تقدم إلى موعدها ببطء وكل خطوة تلعنها الأخرى ، تمنى أن يتوقف الوقت أو تمحى اللحظات القادمة من خارطة الزمان ، تقدم وقدميه ترسم على الرمال قبور لأحلامه الصغيرة ونهاية لمشوار قد وصلا فيه معا إلى مفترق الطرق
تقدم ويديه تحمل رسائلها التي اصبحت باردة بين يديه بعد كل المعاني الدافئة التى كانت يوما ما تملاءها قد اصبحت اليوم بقايا عاطفة ، رماد... ويحمل أيضا صورا قد بهت من الحزن ألوانها صارت لشخصين بلا ملامح ... ضاع كل شئ
بعد لحظات سينهى المأساة التي بدأها ... فهو يعلم بأن من بدء المأساة ينهيها ... وقف ينتظرها والغروب يلقى بظلاله عليه وكأنه ينعيه ... امتدت أنامله على تلك الشجرة التي حفرا عليها يوما ما ... أسميهما و بينهما قلب كان يومها ينبض بالحياة وتصل نبضاته من شرايينه إليهما .. فيغمروهما إحساس دفيء لا يستطيعان وصفه ، رأها اليوم يحتضر ينزف دما وكأنه يبكي اللحظات القادمة
فاليوم الشتاء قارص ، زمهرير ورياح عاتية وكأن الشتاء أيضا قد أراد أن يكون شاهد عيان على المشهد الأخير من الروايه
لكنه تحدى كل شئ وجسده النحيل قادر على الصمود فلم يرتجف
وقلبه الضعيف .. تمرد صار قطعة من رخام
ورغم كل شئ ظلت على ملامحه ابتسامة ... ربما حزينة ... ربما ساخرة ، لكنها أيضا ابتسامة متمردة
انتظرها ولم يطول انتظاره فقد لمح ضوء سيارة تقترب ، شيئا فشيئا تتضح المعالم ...
إنها هي داخل سيارة فارهة ، فعلم بأن الصفقة قد تمت .... باعت كل شيء من أجل المال .. نظر إليها زادت ابتسامته وكأنه أرد أن يخبرها بأن نساء العالم كله لا يستطعن هدم البناء الشامخ في ذاته ... لن ينهار
وقفت السيارة على مقربة منه ، ارادت أن تجعله يأتي إليها لينحني على نافذة سيارتها فهي تريد شيئا ما في نفسها .. ربما تريده أن ينحني أمام المال مثلما انحنت... ظنت بأن كل النفوس مثلها .
تراجع بخطواته إلى الوراء وقد أدرك ما يدور فى نفسها فزادت ابتسامته وهو ينظر إلى طلاء سيارتها الأحمر .. تذكر بأن هذا لونها الذي تحبه فقال لنفسه هامسا : كنت أظنه بأنه فقط لون الحب .. لكني أدركت الآن بأنه أيضا لون الدم
استدارت بسيارتها عائدة فقد انهارت الأفكار التي ظلت ترسمها طول الطريق وحدثت نفسها بصوت يملاءه الغضب قائلة : غبي ، لو يعلم ماذا احمل إليه لأتى إلي يحبو
وأرادت أن تعود لكنها تذكرت رسائلها التي أتت من أجلها فأوقفت السيارة ونزلت إليه ، اقتربت منه وهي ترتدي ثوب الكبرياء
مدت يديها إلى الظرف الذي يحمله فأخذته ولم تستطيع أن تنظر إلى عينيه فكل الأقنعة التي فوق وجهها حتما ستذوب أمام نظراته، ألقته على الأرض تحت قدميه و ألقيت فوقه خاتم الخطوبة وهربت من أمامه مسرعة إلى السيارة
أمتدت يديه تلتقت الخاتم ثم وضعه في جيبه وأمسكت يديه الظرف الملقى على الأرض وفتحه فوجد رسائله وبجوارها مجموعة كبيرة من الدولارات التي ربما الورقة الواحدة منها تساوى راتبه عدة أشهر فأيقن بأن هذه أيضا جزء من الصفقة
... نظر إليها وقد أدارت مفتاح سيارتها وبدأت تتحرك قائلة لنفسها ...الآن قد صرنا سواء ... وعلى ملامحها ابتسامة يعلوها الارتياح
وإذا به يضع رسائله في جيبه ويمسك الأوراق المالية بيديه ليقذفها خلفها ، لتبعثرها الرياح فوق سيارتها وبعضها يتمرد عليها يكاد يسابق السيارة ، وهي لا تصدق ما يفعله وتصرخ بهستريا : مجنون ... غبي ، و إذا بها تزيد من سرعة السيارة وكأنها تفر و من خلفها الجحيم
انتهي كل شي في لحظات
سقطت كل الأقنعة
شعر بأنه أستيقظ من كابوس رهيب
أحس بأن الصفقة التي تمت هو الوحيد الذي خرج منها فائزا
اخرج من جيبه الرسائل ونظر إليها و ابتسم ، فأخيرا وجد وقود للمدفأة فالبرد يكاد يجمده وليالي الشتاء طويلة ، فهو يعلم بأن وجود تلك الرسائل وما تحمله من معانى ملتهبة ربما تغنيه عن الحطب لأخر يوم في الشتاء
تمت