لا شكّ أنني ودَّعتُ لكن من ؟
قَضَتْ فيك الأحلامُ براءتها فتفتّحتْ وازدهرتْ , ما إن نضجتْ قطفتِها فإذْ بالواقع, يا لهُ من جدبٍ لم أعتدْه..
كانَ العمرُ غضّاً طفوليَّ الخُطى , وما بيننا ذلكَ الطريق الطويلُ المخَتصرُ بحديثنا العفوي , بمشاغباتنا , ألحقُ بكِ حينَ تهربينَ غنجاً , تتمايلينَ وتنثنينَ , فأفقدُكِ بينِ خيطانِ الكرم وأفنانِ البانِ , تُتعِبينَ لفتاتي وتذبذبني زقزقةُ العصافير , فإذ بكِ تبزغينَ مِنْ حقولِ الزهر,, يا لهُ منْ طريقِ تعظّمَ بموكبِ الربيعِ وتباهى ببهجتكِ ,, يا لهُ منْ طريقِ بدأتِهِ لا ينتهي ..
بينَ طرفي وشخوصِ النظرِ خيوطٌ منْ نورٍ تُهَدِّبُ ملامِحَكِ , شمسيّةُ الحضورِ أنتِ , تناوبُ دياجيرَ وحشتي , بينَ آهاتي الحرّى ورواجع الذكرى رشفةٌ من مستحيلٍ , أظمأتِ أفواهَ الشوقِ في تصحّرِ المستقبلِ , وضمّدتِ قروحَ الفِراقِ في قلبي بنسيجِ الّلهفةِ ومناقيشِ الأنين , كلُّ لحظةٍ لا تعبَ فيها هيَ ليستْ من لحظاتي , وما أيامي إلا أنفاسٌ تنبضُ في شفيتكِ , كلُّ
طريقٍ يوصلُ سالكَهُ إلى غايتِهِ ليس من طرقاتي .. وما أرضي إلا عيناكِ ..
يا فوقَ النساءِ ودونَ الحورِ , يا ديمومةَ الحياةِ , يا ظلَّ الواقعِ وشمسَ الخيال .. يومَ الفِراقِ ما أدركتُ مَنْ أودعَ , أمّا اليومَ عرفتُ أنّني ودَّعتُ كلَّ شيءٍ باقٍ معي , علمتُ أنّني أنتهيتُ هناكَ ليبتدئ الألم ..