موسى نجيب..
عمل ادبي رائع بحق..لانه يتعمق في النفس البشرية ليصل منها الاغوار التي قلما تستكشف.. وهو لم يقتصر على التعمق الانثوي انما عمد الى التعمق الثنائي..وليس الحوار المستمر بين بين الاثنين الا تأكيد على ذلك.
حيث في حديثهما دلالات كثيرة لعل ابرزها انها عرت تلك انفسهما من غطائها الخارجي لتظهر لهما كل ما يمكن ان يخالج نفس فتاة مع فتى..فتى مع فتى..سواء اكانت هذه المخالجات عاطفية ام جنسية.
والبداية تؤكد ذلك..." ار ان يتذوق لحمها الشهي" .
ومن اجل هذا التاكيد نجد بان كل واحد يحاول ان يسبح في اعماق الاخر ليستكشف ذهنيا ما قد يصدر من الاخر..سواء من افعال او توهيمات..او افكار...لذا نجد بان كل واحد منهما يتعمد غلق المنافذ على المقابل..فالفتاة تتعمد اغلاق كل منفذ يمكن ان يستغله ليتذوق طعم لحمها الشهي وهو يتعمد خلق اجواء تقربه لفريسته..
سبح في زرقة عينيها حتى وصل إلى شاطئ النن، تمدد تحت أشجار رمشها الظليلة بعدها سحب روحه وافترشها أسفل قدميه، حدد القبلة عن طريق موقع الشمس في فضاء وجودها، حاول أن يصلي في ملكوتها المفتوح لكنها نهرته بشدة وحاولت طرده من حدقة عينيها التي كادت أن تنغلق عليه وتدهسه.
لكنها الطبيعة البشرية لاتصمد امام الاهواء..لان النفس البشرية بطبعها تميل الى السوء.. وجدت هي نفسها تغوص في تفكير عميق..ولعل الرمزية التي استخدمتها بالبساط والشمس دليل على ما اقول..فالفتاة بدات تفكر..ويعرف نفسيا بان التفكير اذا ما داهم ذهن الانسان فانه يطرق عليه كل الابواب..لذا نجد في خطابها ليونة اكثر..عندما قالت لكن لحمي مر...وعندما استحضرت في فكرها بانه ذاق طعم لحوم اخرى..وكانها تخشى ان لايعجبها لحمها.
وعندما هو تغير مسار الامور ظنا منه بانها تخشاه..ادخلها في لجة صراع اخر وهو صراع الحب ومايفعله..وكأن هو...متمرس..فادخلتها في تفكير اخر..وغاصت في اعماقه..وتاكدت من تمرسه..فالوحش ليس الا رمزا لتلك الرغبة الغريزية الشهوانية التي يمتلكها.
ولكن لتمرسه ولقرأته النفسية الجيدة لفريسته..بدأ بنبش بعض مايثرها..وما هو معلوم ان الانثى برغم مكرها والخبث الذي تمتلكه..عاطفية جدا..ودموعها قريبة من عينيها..وقد استغل هو كل هذه الامور ليصل الى غايته..وبدأ يعري نفس الفتاة.
((أنت مثل كل البنات. إن البنات يولدن بورث ثقيل يزداد هذا الإرث ثقلاً يوماً بعد يوم حتى تصل البنت إلى تفتح زهرتيها اللتين يزدان بهما صدرها وتتفتح عينيها على الآخرين بلا قيود داخلية فتصاب بالشرخ الذي يشطرها إلى نصفين. ((
هذه الكلمات بها لخص حياة الفتاة..بل الانثى..في مجتمعنا..وهذا الشرخ قلما ينكره احد لانه موجود بل مغروس في اجتماعنا..ولعله من ابرز اسباب سرعة انتشار الافكار النسائية الاخرى لدينا..لانها تجد فيها منفذا لها...(لااريد ان اطيل..لانني قد اقع في المحضور هنا).
استطاع بحنكة متمرس ان يستدرجها..وهاي تفتح افاق ذاتها.."لم اجرب طعم الحب الحقيقي ولهذا لحمي مر.." لكنه لايدع منفذا لها...بل يفتح بعض صفحات الماضي..ويذكرها بها...
وليس استغرابها الا دليل على ما قلت سابقا من كونها تعاني الشرخ هذا..وانظر الى لغة المتمرس عندما ترد على سؤالها..كيف عرفت.."البنت كتاب مفتوح لمن يريد أن يقرأ سطوره عليه فقط الاقتراب منها و يغترف من بحر أنوثتها حتى يشبع حلمها الخالي من أي اهتمام ذكرى.. أقول لك الكثير أم يكفي هذا؟ "
وهنا تكمن قمة الاثارة حيث تخضع هي للواقع وتبدا باستعادة كل مر بها.."كلما رأت في يده خاتم الزواج..." لكنها لحد الان لم تزل صادمة ولحمها لم يزل كما كان منذ البدء مرا..وظن عندما سمعها تقول.." لم يعد لحم البنات مراً بل أكثر مراراً"..بأن النهاية قد تاتي على غير مايشتهيه هو.. وكان الرياح عادت تهب على عكس ما تشتهيها السفن.."
لكنها العاصفة الاخيرة قبل الهدوء...قبل الانفضاح..
عمل ادبي متكامل..حيث سلطت الضوء على تلك البقع التي تختفي واراء التكلسات النفسية بسبب ترسبات الاجتماع..وتعمقت فيها..حتى استطعت من فضحها..وكأن هناك مرآة عاكسة تعكس لنا ذاتيهما.
تقديري واحترامي
جوتيار