قال تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97].
قال الطبري:
وقوله: (لَنحرّقَنَّه) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق (لَنُحَرّقَنَّهُ) بضم النون وتشديد الراء، بمعنى لنحرقنه بالنار قطعة قطعة. ورُوي عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك ( لَنُحْرِقَنَّهُ) بضم النون، وتخفيف الراء، بمعنى لنحرقنه بالنار إحراقة واحدة. وقرأه أبو جعفر القارئ ( لَنَحرُقَنَّهُ) بفتح النون وضم الراء بمعنى لنبردنه بالمبارد من حرقته أحرقه وأحرّقه، كما قال الشاعر:
بِذِي فِرْقَيْنِ يَوْمَ بَنُو حُبَيْبٍ... نُيُوبَهُمُ عَلَيْنا يَحْرُقُونا
والصواب في ذلك عندنا من القراءة (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بضم النون وتشديد الراء، من الإحراق بالنار.
كما حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَنُحَرقَنَّهُ) يقول: بالنار.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (لَنُحَرّقَنَّهُ) فحرّقه ثم ذراه في اليم. وإنما اخترت هذه القراءة لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
وأما أبو جعفر فإني أحسبه ذهب إلى ما حدثنا به موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط عن السديّ (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) ثم أخذه فذبحه، ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم، فلم يبق بحر يومئذ إلا وقع فيه شيء منه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)، قال: وفي بعض القراءة لنذبحنه ثم لنحرقنه، ثم لننسفنه في اليمّ نسفا.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في حرف ابن مسعود (وانْظُرْ إلى إلهِكَ الَّذي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفا لَنذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنُحَرّقنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ في اليَمّ نَسْفا).
وقوله: ( ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) يقول: ثم لنذرّينه في البحر تذرية، يقال منه: نسف فلان الطعام بالمنسف: إذا ذراه فطير عنه قشوره وترابه باليد أو الريح.