غنائية على ضفة الفراتــــــ
الإهداء :
إلى ذلك الكبير جدا ، الذي علمني كيف أصنع من الأسطورة شعرا دفّاقا.
وليدا أطلاّ
فما كان شيئاً
سوى فرخِ ورقاءَ حتى أبلاّ
تمرّ الرياحُ على وجههِ
وتذروا رمال النفودِ على عينهِ
ولم يلق أمّاً
تقصّ الأظافرَ أو خصْلةَ الشَّعر خلف القفا
فأغراهُ وقع السنين المريرُ
بأن يقفا
مديداً مديداً
كساقِ الصنوبرْ
سريعا سريعاً
كأعشاب بدء الربيعِ
وأخضر كالآس عند الأصيلِ
فيغدو يشِبّ ُ
ويمسي يُحِبُّ
ويُصغي للحنِ البعوضِ المغنّي
وللبكراتِ
على البئر تشكو
زحام الرعاةِ برنّ ِ
تهتّكَ للنهر..
يُلقي عليه بأثوابهِ
ثمّ يُلقي :
"أبر ُّ بمائكَ بِرّاً أشدّ
أشدّ من البرّ بالأنبياءْ
فُتِنتُ
بمرآة وجهكَ يبدو عليها القمر :
عليلاً
تلوّى هلالا
قلامة ظفرٍ
بها الريح تلهو
يمينا شمالا
" ولو كنتُ ظبيا
لكنتُ أجيءُ
أحاذرُ ذئب الفلا..
وأغيب إذا اكتمل القرص بدراً
حذارَ حشود العواءْ
أزورُ عليلا ً
تنصّبَ رحّالة ً قبل َ آدمَ لكنه ما استقرّ
"ولو كنتُ ظبياً
لما كنت أدركُ زجرَ البشرْ
لأنيَ ألقيتُ عنّي الرداءْ
وأهديتُ عُريي لهذا العراءْ
وأدخلُ أنساب ُ أسبح ثم أغوص ُ
أغوصُ
لأنيَ أنشدُ منك الرواءْ
أحبّ ابنة النهرِ ..
يروي لديها
ترانيم طفلٍ كشيخٍ
وشيخٍ كطفلٍ
ترانيم تعترك الروح منها ..
احتوتها النخيل
شهورا
سنينا قرونا
وذات مساءٍ يريح الغمام عليه
ملاءة طلّ ٍ خفيفٍ
تراود تلك الفتاة أباها العجوزَ
تقول:
"سأخرج يا أبتاهُ
لأحتلبَ الآن ثمّ أعودُ "
وتخرج تهوي
تهرول شوقا وتوقاً
ويومض نجمُ السها ثم يخبو
ويعجب :
"عذراءُ تصبو ؟"
ويأتي الفتى البدويّ الشجيُّ
يمدّ ذراعين مهزولتين
ولا ينطفي من هواه الأوار
فيبكي ويحكي
ويحكي ويبكي
إلى أن يميتَ الظلامَ النهار:
"خذيني إليكِ
فما عاد يجدي فراري
سأهربُ منكِ إليكِ
ستنتابني رعشةُ ُ..
مثل رعدٍ مهولٍ
وإغماءةُ ُ مثل إغماءة النازفين
نزيف الرعافِ
سأحكي وأبكي
فلا تجزعي
دثريني:
" وجاؤوا
على مركبٍ يتهادى
تفرّ التماسيح وهي التي لا تفرُّ
تفرّ التماسيح وهي التي قبل ُ كانت
تقضّ مضاجع من يرقدون
على ضفة النهر إذ يغفلون
فتخطف أطفالهم
وفرّ الرجال بأطفالهمْ
وهل لي أبُ ُ ؟!
كأنّ المجاديف أذرعة الأخطبوط احتشادا
تركتُ ثيابي ورائي
تركت شياهي ورائي
تركت فتاتي ورائي
أصيح أصيح
ولكنهم يسمعون
ولا ينطقون
غلاظا شدادا
" ويبتعد الشطّ عني ..
حتي كأنّ البسيطة ماء
ويعصر ربّانهم غصن زندي
ويهصر طوقي
ويفتل ينثر شعري
كما قد تبدّد في البحر نهري
ويسخر بحّارهم فيقول:
أتخزن من قمل شعرك للصيد طعما ؟
وناولني شربة من لبن
لها لذعةُ ُ مُـرّةُ ُ كالشجن
فقلت :
"أغثني بشربة ماءْ
أبلّ بها ريقي المحترق
فلستُ نبيّا
ولست أخاف الغرقْ"
"ويلقي الشباك
ويأمر : أ لقِ الشباكَ
ويبهرني لون عينيه كالماء تحت صفاء السماء
ولكنني كنت أأبى
وأأبى وأأبى
ويبهره لون عينيّ كالماء تحت ظلام السماء
ويولد فرعون
يخرج
ينفض عنه رمادهْ
يردد :
" هل يكفر العبد بعد العبادة؟
وهتلر:
هل يعشق الضعفاء الشهادة؟
وصدام:
هل يظهر الشعب عندي عنادهْ
وفي عينه تتجلّى
ميول الإبادة.