جديد ... استغفال الصديق ...
(11) استغفال الصديق ... من الصفات التيتعافها النفوس السوية ... وتنبئ عن خبث النية ... وفساد في الطوية ... فصديق سلم ثقته... ومشاعره ... ووجدانه ... لصديقه ... الذي يظن للثقة محلا ... وللصحبة أهلا ...فتجده لا يتحرج منه في شيء ... بل يستحي أن يذكر ص...ديقه بحفظ الأسرار .... لأنه يعلممكانه من صديقه ومكان صديقه منه !!! بل يستحي بعد السفر والرحلة مع صديقه أن يقول لهالكلمة المعتادة ????استر على ما واجهت ) ... فإذا الآخر كالمنخل ... ( المشخال) ... لايمسك خبرا ... ولا يحفظ سرا ... ولا يستر عيبا ... وهذا النوع من من المخلوقات (المحسوبةعلى البشر) موجود ... بل وبكثرة ... لكن مع هذا كله .. فليس هنا محل الاستغفال ...وليس هذا مكان الاستغلال ... (وأطلب من إخواني إتمام القضية بصورة يتحقق فيها الاستغفالمع المقدمة السابقة وما علاقة ذلك بالصفحة البيضاء .... وسأتوقف عن إتمام الرسائل فيحال عدم المشاركة )
(12) من الصور ..التي تمثل ما يقوم به الصديق( المحسوب على البشر ) باستغلال واستغفال صديقه ... أن هذا الدنيء قد يأتي بالعظائم... ويفعل الطوام ...... ويسحق صديقه سحقا ... ويطؤ برجله على سمعته ... ثم بعد برهةمن الزمن ... يأتي بصورة المعتذر ... ويذكر صديقه بفضائل العفو ... (( إذا ما عذرتنييا فلان من يعذرني غيرك )) ... (( إذا أنت ما قدرت الأخوة فمن يقدرها )) ... (( يافلان أنا لما تكلمت فيك ... كنت أتوقع إني أمون عليك )) ... ويأخذ بالكلام المعسول... (( يا فلان أنا مستعد أفتح صفحة بيضاء)) .. لكن المشكلة أنها صفحة رقم (100)... والأخطاء مكررة .. وهذه الصفحة في حقيقتها غطاء ... وإذا نظرت عن قرب أكثر ...فلا هو قد ندم ... ولا هو قد أصلح ما أفسد ... والعجب العجاب ... أنه بعد أن يلاقيالصدود من صديقه ... فإنه يظهر نفسه بمظهر المظلوم ... وفلان لا يحترم الصداقة والصحبة... ولا يعرف حقوقها ... وكما قيل : يرى القذاة (الشي البسيط) في عين أخيه ... ولايرى الجذع في عينه ... وبهذا وبغيره ... يكون الصديق في حالة تأنيب ضمير ... هل أقبلاعتذاره ... أم أعرض عنه ... فإن قبلت فلن أسلم من شره ... وإن أعرضت عنه فمثل ذلك... !!!!
(13) التقصير في بذل حقوق الأخوة معول هدملصرحها ... وسبب رئيس لتقويض بنائها ... وكما ذكرت سابقا أن الأخوة والصداقة حقوق متبادلة... تبذل من غير طلب .. أفضلها ما كان منها سجية وخلقا ... وأمرها ما كان منها تمثيلاوتكلفا !!! ...في طريق الصداقة ... قد يحصل التقصير من الصديقين ... وقد تكون مرارةفي حلق الصديق أن يقول لصديقه أنت قصرت في كذا معي ... وإن كانت الصراحة مطلوبة... لكن في بعض الأحوال تكون لا طعم لها ... لو حتى أخبر صديقه بوجه التقصير ... فسوففيكون بعد ذلك شبهة تمثيل وتكلف ... أقول التقصير وارد ... وقد يتمثل الصديق الوفيبالمثل الشعبي .. (( أخليها في القلب تجرحني ولا أطلعها قدام الناس تفضحني)) .. لكنالصديق الوفي يصاب بالدهشة والذهول عندما يرى صديقه يبذل هذه الحقوق لغيره ... علىالتمام والكمال ... بالمثال يتضح المقال ... يقول أحدهم دائما أدخل المجلس وأجد أخيوصديقي قد سبقني ... أتوقع منه أن يناديني ليجلسني بجانبه لأن المجلس مزدحم !!! ومعذلك لا يفعل ... (التوسعة في المجلس من أبسط الحقوق) لكن إذا دخل غيري نجد يبش له ويفرحويناديه ويجلس بجانبه أو قريبا منه ... أقول صديقي (يمون) علي وهذا الداخل بحسبة الضيف... لكن المشكلة أن هذا طبعه مع كل أحد ... حتى من نراه يوميا !!!! يقول الصديق لي: هل تريدني أصرح له لماذا لا يفعل ذلك لي ؟!!!!! يقول ومثلها حتى في الكلام ... لماأتكلم مع أو في مجلس ... لا يلقي اهتماما لي ... بل أحيانا يقاطعني ... مع أن الجالسينفي المجلس كلهم يستمعون ... وبإنصات واهتمام ... أما هو فلا ... ومع ذلك فهو منصت رائعلحديث غيري !!!! أحيانا يحرجني بكلمة لا تناسب المقام في مكان عام ... (( أنت ما عندكإلا السوالف)) ... علما ألا أحد يجرؤ أن يقول ذلك لي من بقية الأصحاب .. لاحترامهملي ... المشكلة الأدهى ... أن الأصحاب والمعارف يحترمونه !!!! ولا يحترمونه إلا منأجلي !!! لأنه صديقي !!!!!!!!!!! ومع ذلك ((......))
(14) والعذر عند كرام الناس مقبول ... والعفومن شيم السادات مأمول ... العذر ... والعفو .. إذن هناك تعدٍ أو تقصير ... أقول منمفسدات الصداقة ... عدم قبول الأعذار ... وفي الحقيقة ... إن مسألة الاعتذار بين المتصادقينمن المسائل الصعبة جدا ... هل بين المتصافين أعذار وأخطاء ... وهل بين المتصادقين آسفوسامحني ... سأتكلم من وجهة نظري ... المفترض ألا أنتظر صديقي أن يتأسف لي ... أو أجعلالصداقة معلقة لكي يتأسف لي ... وهل رأيتم يدا تخاصم يدا من أجل أنها جرحتها بالسكينولو عمدا ؟؟؟!! الصديقان في الحقيقة جسد واحد ... لا يهتمان لما يكون بينهما من خطأأو تقصير ... وهذا الكلام ليس شماعة لتعليق الأخطاء أو الاستمرار فيها .. أو لاستغفالالصديق !!! قد يحصل من الصديق ما يجرح ويحزن ... لكن من أجل عين نكرم مدينة ... وموقفالاعتذار موقف انكسار ... النفس الأبية لا تحب أن ترى من يعز عليها فيه ... فتجد الصديقالوفي إذا اعتذر إليه صديقه ... يهوّن عليه الأمر ...وأنه أرفع عنده من أن تناله الشكوك... بل ربما يؤنبه لاعتذاره ... فلان هل وصلت الأمور أن تعتذر مني ؟؟!!! .. لكن كماقلت هذه النفوس الأبية !!! ... قد يحس الصديق بمرارة الخطأ ... خصوصا إذا كان مظلوما... أو يرى أن صديقه لا يعامله كما يعامل بقية الناس ( انظر الرسالة 26) ... فهو يريدمن صاحبه الاعتذار... وإن لم يطلبه صراحة ... لكون أن العبرة تمنعه ... والغصة تخنقه... لكون الأمور آلت إلى ما هي عليه .. ومع ذلك يريد الاعتذار ... ليس من أجل الاعتذار... إنما من أجل تطييب الخاطر ... وأن يعرف قدره عنده ... وأنه لا يزال يحفظ الود... لا من أجل أن يذله ... أو يكسر من شموخه ... مواقف صعبه وخيوط متشابكة ...
(15) الاعتذار بين الصديقين ... سبق أنبينت أن في الأحوال المثالية .. والتي من المفترض أن تكون هي الأحوال العادية ... فإنمسألة الاعتذار من المسائل المتصورة في حدود ضيقة ... وليس المقصود في هذه المسائلذات الاعتذار إنما المقصود ... إظهار الود .. وحفظ المكانة ... لكن قد يحصل أن يكونخطأ الصديق شنيعا .. تأباه النفوس ... ومع ذلك فقد حصل في ساعة غاب فيها الفكر ...وحضر فيها الشيطان ... ثم لا الصديق أن يأتي منكسرا ... وللعذر مقدما ... تملأ قلبهالحسرات ... ويأكل فؤاده الندم ... وهو فلان ذو التاريخ الأبيض ... والمواقف المشهودة... الذكريات الجميلة ... والأيام السعيدة ... التي هي من أمتع أيام الدنيا ... فإذاحصلت المعادلة وفق هذه المعطيات ... فهي معادلة قد ظهر فيها الجواب والبيان ... ولاتحتاج إلى تفكير أو برهان ... وهنا تظهر أخلاق أهل الفضل ... وتبرز شيم الرجال ...وتظهر المعادن ... ويكون الناس بعد ذلك على أقسام .... واحفظوهم ... قسم هو الذهب... يزداد جمالا وبهاء ... كلما عرض على النار ... وقسم هو الحديد الصدأ ... لا يقبلمن صاحبه عذر ولا واسطة .. ولا استعطاف ولا واسطة ... ونسي صديقه بهذه السهولة ...وكأنه ينتظر هذه اللحظة ... وقسم هو النحاس يشابه الذهب في لونه ... فيقبل العذر... قبول المتردد ... لكن النحاس يصيبه الاخضرار ... فهو وإن كان قد قبل العذر ...لكنه لن يعود في وده كما كان سابقا ... فيصبح وكأنه يحمل في قلبه شيئا يخفيه ...
(16) من وسائل تدمير الصداقة ... والقضاءعليها ... كثرة العتاب ... صحيح أن المعاتب في الغالب إنما يعاتب عن ود ... ويؤنب عنمحبة ... لكن أحيانا تختلط الأمور .. وقد يزيد الصديق في التأنيب تشفيا ... وفي أحيانأكثر ينفر الإنسان ممن يؤنبه ... ولو كان المؤنب صادقا ... التأنيب فن ... وليس الكليحسنه ... فرب كلمة آذت ... ورب عبارة جرحت ... فبقي أثرها إلى حين ... لذلك فليحذرالصديق من التمادي في تأنيب صديقه .. ومحاسبة ... وأزيد فأقول .. وليحذر من التحقيقمعه ... أين كنت ؟؟ لماذا لم ترد ؟؟ مع من ذهبت ؟؟؟ وغيرها من الأسئلة التي تشعر الصديقبالنقص ... وقد قيل:-
( إذا كنت في كل الأمور معاتبا .. صديقكلن تلقى الذي لا تعاتبه )
وقيل :-
( ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعضما فيه ، يمت وهو عاتب )
وفي الجانب الآخر فإني أحث كل صديق وجدمن صديقه تأنيبا .. أن يتلقاه بصدر رحب ... وببشاشة ووجه .. فلولا مكانتك العالية عنده... ما أنبك ... ولا عاتبك ... ولو لا محبته لك ... ما عبس في وجهك !!! فأحيانا يكونالعبوس عن محبة !!!! لأنه لو لم يعبس ذلك اليوم ... لما فهمت قصده ومراده ... وتذكرقول القائل :-
( إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الودما بقي العتاب )
فاحمل أمور الصديق على محمل الخير ... واحرصعلى جمع الكلمة ... واحذر الشقاق والفرقة ... فلا ينس الإحسان إلا لئيم ... ولا يخونالصديق إلا دنيء ... وراقب الله في أمورك ... تكن أسعد الناس ... بقي من السلسلة حلقتهاالأخيرة ... (30) قاصمة الظهر وكلمة الوداع ... ولله الأمر من قبل ومن بعد ...
(17) .. من مفسدات الأخوة ... ومقوضات بنائها... (( وكنت أنسيتها)) كثرة الخلاف والمخالفة .. فما أجمل من الصديقان عندما يتفقان... وما آلم المخالفة ... عندما يوافقني الناس ... ويخالفني صديقي ... دعونا نسافرالسبت ... الكل موافق ... صديقي فلان : لا الأحد ... لا عذر مقبول له .. أو له عذرلكنه تافه .. كنت أظن أن مكانتي عنده أرفع من أن يخالفني لهذا العذر ... لن أطيل فالرسالةرسالة ختام ...
أما قاصمة الظهر ... وباقعة البواقع ..فذاك الأمر الخفي ... والمفسد الأكيد .. والدمار الشامل ... كم من صديقين قد افترقا.. وكم متآخيين تباعدا ... ذاك السم الزعاف ... والمرض المخوف ... فجأة ... إذا بيانقبض من صديقي ... تكثر المشاكل بيننا .. لا أحب أن أراه ... فضلا عن أذكره ... ذاكالأمر ... وتلك البلية ... هي معصية رب البرية ... جاء في الحديث (( ما تواد اثنانفي الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما )) ... فلما عصى أحدهما ربه ... لم يكنأهلا أن يصاحب صديقا ... طاهر القلب .. فمن رحمة الله بالصديق التقي ... أن يبعد عنهمن ليس أهلا لمودته ... وصداقته وأخوته ... وهذا المعنى وهو طاعة الله وعدم معصيته... منه بدأت ... وإليه انتهيت .. وما كتبت ما كتبت ... إلا ابتغاء رضوان الله ...فأسأل الله أن يجعله ذخرا لي في الآخرة ... وأن يجمع به بين المتحابين فيه ... وأنيزيل به الشحناء والبغضاء ... وما كان فيه من صواب فلا فضل لأحد فيه إلا ربي ... وإنابتليت بالزلل والخطأ ... فأستغفر الله وأتوب إليه ... هذا وإني كنت أكتب ما تجود بهالنفس من غير تحضير ولا إعداد ... حديث قلب أرجو أن يصل إلى القلوب ... كان مداده منتجارب عشتها .. وقراءات قرأتها ... وإني لأسأل كل من قرأ أن يدعو لي ولوالديّ ... وأنيهب لي نصحه وتوجيهه .. فما أنا إلا كما قال الأول :
أسير خلف ركاب النجب ذا عرج ..
مؤملا جبر ما لاقيــت من عــــــوج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ...
فكم لرب الورى في ذاك من فـــرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعا ...
فما على أعرج في الناس من حرج
وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد وعلىآله وصحبه أجمعين ...