اغمضت عينيها تسترجع شريط حياتها...ملامح صارمة رغم الاخاديد التي رسمها الزمن فوقها..الا انها ماتزال كما هي ..
في تلك الليلة حين حملت ابنائها الابع وخرجت الى وجهة مجهولة ...هربا من ظلم حماة وضرة وخنوع زوج...
صادفها احد اهل القرية...اخبر حماتها ...تعقبتها ...وجدتها امتطت حافلة معظم ركابها جنودمتوجهون إلى الحدود ..
"اجيز ايليس نتودايت.."قالتها الحماة وهي تستشيط غضبا...نهرها احد الركاب الامازيغ فردت عليه بشتيمة اعظم واجل.. تدخل احد الجنود فاسرعت البتول باختلاق قصة -منافية للواقع- هروبا من قبضة الحماة والركاب معا"اريد اللحاق بزوجي وهي تمنعني"..انزل احد الجند الحماة وقام ذاك الراكب الامازيغي بترهيبها ان هي لم ترحل..فاستسلمت ورحلت.
انطلقت الحافلة الى وجهة... البتول نفسها تجهلها...
فتحت عيناها...على صوت بلعيد اكبر ابنائها:
"لا تتركيني امي ..لا تتركيني في بلاد غريبة... كلقيط"...
استجمعت ماتبقى عندها من قوى..وهمست له:"بني ان ابوك لم يمت وجذوركم انت واخوتك من منطقة كذا..اليك العنوان وراسل والدك ليلتم شملكم.."...ثم اغمضت عيناها وغابت عن الوعي..
رغم هول اللحظة الا ان بلعيد لم يفاجئ فقد كان اكبراخوته ومايزال يتذكر لحظة مغادرتهم ليلا لمكان ما...
بما انه اكبرهم اشتغل بالخياطة ليساعد والدته في حملها..
بقي ساهما يبحث عن الوسيلة..ولحسن الحظ اصغر اخوته ادخلوه المدرسة منذ سنتين..
كتب الرسالة الى والده ...فكان الرد اسرع مما توقع ..غير انه مشروط بارسال رسالة مرة اخرى مرفقة مع صورة المرسل..
ازدادت حالة البثول تدهورا بعد تطور الوضع..واخيرا اتى الاب "الحسين"بعد ان كان فقد الامل في العثور عليهم..تفاصيل اللقاء مازالت سرا يحتفظون به...لكن المفاجأة ان البتول استرجعت عافيتها بعيد مجيء"الحسين"...
مايزال كما هو لم يتغير من حيث الشكل رغم مرور سنوات طوال..الا انها لمست صرامة اكتسبها بعد فرارها من بيت الزوجية...اخذ ابناءه وهي معهم -لانه طلق الزوجة الثانية-وعاد بهم الى البلدة...استقبلوها اهل البلدة -عكس ماتوقعت- بالترحيب والفخر...فقد اقسمت قبل ان تغادرها انها يوما ما سترحل لكنها لن تعود الا بعد ان تجعل من ابنائها رجالا يضرب بهم المثل...ولو لا القدر لاوفت بوعدها كاملا...البتول ام لم اسمع بمثيلاتها الا في القصص الخيالية...لكنها هي نسج من هذا الواقع المرير...كافحت لاجل ابنائها..وماهمتها لومة لائم...
اعتذر لطمس بعض التفاصيل...لكن ليس كل ماتختزنه الذاكرة يرى الضوء..... ثانية..