(( جَاؤُا عنْ بكرَةِ أبيهم )) أو ((جَاؤُا عَلَى بَكْرَةِ أبيهم))
قالَ الحَافِظُ ابنُ كَثيرٍ : وَحينَ مَاتَ بشرٌ ، اجتَمعَ في جَنازَتِه أهلُ بغداد (( عنْ بكرَةِ أبيهم ...)) اهـ
قَوله : عن بكرةِ أبيهِم ، هكذا العبارة في كلام الحافِظ ابنِ كَثير : عن بكرةِ أبيهم ، بلفظِ ( عن ) . وفيها تجَوُّزٌ ، وتَغْيير ، فَإنّها بمعنى ( جاؤُا عَنْ آخِرِهم ) . وَأصلُ هذِه الْجُمْلَة مَثَلٌ عرَبيٌّ قَديمٌ ، وَلَفْظُهُ : ((جَاؤُا عَلَى بَكْرَةِ أبيهم)) ، والأمثالُ لا تُغيَّرُ .
وأصلُ هَذّا المثلِ وسَبَبُه كما في (( الْكُشْكُول )) لِبهاء الدّين العامِلِي 2 / 151 [ في المثل : جاؤُا على بكرةِ أبيهم . هذا مثلٌ يُضْرَبُ للجماعة إذا جاؤُا كُلُّهم ولم يَتخلّف منهم أحدٌ . والبكرَةُ : الفَتِيَّةُ من الإبِلِ .
وأصلُ هذا المثل أنّه كانَ لِرجُلٍ من العرَب عشَرةُ بَنين ، فخرَجُوا إلى الصّيد ، فَوقَعُوا في أرضِ العدوّ ، فقتلُوهم ووضعُوا رُؤُسَهم في مخلاةٍ ، وعلّقُوا المخلاةَ في رقَبة بَكْرَةٍ كانت لأبي المقتُولِينَ ، فجاءت البكرةُ بعدَ هدأةِ من اللّيلِ ، فخَرَجَ أبوهُم وظنَّ أنّ الرّؤُوسَ بيضُ النّعام ، وقَالَ : قد اصطَادُوا نعاماً وأرسَلُوا البيضَ ، فلمّا انكَشفَ الأمرُ قال النّاسُ : جاءَ بنُو فلانٍ علَى بَكرةِ أبيهم ] انتهى
وقدْ فُسِّر هذا المثلُ في كُتُبِ الأمثال بتفاسير كثيرةٍ غير ما ذَكرتُه ، وهي تفاسيرُ بعيدَةٌ عن القَبُولِ ، لا تتّصلُ بسببه وحقيقةِ معناه . وقد أجملَ الزّمَخشَريُّ الإشَارةَ إلى هذا السّبب في كتابِه ((الْمُستَقْصَى في الأمثال ج 2 صـ 46 )) ، وفاتَ ذكرُ السّبب الآخرينَ من مُؤلّفي كُتبِ الأمثال التي نظرتُها ، فصدقَ القولُ المشهُورُ : يُوجدُ في الأنهار ما لا يُوجدُ في البحار ، فَوُجِدَ ذكرُ السّبب في (( الْكُشْكُول )) ، وفات الكُتُبَ الْمُخصّصة لتدوين الأمثال .
استلّ هذه الفائِدة ربيع بن المدني من كتاب (( العلماءُ العزّاب الذين آثروا العلمَ على الزّواج )) للشّيخ أبي غُدّةَ / ط دار البشائِر / ص 52 هامش (1)