جاء في سِمط اللآلئ "أَنَّ بَكْراً وَتَغْلِبَ لَمَّا سَئِمُوا الْحَرْبَ وَطَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ اتَّخَذَ مُهَلْهِلُ بْنُ رَبِيعَةَ عَبْدَيْنِ، فَكَانَ يُغِيرَ بِهِمَا عَلَى قَبَائِلِ بَكْرٍ. فَسَئِمَ الْعَبْدَانِ أَيْضاً ذَلِكَ. فَأَجْمَعَا عَلَى قَتْلِ سَيِّدِهِمَا. فَلَمَّا تَيَقَّنَ مُهَلْهِلٌ أَنَّهُمَا قَاتِلاهُ، قَالَ: إِنْ كُنْتُمَا لابُدَّ فَاعِلَيْنِ فَأَبْلِغَا الْحَيَّ وَصِيَّتِي. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول:
مَنْ مُبْلِغُ الأَحْيَاءَ أَنَّ مُهَلْهِلاً
للهِ دَرُّكُمُو وَدَرُّ أَبِيكُمُــو
فَقَتَلاهُ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى الْحَيِّ، فَقَالا: إِنَّ مُهَلْهِلاً مَاتَ، وَدَفَنَّاهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا. قَالُوا: فَهَلْ وَصَّى بِشَيْءٍ، قَالا:نَعَمْ. قَال: وَأَنْشَدَا الْبَيْتَ فلَمْ يَدْرِ الْقَوْمُ مَا مَعْنَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَتْ ابْنَتُهُ، وَكَانَتْ غَائِبَةً عِنْدَ زَوْجِهَا فِي بَعْضِ الأَحْيَاءِ. فَأَنْشَدُوهَا مَا قَالَ أَبُوهَا. فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي يُخْبِرُكُمْ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ قَتَلاهُ. ثُمَّ قَالَتْ إِنَّمَا أَراَدَ:
مَنْ مُبْلِـغُ الأَحْيَاءَ أَنَّ مُهَلْهِلاً
أَمْسَى صَرِيعاً فِي الضَّرِيحِ مُجَدَّلا
للهِ دَرُّكُــمُ وَدَرُّ أَبِيكُــمُ
لا يَبْرَحِ الْعَبْدَانِ حَتَّى يُقْتَـلا
إن المهلهلَ الذي عَرَفَ أنه سَيَمُوت، كتب وصيتَه شعرا، وبلغة إيحائية. وفي ذهنه مُخاطَب مُعَيَّن، عالِمٌ بأسرار شِعْرِه. ولَمْ يكن هذا المخاطبُ سوى ابنتِه. فلو كَتَبَ الوصيةَ بلغةٍ واضحة لَفَهِمَ العبدان المدلولَ، وكَتَمَا السِّرَّ... وبِهذا ستكون الوصيةُ عاجزةً عن أداء رسالتها.