صَفْحَةٌ مِنْ طُفُولَتِي
بقلم / ربيع السّملالي
لاَزَالتْ ذَاكِرَتِي تحتَفِظُ بالكَثير الكثير منَ المواقف التي كنتُ أمرّ بهَا وأنا أسيرُ في دروبِ الحياة ، وأمضي في أزقّة الأيّام ..، فأتبسّم من بعضها وأكاد أبكي من البعض الآخر ..
فأذكر مرّةً عندما كنتُ في سنّ العاشِرة تقريباً ، حينَ كانتْ أيّامي تعبقُ بأريجِ الطّفولة البريئة ، وتفوح منها نسائمُ الصّبا النّابض بالحياة ..كنتُ أسكنُ في حيّ شعبي وسطَ مدينتي ، وكان أحدُ أبناء الجيران في سنّي وكان يفرضُ سيطرته على كلّ أبناء الحي على أنّه ( بِرِيسْلِي ) أو ( جَاكِي شّانْ ) ولا يستطيع أحدٌ منّا أن يتكلّمَ أو يعترضَ على ما يقوله ، سواء في لعب الكرة أو الجري أو لعب الورق ( الْكَارْطَة ) .. والمضحك أنّ هذا الصّبي لم يكن بالقوي أو البَدِين ، لنُبرّر خوفنا منه وجبننا إزّاءه ، بل كان ذا صدْر أمسح ،وبِنْيَةٍ يابِسَةٍ لا تمتّ للقوة بهاجِس .. خرجتُ مرةً من بيتنا وفي يدي قطعة نقدية من فئة خمسة دراهم ، لشراء قنينة زيت لوالدتي ...اعترض سبيلي هذا الطّفلُ المشَاغِبُ بعدما قشّرَني بعينَيه اللّوزَويتين : وقال ماذا تُخبّئُ في يدك يا هذا ؟ قلتُ له والفزعُ يملأُ كياني وفرائصي ترتعدُ بعنف من هول الخطب : (( خمسة دراهم )) .. فانتزعها منّي بالقوّة وأهانني أمامَ ( أولاد الدّرب ) الصّغار... حينها ازدحمَ صدري بضروب من الكراهية ، وألوان من الحقد الدّفين ، وضجّ صدري بغريزة انتقامية طفولية حارقة ، ولم يستطع الجبنُ والخوفُ أن يُهدّئ من روعي....فَصَقْصَقْتُ ودَمْدَمْتُ وزمْجَرْتُ وأرغَدْتُ وأزْبَدتُ وَغضبتُ غضبًا جنونياً ، ودفعته بكلّ ما أملك من قوة حتى أوقعته أرضاً ، وبدأت ركلاتي ولكَماتي تنهالُ عليه من كلّ حدب وصوب ، وأنشَبتُ أظافِري في عنقه النّحيل ، وهو يستغيث ويبكي تحت كتلة لحمي القليل ، فجاءَ أحد الصّبيان وأنقذه من شراستي المفاجِئَة ..ذهب الطّفلُ يبكي عند أمّه يجرّ أذيالَ هزيمته النّكراء وراءَه .. ومن ذلك الحين تشجّعتُ وأصبح لا يهمّني أمرُه ولا أمرُ غيرِه من الصّبيان ، وأصبح هو الآخر يتجنّب الأماكن الرّبيعية ...!!!
20 / 12 / 2011