قَهوة ساخنَة و ألف حديث
أيّهَا السّاكِن روحي،يَا مَنْ تتكَاثرُ في دَمي، هذهِ أنفَاسك تَغزو أَوْردَتي، كَلماتك.. وُعودك.. هَمَساتكَ.. تجتَاحُ كيَاني، تَحتلّ مِسَاحات شَاسعةً مِن ذاكِرتي، تملأ تجَاويفَ المعَاني في مُخيّلتي،تَسْتأثر بالفُؤاد و بالحَرْف ، فأكتبُك و أتغنّى بِك في نَثْري،فَيا مُبْحرًا عَبْر دَمي، عنْدمَا تمدّ شِراعكَ إليّ ،وَ تُوَجّه بَوْصَلتك نَحْوَ قَلبي؛تمهّل فَعُرُوقي ممرّدة مِن قَوَارير،وَ أنْت تمْضي عَلى عَجَل،تمْتطي صَهْوَة َاللّهْفَة، تَدقّ صَدْري بحَوافر الشّغف؛نَافِثـًا في رئتي دخان سِيجارتك الخَامسة بَعد الألْف،و قدْ سرقتَ الهَواء منّي ،و ارتشفتَ النّسيم بجنّتي،
أمَا سَئمتَ مِنْ تقبيل السّجائر أمَامَ عَيني؟
كَأنّك تتعمّد أنْ تُضَايقني ،فأنْتَ تعْلَمُ أنّي لا أُطيقُ دُخَان السّيجارة، فَلا تَكُن كَنَافخ الكير يُؤذي جَليسه .
كيْفَ لشِفَاهك أنْ لا تمَلّ لفَافَة التّبغ و فِنْجَان القَهوة؟
أرَاهَا تَضيقُ بالحَديث عنّي، يشْربها اسْمي فَتتَشقّق ،كأنما أنْتَ الرّوض و أنَا القَحط؛ أُطَاردك ،تفِر مِنّي مخَافة أنْ تُرديك موْتًا لعنتي، علّمتني شرْبَ القَهوة فأدْمَنْتُهَا، و كنتُ من قبل لا أشْربها ،فَأضحتْ قهْوتي شَريكة محْبرتي في السّواد،
و صَارا حَبيبين لا يفترقَان،يؤْنَسَانِ وَحْشة الرّوح في جسدي،فأصبح بإمكان فِنْجان قهْوة واحد أن يُـعَدّل مِزاجي الصَبَاحي المتعكّر من أثَر مغادرةِ حلمي اللّيلي،و بامكان فنجان مَسائي أنْ يجعلني فطنةً بما يكَفي ؛لكي لا أخلفَ موْعدي مع القَمَر،لكنْ ما لفنَاجين الحنين أرتشفُهُا عَلى مَهل ؟فَلا أرْتوي ،َيُعربد الدم في شراييني،كلّما صبَبَتُ الشغف شوقًا في فنجاني،و تَصيح الرّوح بَين نبضة و أخْتها؛ لا غيْرَكَ كأْسا ترْويني،
مَدين أنْتَ لي بِبَعض الفَرح الذّي تَكْتَسيه حُرُوفي عَبَاءة مِنْ ديبـَاج،و قِسْطًا مِن الوجَع الذّي يُفجّر بَرَاكين أبجَدَيتي بِلَمْسة واحِدة مِن عَصَاه،و مُدانةٌ أنَا لكَ بالدّهشة التّي تغْمُرك،و العَالم السّحري الذّي يَصْحبك بَعْد قِراءة مَا أخطّه، نَعَم أوَ لـَم تخْبرني أنّك صِرتَ تُصْغي لحَديث الفِنْجَان؟و تَسْمَع هَسِيس روحي في فقاعة تطفو على أديمه؟
حتّى يُخَيّل لك أنّه همْس الجَان ، فتَتَمهّلّ قبْل كلّ رشْفَة مِنـْهُ،لَرُبّما يخْرُجُ منْهُ مـَاردٌ يـَأْتِيني بِكَ.
أظنّك أخْبرتني هَذا يومًا لَكنّك حاذق في ادّعَاء النّسيان،فاسْمع منّي ،ربّما تَجدُ في قولي ما ينْعشُ ذاكرتكَ: للقَهوةِ نكهتها وَهِي سَاخنة ؛إن شُربتْ باردةً فقدتْ مذاقهَا، كمَا بعْض الوُعود إنْ أرجأتها لغير موعدها ؛فحتّى و إن فعلتَها كأنمَا قضيتَ دَينا عليكَ ، لكنّك بهذا تَجْعلني لا أثق في عُهودك، ما دمتَ لم تفِ بالوعد في أوَانهِ،فلا فائدة من سَقي الأرْض بعد الحَصَاد .
لذا أنا لا أشْربُ قهوتي باردةً، البُرودة تعني لي رجْفة الموْت، موتَ كلّ ما يتعلق بالهوى ، وحدها لهْفَة الرّوح منْ تجعل قلبَ المحبّة نَابضًا بالحَياة،و اللهفة تؤجج العشقَ بحطب الحنينِ، فاشربْ قهوتكَ قبْل أنْ تبرد،و تبردَ معَها أطراف قصّتنا، فَمَهْمَا أضرمنا في أرجَائها لظى الحَنين ؛فإنّنا لنْ نُوقد مَا خمدَ مِن جَذْوتها .