النِّيلُ
مَلْحَمَةُ الزَّمَانِ ونُورُ بَهْوِ المُخْلِصِينْ
يا كَمْ ثَوَىَ في ضِفَّتَيْهِ حُدَاءُ مَبْحُوحٍ أمِينْ
النِّيلُ سرُّ العاشِقِينَ الطُّهْرِ مِنْ أمَدٍ بَعِـيدْ
مِجْدَافُهُ أملُ الحَيًارَىَ في الطَّرِيفِ وفي التَلِيدْ
كم هبَّ جَبَّاراً على لَيلِ البُغاة الظالمينْ
ولَقَدْ سَرَى في رَاحَتَيْهِ الوَحْيُ يَرْفُلُ فِي البَهَاءْ
كَمْ رَتَّلَـتْهُ قُلُوبُ طُهْرٍ دَمْعُها سِرُّ النقاءْ
والوَشْمُ مَرْسُومٌ بِصَفْحَةِ طهره للمُحْسِنينَ
الرافعينَ أكُفَّهُمْ نَحْوَ السَّمَاءْ
الغَازِلِينَ اللَّيْلَ نُوراً في جَدَائِلَ مِنْ ضِيَاءْ
الرَّاسِمِينَ الحُبَّ كُحْلاً في عُيونٍ مِنْ سَنَاءْ
الزارعينَ الأرضَ نُبْلاً نَبْتُهُم لَحْنُ الوفاءْ
الباذِلِينَ لِحُبِّهِمْ نهرَ الدِّمَاءْ
ودماؤهُمْ سَدٌ مَنيعٌ في وجُوهِِ الغاصبينْ
وحَمَائِمُ الأنْوارِ تهدِلُ لحنَها وسط الجِنانْ
ما هزَّها باغ ٍ وما أرِقَتْ لمأْفُونِ الجَنَانْ
عِشْقُ الكَرَامةِ حَبُّهُا عَجَنَتْهُ أطْيافُ الأمَانْ
لم تعترفْ بالغُرْبَةِ الشَّوْهاء خُبْزِ المَاكِرِينْ
يَانِيلُ
يا نَاياً يُرَتِّـلُ لَحْنُهُ للأسْوياءْ
الأتْـقِـياءِ الأنْـقِـياءِِ الأخْـفَياءِ الأبْـرِيَاءْ
في كل قلب ٍ منهمُ تؤتي البذُورُ ثِمَارَهَا
فتفيضُ نُوراً رَائِعاً يَهَبُ الحَياةَ بَهَاءَهَا
هُمْ يا حَبيبي عُدٌّةٌ للحقِّ إن حُمَّ القَضَاءْ
وهمُ الأُسُودُ الرابضون إذا تَنَاوَشَكَ البَلاءْ
باعُوكَ زَهْرَ حَياتِهِمْ فِي الكَرْبِ مَرْخُوصَ الدِّماءْ
يانيل
لا تَرْتَاعُ للمأفون يُعَوِي كالذِّئابِ الجائعةْ
يَهْذِي ويَهْتِفُ دائما صَنَعتْهُ أخْـبَثُ صَانِعةْ
لا لَنْ يَكُونَ بِِصَوْتِهِ ؛ فَالكَوْنُ أُذْنٌ سَامِعَةْ
أبَداَ يضِيعُ المُرْجِفُونَ لَدَى الرَّوابي النَّاصِعَةْ
لِـتَقُومَ في صَمْتٍ مَهِيبٍٍ حَالَ تأتي الفَاجِعةْ
فَـتَرُدُّ في عَزْمِِ الكِبَارِِ
هَـوىً لأرْتـال الصِّغارِ
اللاعبينَ على ضِفَافِكَ باسْمِ حُبِّكَ يَلْهَثُون
ولَكَمْ تذوق بِسُمِّهِمْ سَهْمَ المَنُونِ المُفْجِعَةْ
نَهَشَتْكَ في لَيْلٍٍ بَهِيمٍ والْحَيارَىَ رَاقِصُونْ
سَكِرُوا عَلى أنْغَامِ جُرْحٍ عَتَّقَتْهُ يَدُ الخَؤُونْ
فَـتَصُولُ جبارا على أذنابِ بَغْيٍ ضَائِعَةْ
تََهَبُ الإمَارةَ للذي يحمي بحق ذا العرينْ
قُطُزٍ وبِيبَرْسٍ ومَنْ في شَأْنِهِمْ نِعْمَ القرينْ
هِيَ شَارَةْ النَّصْرِ المُبِينِ لَدَى القُلُوبِ الوَادِعَةْ
يا نيلُ
ماؤكَ قد تَـلَـوَّنَ بالبياض وبالسَّـوادْ
كَمَدا تَموتُ كُـبُودُنا إنْ عَمَّ بالأرْضِ الفَسَادْ
ورأيتُ فيك النُّورَ يَأْوي تَحْتَ أطْيافِ الحِدادْ
يبكي الحياةَ وقد وهتْ يَرْنو لِصُبْحٍ مِنْ رَشَادْ
ها قد أتيتَ بِوَثْبةٍ للحقِّ يحييها الجـيادْ
الرافعينَ النُّورَ حُبا فَوْقَ أمالِ السَّـوادْ
والواهبينَ الله عمرا باللسانِ وبالفُـؤادْ
المخلصونَ المُخْبِتُونَ الراكِعُونَ السَّاجِدُونْ
يانيلُ
ها هُمْ قد أتَـوْكَ بكل أشواق الحياةْ
بَاعُوكَ عُمْراً زَاهِراً فِي سِحْرهِ طَوْقُ النَّجاةْ
لفظوا الخَواءَ وفيهِ تسري كلُّ ألعابِ الحُوَاةْ
صِبْيانُهم وشُيُوخُهُم وشَبَابُهم رَمْزُ النَّقاءْ
نفضوا غباراً قد تراكم في تجاعيد الفناءْ
وتَوَحَدُوا بالحُبِّ دِرعاً لن يهونَ ولن يخُونْ
فهي الحياةُ كريمةٌ مَرْحَىَ إذا جاءَ المَنُونْ
والماكِرُ الغدَّارُ يَعْوي بالفحيحِ على الغُوَاةْ
مازال يَعْوي رغم نور الصبح يُعْمِي المفسِدِينْ
تَباً خَفَافِيشَ الظَّلامِ غَداً بِخِزْيٍ تَرْجِعُونْ
والنِّيلُ يَعْلُو شَامِخاً بالحقِّ وَضَّاءَ الجَبِينْ