تربية الإبداع الأدبي لدى الطلاب
تقديم :
تشير أدبيات الإبداع الأدبي إلى أن سن الرابعة عشرة هي الحد الأدنى للعمر الذي يظهر فيه الإبداع الأدبي ، ففي هذه السن أو بعدها بقليل شرع عدد من الشعراء العرب ينظُمون الشعر كطَرَفَة بن العبد وكعب بن زهير وأبي تمام والمتنبي ودعبل الخزاعي وعليّ بن الجهم والمعرّي وجبران والشابّي والجواهري وإبراهيم طوقان وغيرهم .
أما مرحلة الطفولة فليس هناك ما يبعث على الاطمئنان بإمكانية عدها مرحلة زمنية صالحة لظهور الإبداع الفني بعامة والأدبي منه بخاصة . وربما لاحظنا لدى الأطفال أحياناً شيئاً من الإنتاج الأدبي، إلا أن المفهوم العلمي للإبداع لا يعُدُّ هذا إبداعاً فنياً ، بل يعده عملاً ابتدائياً لا يرقى إلى المستوى الفني ، ولا يعبِّر عن خبرة جمالية ناضجة .
ولكن ما يجدر الإشارة إليه هنا أن المبدع قد يبدأ في إنتاجه الإبداعي في سن الرابعة عشرة أو ما بعدها ، ولكن هذا الإنتاج لم ينجم فجأة دون مقدمات ، بل تسبقه سنوات من الإعداد والاكتساب والاختمار تهيِّئ لهذا الإبداع وتطبعه بطابَعها ، سواءً أكان هذا الطابع خاصاً بجِدة الإنتاج أم أصالته أم قيمته . وهذا يقود إلى أننا إذا رغبنا في أن ندفع أبناءنا إلى الإبداع في مرحلة المراهقة أو في المراحل التالية عليها ، فإننا مطالبون بإعدادهم لذلك في مرحلة الطفولة ، وإلا فإن النتيجة ستكون :
1- وأد كثير من المواهب في مهدها .
2- إبقاء القدر الآخر من المواهب عرضة للمصادفات التي تدفعها للاستمرار في تغذية موهبتها وتنميتها وقيادتها إلى الإبداع بعد قدر غير قليل من الصبر والجهد ومغالبة الصعاب .
إن تربية الإبداع لدى الطفل ممكنة ، بل يمكن عدها هدفاً من الأهداف الرئيسة للتربية في الوطن العربي، على أن نفهم أن هذا الهدف في حدود الإعداد والتهيئة ، ولا نفهمه في حدود القدرة على إنتاج شيء جديد نافع للمجتمع .
العلاقة بين الموهوب والمبدع والعبقري :
يمكن النظر إلى الموهوب والمبدع والعبقري نظرة ترتيبية يكون العبقري في أعلاها يليه المبدع فالموهوب . وأي مجتمع يضم قدراًً وافراً من الموهوبين ، وقدراً أقل من المبدعين ، ويندر وجود العباقرة فيه عادةً .
ويمكن القول إن الموهوب يقاس بمن هم في سِنِّه وعمره العقلي ، ويقاس المبدع بمن هم أكبر منه سنّاً وعمراً عقلياً، بينما يتحرر العبقري من قيود السن فيقدِّم إنتاجاً جديداً أصيلاً لا يستطيع المبدع تقديمه .
ويُعرَفُ الموهوب في الحقل الأدبي من تفوقه في القراءة والتعبير ، وميله إلى المطالعة وتذوُّق الجمال في النصوص المكتوبة والمسموعة ، وقدرته على مخاطبة الآخرين وإيصال أفكاره إليهم ، وإسهامه في النشاط اللغوي العام ، واندفاعه الذاتي للنقد والحكم والتحليل .
ويُعرَفُ المبدع من اتصافه بالدلالات الخارجية السابقة الخاصة بالموهوب ، إضافة إلى القدرة على الإنتاج الإبداعي الذي يتَّصف بالجِدَّة . ولكن الجدة أمر نسبي وليس مطلقاً ، ونسبيتها واضحة في مرحلة الطفولة ، إذ نعني فيها إنتاج الجديد بالنسبة إلى الأطفال وليس الجديد بالنسبة إلى الحقل الأدبي في بيئتهم .
أما العبقري فهو الشخص الذي يحرز للإنسانية انتصاراً في اتجاهٍ ما ، لم تحرز مثله الغالبية العظمى من المجتمع.
والجدير بالذكر أن الموهوب قد يصير مبدعاً ، والمبدع قد يصير عبقرياً ، إذا توافر المناخ التربوي الملائم ، وإلا فإن العبقرية تعطَّل كما يعطَّل الإبداع وتموت الموهبة .
المناخ العام للإبداع :
يقصد بالمناخ العام للإبداع طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المبدعون ، فإن كان هذا المجتمع يشجع أبناءه على الحوار وحرية التعبير ، ويقبل الرأي الآخر ، ويقدِّر الشريف المفيد العامل على خدمة الأمة ورفعة شأنها ، نما المبدع في مناخ ملائم للإبداع . وإذا كان هذا المجتمع تسلطياً قمعياً ، يشجع أبناءه على النفاق والزيف ، ويكمم الأفواه ، ويرفض الاعتراف بحقوق الإنسان ، ويقرِّب المخادع المداهن ، شعر المبدع بالاختناق ، وأحس بالقيود التي تكبل رأيه وعمله ، فسكت خوفاً ، أو هاجر إشفاقاً على نفسه من مواجهةٍ هو وحده الخاسر فيها
يتبع