رسول حمزاتوف
مختارات شعرية
ترجمة د. إبراهيم إستنبولي
===================
داغستان، يا ملحمتي، كيف لي
ألاّ أصلّي من أجلك،
ألاّ أحبّك،
وهل يمكنني أن أطيرَ بعيداً
عن سربِ الغرانيق في سمائك؟
داغستان: كلَّ ما أعطاهُ الناسُ لي،
أتقاسمُهُ بالعدل معك،
أوسمتي وجوائزي
سأعلِّقُها على قِممك.
----------------------
الغرانيق
يبدو لي أحياناً، أنَّ الجنودَ،
الذين قُتِلوا في المعارك الدامية،
لم يُدفَنوا في ترابنا يوماً قط،
بل تحوّلوا إلى غرانيق بيض.
وأنهم ما زالوا يطيرون ويبعثون إلينا النداء
منذ تلك الأيام البعيدة وحتى الآن.
أليس لهذا غالباً ما نصمتُ
بحزن ونحن نتطلّعُ إلى السماء؟
واليومَ، في وقت المغيب،
أرى عبْرَ الضباب، كيف إنَّ الغرانيق
تطيرُ في انتظامها المعهود،
كما كان الجنودُ يمشون في الأرض.
تطيرُ وتختتِمُ طريقَها الطويل
وهي تستدعي بعضَ الأسماء.
أليس لهذا ومنذُ الأزل تُشبِهُ
اللغةُ الآفارية صوتَ نداء الغرانيق؟
يطير ويطير في السماء سربٌ تعِبٌ -
يا أصدقائي السابقين وأحبائي.
وثمّةَ في رتلِهِ فراغٌ صغير –
لربما، هذا المكانُ متروك لي!
سيحينُ يومٌ، وسوف أطير
مع سربِ الغرانيق في مثل هذه الظلمة الرزقاء،
منادياً بصوت الطيور من تحت السماوات
أولئك الذين تركتُهم على الأرض.
------------------------
أحبك، يا شعبي الصغير
تُحسنُ لقاءَ الحزن بصرامة،
من دون دموع، بلا حيرة،
وتجيدُ أنتَ السعادة
من دون أن تتباهى.
أليستْ أغانيك هي التي تشبه
طيرانَ النسر البطيء،
ورقصاتِ الفارس، الذي يطير
حصانُهُ، وقد نسيَ اللجام.
لم يبهتْ طبعُكَ الأبيُّ،
والعِبْرةُ في كلامك تعيش.
أوه، كم أحبُّك بقلبٍ جبلي
أنتَ، يا شعبي الصغير!
في زحْمةِ الجبال، حيثُ
الضبابُ مجدول في قيدٍ غليظ.
قلبُكَ دائماً مفتوح،
وواسع دوماً كما السهل.
القطاراتُ ترعُدُ عند قدميك،
ومِن على كتفِك تُـقلع طائرة.
أحبُّك، كابنِ دولةٍ جبارة،
أنتَ، يا شعبي الصغير!
-----------------
داغستاني
بعد أن زرتُ العديدَ من البلدان،
ورجعتُ إلى البيتِ تعباً من الطريق،
سألتني داغستان وقد انحنت فوقي:
"أَحيُّكَ البعيدُ أثارَ فيك الشوق؟"
صعدتُ إلى الجبل ومن ذلك العلو
أجبتُ داغستان، وقد تنهدّتُ بعمق:
"لقد زرتُ مناطقَ كثيرة، لكنك
تظلُّين الأحبَّ في كل الدنيا.
ربما، أنا نادراً ما أُقْسِمُ بالحبِّ لك،
فلا الحبُّ جديدٌ، وليس جديداً أن نقسم،
أنا أحبُّ بصمت، لأنني أخاف
أنْ تشحبَ الكلمةُ المُكررةُ مئاتِ الأضعاف.
وإذا ما راح كلُّ واحد من أبنائك يقسم
بالحب لك، وهو يصرخ، كما المنادي،
فسوفَ تَملُّ قِممُك الصخرية
أن تسمعَ وأنْ تجيبَ بالصدى في البعيد.
حين كنتَ غارقاً في الدموع والدماء،
سار أبناؤك إلى الموت، مع أقلِّ كلام،
وصارتْ أغنيةُ الخنجر القاسية
هي صوتُ القَسَم لحبِّ الأبناء.
ثمَّ بعد، حين خفّتِ المعاركُ،
راح أبناؤك، يا داغستاني،
يُقسمون صامتين بالحبِّ لك،
بضرباتِ المطرقة وبالمنجل الرنان.
لقد علّمتَني كما الجميعَ خلال قرون
أنْ نعمَلَ وأن نعيش بلا ضجيج، لكن بشجاعة،
علّمتنا أنَّ الكلمة أهمُّ من الحصان،
وأن الجبليين لا يسرجون خيولَهم من دون حاجة.
مع ذلك، وقد عدتُ إليك من عواصم
بعيدة وغريبة، ثرثارة وكاذبة،
يصعبُ عليَ الصمتُ، وأنا أسمع صوتَ
جداولِك الغنّاءةِ وجبالِك الشامخة.
==============