قصيدة الطّين
لإيليا أبو ماضي
نسي الطين ساعــة ً أنـــه طين ...حقير فصال تيها وعربــــــــــدْ
وكســـا الخــز جســـمه فتباهى ...وحــوى المال كيسه فتمــــــردْ
يا أخي لاتمل بوجهك عنــــــي ...ما أنا فحمـــة ولا أنت فرقـــــدْ
أنتَ لم تصنع الحريرالذي تلبسُ ...واللؤلؤ الـــــــــذي تتقلـّــــــــدْ
أنت لاتأكــــل النضار إذا جعت ...ولاتشرب الجمــــان المنضــــد ْ
أنت في البـــردة الموشاة مثلي ...في كسائي الرديم تشقى وتسعـــد ْ
لك في عالم النّهار أمانـــي ...ورؤى والظلام فوقــــك ممتــــدْ
ولقلبي كما لقلبكَ أحـلامٌ حسـانٌ ...فإنــــــــــه غيــــر جلــمـدْ
أأمانيَّ كلها من تـــرابٍ ...وأمانيك كلّها من عسجــــدْ ؟
وأمانيَّ كلها للتلاشــــي ...وأمانيك للخلود المؤكــــَّـدْ !
لا فهذي وتلك تأتي وتمضـــي...كذويها وأىّ شي يؤبـــــَّــدْ ؟
أيها المزدهي إذا مسك السقـــم ...ألا تشتكـــــــــي ألا تتنهـــد ؟
وإن راعك الحبيبُ بهجـــرٍ...ودعتك الذكرى ألا تـتوجـــدْ ؟
أنت مثلي يهش ّ وجهك للنَّعمـــى...وفي حالة المصيبة يكمـــدْ
أدموعي خلَّ ؟!ودمعك شهــد!...وبكائي ذلَّ ونوحك ســـــؤدد ؟
قمرّ َواحد يطل علينـــــا ...وعلى الكوخ والبناء الموطــدْ
إن يكــــن مشرقاً لعينيكَ إنـــــي ...لاأراه مـن كـوة الكــوخِ أسـود
النجومُ التي تراها أراهــا ...حين تخفى وحين تتوقــــــــــــدْ
فلك واحــــــد يظل كلينـــا ...حار طرفي به وطرفك أرمــــــد
أنت مثلي من الثرى وإليـــه ...فلماذا ياصاحبي التيـــه والصــــد
ألك القصر؟دونه الحرس الشاكي ...ومن حوله الجدارالمشيـــــــد
ألك النهر؟إنه للنسيم الرطيب درب ...وللعصافيــر مــــورد
وهو للشهب تستـــحم بــــه ...في الصيف ليــــلا كأنهــا تتبـــــرد
ألك الحقل؟هذه النحل تجنبي الشهد ...من زهــــــرة ولا تتــــــردد
لو ملكت الحقول في الأرض طرا ...لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ٌ؟؟ما أنت أبهى من الوردة ...ذات الشذي ولا أنت أجـــــود
أم عزيزٌ ؟ وللبعوضة في خديــك ...قوت وفي يديــك المهنــــــــــد
أم قوي ؟اذا مرالنوم اذا يغشــاك ...والليـــل عن جفونك يرتـــــــــد
وامنع الشيب ان يلـــــم بفوديـــك ...وأمــر تلبث النضارة في الخــد
أيها الطين لست أنقــى وأسمـــى ...من التراب تدوس أو تتوســــــد
لايكن للخصــــام قلبــك مأوى ...إن قلبي للحب أصبــح معبـــــد
أنا أولى بالحب منك وأحـــرى ...من كساء يبلى ومال ينفـــــــــــد
من ديوان إيليا أبي ماضي، دار العودة، بيروت، ص 316- 321
واختيارُ المرء قِطعةٌ من عقله تدلّ على تخلّفه أو فضله