للتراب ألوان في بلادي كأمزجة البشر :
ننادي التراب , ونخاطب المساحات , ونتناول الخريطة على مائدة أحلام كلت من الزحف بعد أن حصد منجل الزمن أطرافها ..ونوضع في حالة تسمى دولة , وما الدولة سوى سلة تجمعت فيها الأضداد ..وهذه الأضداد تتوافق في حين تفاوتها , تمتزج في حين توافدها , تستتر في ثيابها, وتستهلك مقاصدها , وتتعرض للانكماش , فتبدأ الجذور الأصيلة المتأصلة بالتشتت , وتتفرق دون أن تتفرع كبقعة زيت تتمزق تماهيا بالتيارات المائية و تكد من أجل البقاء , هكذا تظاهرنا بتصديق الكذبة ونحن على علم بأنا نذري الغبار على أعيننا بكفوفنا حتى لا نشعر بأنه مورس علينا الاحتيال من قبل الآخرين ..
واعتبارا بأن خطأ ذاتك على ذاتك نصف هزيمة ..وان كانت هي كارثة تتزين بلباس الجريمة .
ثم مرت الحقيقة أمامنا وهي تعلّم التبرج كيف يتبرج.
كثيرا ما وثقنا بالتراب , وتشبهنا به حتى في الصبغة اللونية المتمرسة بشهقة الشمس ..تتوتر في الأرجاء أحوال الجوار, وتنذر تلك السلة المعلقة فوق رؤوسنا بالتأرجح ثم تبدأ بقذف الأصول والإبقاء على الفروع ..هكذا أوصلنا الحال إلى الإيمان بأن التراب يتخلى عنك والحدود لا تثبت احتوائك بين أضلاعها المرسومة على ورقة خائنة تندس في جيوب التدليس وتتربع القضايا في أرشفة التكديس , التي تتنكر للتاريخ وتستحدث كونا جديدا ووجودا لم يكن له الوجود إلا في العدم ,, تتجمد أرصدة الشهادة وتنهمر سيرة الزيف المختلقة والتي ينطبق عليها القول "إن لم تستح فأفعل ما شئت " وصنعوا ما شاءوا ..
والآن بعد أن باد ما باد واحتل اليأس قلوب العباد وجفت الحناجر الصارخة ولم يبق على الورق أثرا للمداد ..جاؤوا يبتكرون الوطنية ( أين كانت الوطنية والانصهار القبلي عندما استأصلتم أطرافها وبقيت تزحف في وجه الحياة بصوت مبتور غير مسموع ووقوف أعرج لا يتقن الجلوس على كرسيه المطابق للفكر المعتوه ولم تتوافق حتى في مجاراة الحدث رغم انك كنت في سدة اللحظة الراهنة لا بديل لك إلا الذي استبدل بالذي كان يجب أن يكون وكذلك لن تكمل المسيرة كما ظننتها وحدك وأن الوطن لا يقبل بالثلاث وأنت رابعهم ..لا داعي لذكر الثلاثة الباقية و يكفي ذكرك )
وأن الوطن سيضمنا جميعا " نعم " هي مقولة حقيقية من حيث الحقيقة , حقيقة ولكنها فقط تأتي تحت تأثير التخدير ..
بل بعد أن خافوا من الذين لجئوا إليهم عادوا لقلب الصفحة وتغيير اللوحة والممنوعات غدت مسموحة ..هي مجرد نصيحة ..لن يضيع الوطن ولكن علينا أن نحافظ على الإنسان وعلينا أن نرمم القلوب الجريحة ..علينا أن لا نفرح كثيرا لهذه الهدنة المهترئة , ولن ننسى بأن الذين يحاولون الآن إرضائنا بحلوى قصيرة المذاق بأنهم سيبدلون الأقنعة قبل أن يغادر اللسان طعم الحلوى , قبل أن يسترد الوعي عافيته .. أنظر كيف تخاف الآن ممن كانوا في زمن ما الجدار العالي الذي تستند إليه كلما أحسست باقتراب القدر منك ..لأن الذي يبرر لك وان كان ليس حقا لك إنما لأنه كان اقرب لك منك, ومن الحق , انظر ! نحن والحق أصبحنا لقمة سائغة في فمك ..أمضغ ما استطعت .
أجتهدت كثيرا لتخترع لهم ملامح جغرافية جديدة وملاحم تاريخية مقتبسة عن غيرهم,, في المكان الذي لا يتسع إلا لمن خلقه الله فيه مبعثرا في تفاصيل التضاريس و نسيت ذلك المثل " (المال السايب يعلم السرقة )" وطابق هذا الوضع الراكد الراهن طموحك . فما كانت عبقريتك أن تقف عند حد معين حتى اخترعت أولئك الذين أصبحوا الآن يقلدونك , ويستأسدون على فئرانك يضطلعون بقضاياك في محافل كانت من بنات أفكارك , قر عينك بهم ..
أرجوك لا تطعمنا حلوى ليس لها مذاق لأن الوعي الآن وصل بنا إلى حد إنه ( إذا عرف السبب بطل العجب ), خفف من اللعب بالبيضة والحجر قد تنكسر البيضة على رأسك قبل أن يرتد الحجر عائد إليك , جميل أن يكنس شعبنا الشوارع ولكن هذه شوارع إنها شوارع عقولنا التي تمرست بحفظ كل الوقائع الماضية ,أقصد نفاياتها, لن تنطلي عليه موهبة الممحاة , فذاكرة الزمن تستعيد حيويتها مع كل صبح جديد لتؤرخ الحقائق على ظهور الأرقام الزائدة عن حاجة الوطن .