أين المفر !!
في المقهى جلستُ
أمامي كوب من الشاي
أقلب فيه برتابة
دون أن أشربه
أنظر نحو الباب
أنتظر وأنتظر
أستطلعُ في فضول ما حولي
في زاوية هناك
عجوز وحيد
يتناول في صمت فنجانه
ينظر في الفراغ
يشردُ ويطيلُ النظر
على يميني زوجة
تنظر في جمود
لجريدة في يد زوجها
وهو يقرأ عاقد الحاجبين
كأنه يطالع أعظم خبر
على شمالي طفلة تداعبُ
أخاها الصغير في مرح
وأمهما تتابعهما بعينتين
أنهكهما السهر
أمامي عاشق خطير
يعزف لفتاة
ألحانا من الهيام
بعينين هما السحر
ولونهما كليل السحر
نظرت إلى فتاته
أصارع ذكرياتي
منذ بضع سنوات
كنت في نفس المكان
وكانت في قلبي الشمس
تعانق القمر
انظري إلى الآن
أجلس وحدي
في عيد زواجي الرابع
أسحقُ وحدتي
ليتك تعلمين
فتأخذين منى العبر
أنظر في رتابة للنافذة
هناك في الأفق
بقايا شعاع من ضوء
يلفظ أنفاسه الأخيرة
والليل يقهقه وهو منتصر
وسحب سوداء
تزحف وهي تئنُ بحملها
يشق الرعد رحمها
فتتمخض شلال من المطر
قطرات من المطر
تطرق بإلحاح
زجاج النافذة
تتجمع تتشكل وجوها
تستغيث ثم تسيل
وهى تحتضر
تركل راسي
مشاهد من ذكريات
تتجرع من وريدي
سموما وتنتحر
وعمراً من دم
يجفُّ داخل قلبي
نهرا كان يوما
يتدفق داخلي
اليوم يحتضر
أمدُ يدي لكوب الماء
عساي أقتل في حلقي
ذاك الظمأ
فيسقط الكوب أرضا وينكسر
يأتي الساقي مهرولاَ
أنظر إليه في آلية
قائلة : سأدفع الثمن
لم أرتبك لم أعتذر
أنظر إلى الساقي وهو يبتعد
ثم أنظر لباب المقهى
تراه يأتي!
تراه يتذكر يوم زواجنا!
ما أقسى ما يتحمله منا العمر!
تمر الساعات مسرعة
أتململ في مقعدي
هل سيحضر!
أبتسم في مرارة
وما الجديد !
وما السعيد .. ولو حضر!
انصرف الجميع
المقهى الآن خاليا ..
ومازلت أجلس وحدي
مازلت أقلب الشاي
ما زلت أنتظر
أضحك في سخرية
وأطلق زفرة حارة
عساها تطفيء
نارا داخلي تستعر
أخرجُ ثمن الشاي
والكوب المكسور
وأنهض أحمل حقيبتي
وأشلائي المبعثرة
أطأ بداخلي أملا كم صبر!
ماذا أرى !
العاشق الذي خرج منذ قليل
يعود ثانية
ومعه فتاة أخرى
وأنا أتسمر في مكاني
كالحجر
هاهو يعيد نفس العزف
بنفس التكرار
بنفس الإتقان
يا للمهارة ! يعزف بحقارة
وأنا أنظر إليه بشزر
أستدير مبتعدة
أقلب شفتي في امتعاض
هؤلاء الخونة
يا لهم من بشر!
أخرجُ من المقهى ..
الظلام يفرد عباءته
يسألني ذهني:
إلى أين !
فأجيب .. ضاحكة في مرارة :
إلى المنزل طبعا .
أين المفر!!
الوردة السوداء.