فتاة سهلة
هذه المرة ارتدت هيام أجمل فساتينها، تحديداً ذلك الذي حذرتها جاراتها منه، كان لونه أسود لكنه ملتصق بجسدها المثير، تعرف الجارات أن ما يبدو بارزا من خلف الفستان يشي بالكثير من الفتنة والتضاريس التي تكاد أن تعلن عن نفسها، شموخ الجبال فوق صحرائها ووعورة الطرق الخلفية التي تختصر الوصول إليها، هذه المرة بالذات سمحت هيام لجسدها أن يعلن عن نفسه بوضوح.
هيام امرأة هشة، فقدت زوجها في الحرب، وكانت يومها حبلى بطفلة لم تكمل عامها الأول، في الذكرى السنوية الأولى لوفاة زوجها، فقدت مستقبلها، كما فقدت ماضيها.
مضت هيام في طريقها للحافلة، تلاحقها نظرات الجارات، وصاحب الدكان، وبائع السجائر (الفرط) وحتى الصبية الذين استيقظوا باكراً ليلعبوا لعبة اللص والحكومة في الشارع.
اضطرت للوقوف في الحافلة عندما لم تجد من يتبرع بشهامة ليترك لها مقعده، فجاء شاب متوسط الطول، ليقف وراءها تماماً، ملصقاً جسده من الأمام بمؤخرتها المشدودة، كان يتوقع ككل مرة أن تبتعد عنه، وأن ترمقه بنظرة الازدراء التي أصبحت هي الشكل الرئيس لوجهها، نظرة تعودت أن تلبسها طوال اليوم، حتى أنها تنام -أحياناً- وهي على وجهها، لكنها هذه المرة بوجهٍ جامد خالٍ من الانفعالات تماماً تركته يفعل ما يشاء، ورغم استغرابه لكنه تجرأ للمزيد، فمد يده ليلمس وسطها، فبادرت هي بمد راحتها لتمسك راحة يده، والتفتت إليه تاركة يدها في يده، لأطول فترة ممكنة، قبل أن تنزل من الحافلة إلى مقر الشركة التي تعمل بها، بعد أن كاد الشاب يتفجر شوقاً ورغبة.
مشت الهوينا تتبختر بأنوثتها التي لطالما كبلتها، فقد اعتادت على إخفائها خلف الجلبابات الواسعة مخافة الوقوع في فخ المتحرشين دون أي فائدة.
صباح الخير يا عم سامي. ألقت التحية على البواب العجوز الذي نظر لها باستغراب، وهي تلبس هذا الثوب الضيق، وتضع الكثير من الزينة، كأنها ذاهبة لحفل زفاف وليس ليوم عمل تقليدي، اعتادت على بدئه دوماً بالدموع والعيون المحمرة.
لم يمضِ على جلوسها إلى مكتبها ساعة واحدة حتى اتصل عليها مديرها، يطلب منها الحضور إلى مكتبه فوراً.
ذهبت إليه، تطاردها ذكرى يداه التي كانت تحاول الوصول إليها دون فائدة، وعيناه التي تستبيح جسدها دوماً.
استقبلها المدير باستغراب وهو ينظر لجسدها وتمايلها، أغلقت الباب خلفها، قالت له في تغنج: أوامرك يا مديري.
وقف الرجل واقترب منها وجسده يرتج من الانفعال، لطالما تمنعت عليه ورفضت لمساته لها، يحاول أن تبدو لمساته عفوية لكنها تفهم وتعرف، لهذا تتحاشى دخول مكتبه ما استطاعت لذلك سبيلاً، هذه المرة لم تبتعد هيام، بل اقتربت منه حتى كادت أن تلتصق به، فقال بصوتٍ متحشرج: تبدين اليوم فاتنة.
اقتربت برأسها منه حتى كاد يلامس رأسه، وقالت همساً: ألم أكن دوماً كذلك.
ثم اقتربت أكثر، ليداعب لسانها شفتيه، في حركة مباغتة أشعرت الرجل بالريبة، فتراجع للخلف متوجساً: تبدين مختلفة اليوم.. قالها وهو يتراجع أكثر، يحاول تذوق طعم شفتيه الذي بدا له مختلفاً.
من عادة الصياد أن يشعر بالغرابة إذا استكانت الضحية، فكيف إذا بادرت هي لمهاجمته، هكذا فكَّر الرجل وهو يتخيل فأراً يقف بمواجهة القط ولا يهرب، أو يبادر للهجوم عليه، مخيفة هي الأشياء حين تخالف طبيعتها، لهذا أخافته هيام، حتى أنه تراجع ليجلس إلى مكتبه ويقول لها بلهجة آمرة: اذهبي إلى مكتبك.. فوراً.
مضى اليوم سريعاً، وزملاؤها ينظرون لها بتعجب، فهي الفتاة العصية التي لطالما تمنعت عنهم، هذه المرة تجرأ زميلها سامر أن يكرر طلبه لها بتوصيلها إلى منزلها بسيارته الخاصة، فقبِلَت على الفور، في الطريق كانت يده تضل طريقها كل حينٍ عن مبدل السرعة إلى فخذيها، فما كان منها إلا أن وضعت إصبعها في فمها، ثم أخرجته لتمرره على شفتيه ببطء مستفز، سال لعاب سامر وهو يتذوق طعم لعابها، حتى أنه كاد أن يوقف السيارة ويرتمي فوقها في منتصف الطريق العام، قال لها: لم أكن أظن أنك سهلة، لقد حفيت قدمي وأنا ألهث وراءك، لماذا كنت تلعبين دور الفتاة الصعبة أمام الجميع.
ردت عليه وابتسامتها لا تفارق شفتيها: لأني صعبة على الجميع، ومن يريد الاحتراق بناري.. فليفعل.
وصلت إلى منزلها، لتغادر سيارته بهدوء، مستقبلة دستة من سيارات الشرطة والطب الوقائي، كانت بانتظارها، يرتدون جميعهم الأقنعة الواقية وأزياءهم التي تشبه رواد الفضاء، وهي تردد لنفسها بهدوءٍ صارخ: سأعترف بكل شيء.