قصــــة قصيـــــرة..
هيام على الماشي...
النــــــادلة والفنــــــــان
نادلة مقهى ما...في مكان ما ...في بلد ما.... تبدو جميلة رشيقة القوام
تتنقل بين موائد المقهى كفراشه تنثر فوح شذاها هنا وهناك
وكعارضه ازياء محترفه ترمقها الاعين وتلاحقها اللهفة
وجوع قلوب يبحث عن شئٍ ما ..
اي شئ..من كل حدب وصوب تلاحقها النظرات ..
لكنها بكبرياء تشمخ بعرنينها الى السماء
ولا ترمي نظرة من عينيها الذباحتين لهذا او ذاك..
تبدو منهمكه في تلقي الطلبات واحضارها...
أو ربما هي تصطنع اللامبالاة والجدية ..ربما تخطط لشئ لا يدريه احد..
هناك في ذلك الركن القصي جلس رجل بوهيمي المظهر عليه سمة فنان.
.اتخذ من مائدته مرسما حط فوقها قلم فحم
وورقة بيضاء على أتم الاستعداد لان تدور فوق رقعتها خطوط ما زالت في حيز التنفيذ..
لمحها من على البعد ..نادلة المقهى..اعترته اهتزازه هزت الروح والبدن..
لتصعد من صدره زفرة إثر لهيب وهج عينيها وشعرها المنسدل على كتفيها
كشلال ليل حالك السواد..
محيطا بوجه فيه من الفتنة ما لا يقاوم ..ابتسامتها الهادئة الغير متكلفه
وأسنانها البيضاء المصفوفة كحبات اللؤلؤ..
جبهة مستديرة مضيئة كصفحة القمر.. وانف شامخ ، فم تحيط به شفاه مكتنزة
وقوام ممشوق كمن يتهادى على لحن موسيقى حالمة..
ارتشف من فنجان قهوته رشفة واحده
وحمل بيده الاخرى قلم الفحم الذي لا يبارحه حيثما ارتحل..
وبدأ يخط..والخطوط تنساب من بين انامله كأنها مأمورة مسحورة
تسري برشاقة فوق رقعة الورق البيضاء امامه
تنقل من عينيه وإحساسه الى حيث تترك نفسها له ولخربشاته فوقه
ا....رسم وجهها ..رسم الحاجبين ومن ثم خطوط العينان..رسم الانف ومن بعده الثغر ...
الذي مازال منتظرا من يحدد معالمه ها هو يحاول ان يرسمه برؤيته..
شفاه مكتنزه..رطبه..يجلس برهة يتفكر ..
لابأس عند لمسها بالالوان ستبدوان اكثر اثاره..
يرسم الشعر منثورا مجنونا حول الرأس وخصلات
منه تتهدل فوق الجبهة والكتفين بسحر ..
انه منهمك برسم لوحة فنية لتلك التي هام برقتها وعذوبتها قبل ان يهيم بجمالها ..
تلك النادلة الفاتنه..وهي... لا تدري..انها تحت رقيب عينيه
ويبدأ باستكمال الخطوط الرئيسة بعد ان انتهى من رسم ملامح وجهها المعبر ذاك..
استمر بعد آخر رشفة من فنجان قهوته...بالكتفان.. . الذراعان
الصدر ..الخاصرة النحيلة .ومن ثم باقي الاركان...
ينظر الى عيناها التائهتين بين رواد المقهى بانتظار اشارة لاخذ طلباتهم .
هاهي ذي تقترب ،وتقترب الملامح منه اقترابا ..
آآه لها من عيون نظرتها تسكر الالباب ..
فليعيد صياغة رسم العينين ليتقن ذلك التعبيرالأخاذ فيهما من جديد ..
أمسك بقلمه الذي روضه كفرشاة سحريه حينا
وحينا كمرود يكحل الجفنين ومن ثم كثف الاهداب الطويلة المحيطة بهما
واللاتي تعطين عينيها سحرا ناعسا ناعما .
خط ببراعة فائقة حاجبن كثيفين بأناقه مثيره ...آآه لقد انتهى من استكمال خطوط الوجه ..كلها تقريبا..بقلم الفحم الذي يحمله معه سفيرا حيثما تنقل بين ممالك الجمال
فهو المرود وهو الريشه وهو الواضع خطوط الخيال..والظل..في لوحة جمال..
علاقه بلا تكلف النادلة تتحرك ببساطه وتلقائيه ..
وهو يحيطها بعينين ذواتا رؤى فنان.. كلاهما بعيد عن الاخر وقريبا منه..
انتهى من العمل ..مسح انامله من هباء قلم الفحم.....
مشيرا إليها بطلب ورقة الحساب وكأنه يطالبها باستلام البورتريه السريع
المرسوم بأنامله خلال دقائق تعد على اصابع الكف
فهو سريع التلقي لا يروقه ان يترك الجمال المتحرك النابض
دون ان يضع بصمته فوقه ليبقى معلما فيما بعد . ..
تأتي اليه مقدمة ورقة حساب فنجان القهوة السوداء الذي احتساه بنكهة الهيام ..
نكهة ما قد احتساها من قبل.
يتناول منها الورقة ويناولها باليد الاخرى استكش الرسم..
مندهشة هي..متلعثمه ...ولكنه يبتسم وتبتسم هي فقط..
فقد كانت موديل له لعدة دقائق دون ان تدري .
.بيد تستلم اللوحة الورقيه وباليد الاخرى تسحب من يده ورقة الحساب ..
وما تزال ترتسم في عينيها تعابير دهشة مغلفة بالاعجاب والانبهار..وبعض الخجل..
تسحب ورقة الحساب من يده لتعفيه من دفع .ثمن فنجان قهوة سوداء
مقابل لوحة ما كانت تحلم بها يوما..
لوحة بورتريه لفينوس المقهى....
لميس الامام