|
[رِقـّي عـلى قـلبي الأسيرِ المُغْرَمِ |
أَعَلـِمْتِ ما يلقاه، أم لم تعلمي؟ |
فَلَئِنْ نسيت ِ الجُرْحَ يكتَنِفُ الوغى |
فَسَلي النُّجوم الحاضِراتِ تألُّمي |
كم ليـلةِ ألْفَتْ بقلبي عـاشـِقًا |
و مُسـَهَّدًا خلف العيون النُّوَمِ |
كم من بحـارٍ قـد أجادت مُقْلتي |
حتى توطَّدَ فيك شوك الأعجمي |
و لـكلّما فتـرت بعيني دمـعةٌ |
جـادت عليها حُرْقة لم تُضْرَمِ |
و كـأنها حـلفـت بكاءَكِ طالما |
أبقى لها الزمنُ الدّموعَ و بالدّمِ |
يا عينُ جـودي بالـدموع لعلَّهُ |
دمْـعٌ سيسْبِقُ فجرَ يومٍ أعظمِ |
بغـدادُ جِئْتُـكِ بعدما كَلَّ الهوى |
و طرقتُ قلبك بعد طول توهُّمِ |
القي جراحَكِ فوق صدري و اسْمَعي |
فـمن الخطـايا إنني لم أُعْصمِ |
بغـداد يختـرم الحـنين إرادتي |
أنت الجراحُ و أنت أعظم بلسَمِ |
داوي جراحي يا جراحي و اصفحي |
عنّي، و خـير دواءِ أن تَتَبَسَّمي |
لا تعـذليـني إنني طـفـل نَأى |
مـا كان يملك غير دمعة مُعْدَمِ |
لون الحداد كسا السماء و ما كسا |
قلبي سـوى ليل الجراح المظلمِ |
أَوَ ما كفى بغـداد قلبي حرقة ً؟ |
أو مـا كـفى عيني بحور اليُتَّمِ؟ |
أو ما كفى أنّي تَجَرَّعْتُ الرّدى؟ |
فـلقد علـمتِ بأنني لم أَسْلَمِ |
فلقد وجدْتُ زهور عمركِ في الوَغى |
و بـراعِـمًا تحت الرَّماد المُفْعِمِ |
و دما يُراق على الرِّياض و دمعةً |
تنـضو الحياةَ من القلوبِ الهُدَّمِ |
نادانيَ التّـاريخ أن أطـأ الثرى |
فوقفت يُضري العينَ جورُ الأزلمِ |
و سمعت من جوف الزمان صبابةً |
و نحيـب دهـر المسلمين مُيَتَّمِ |
بل كـل صرحٍ قد تبدلَ سحرهُ |
نارًا و مـن ضيم الزمان المُبْهَمِ |
بغـداد أين بهاء ديني.. معلمي؟؟ |
أين الشُّموخ أيا مدين الأكرَمِ؟ |
أين القـلاع تَحُـفُّ ديني رهبةً |
و مـهـابةً للـكون لمّا تهزَمِ؟ |
أين الصُّروحُ؟ فقد مررت بأرضِها |
ألْفَيْتُـها نسج الخيال المظلمِ!! |
ألفيتـها وهمًا من الزمن البعيد |
أنقاض عهدٍ من علاك مهَدَّمِ |
ألفيتـها ردمًا..حـطامًا محرَقًا |
وكأن ما كانت سِوى بتوهُّمي! |
و كَأَنَّ بغـداد العتـيقةَ كذبةٌ |
أسطورةٌ من وهم فيهِ متيَّمِ!! |
أين المـدوَّرَةُ الأبيَّـةُ يا علي؟ |
يا ليت تسمع ما دهاها من فمي |
غربت و قد نطق الإباءُ أيا علي |
بدِّلْ زمان الحاقدين و أقدِمِ |
بلبلْ صفـوف المعتدين بنظرةٍ |
تجلو الظَّلام على صهيل الأدْهَمِ |
و أَعِدْ لمنصورَ العـراقة منهُمُ |
و ارسمْ بشائِرَ عهدِكَ المُتَصَرِّمِ |
بأبي و أمي إن مررت بأرضها |
فاقرأ على الماضي السلامَ و تَمِّمِ |
و اشْفَعْ لقلبي عند مالِكِ نبضِهِ |
ألاّ يضـاعف حرقتي و تألمي |
يا خنجَرًا يسري بشرياني الدمي |
يُجْدي بأوصالي و ينهل من دمي |
يا دمعة رُسِمَت على قبر الأبي |
و على رموس عيوننا لم تُرْسَمِ |
و كريمة سكنت بعين وليدها |
في كل قلبٍ..فاجر أو مسلمِ |
ما كدت أرشف طعم إملاق بها |
بل في الوقائع فهْيَ أعظم مغنمِ |
كانت رياضًا من بساتين المُنى |
و مروج عطرٍ تحت ظلاّمٍ دمِي |
بغـداد يكفي أن تكون محطةً |
تُعْزى إلى الزمن العريق و تنتمي |
فلقد عهدتك مذ نعومة أظفري |
أرضَ العراقة و الشموخ الأقدَمِ |
فلأنت يا بغـداد قبلة عاشِقٍ |
جودي عليّ و بالمحبة أقدِمي |
فأنا دمـوعٌ ترتقي من أعيُنٍ |
لأسيرَةٍ خلف الزمان المُظْلِمِ |
الحَيْرَةُ الغبراء تضرب رأسِيَ |
و تزجُّ فكري بين نيب الهيثمِ |
و السيف دقَّ قوامه في أضلعي |
يرمي بقلبي حيث ينصب مأتمي |
لا تتركيني للعـروش فريسةً |
تعلو بأوهامي،تُبَزِّلُ معصمي |
أو في بلادٍ لا أطيـق سماءها |
مـا بين سيّافٍ و بين المجرمِ |
فالشوق يرْجُفُ بالقلوب صبابةً |
و يصك دمعِيَ كي يضاعِفَ مألمي |
تفديك يا بغداد كلَّ جوارحي |
أفديك بالعمر النفيس و بالدَّمِ |
تفـديك يا هبـة الإله منِيَّتي |
فالحلم أنت وأنت نبضٌ في دمي |
من يطلب العيش الغريد سيَلْقَهُ |
إن ضاق رزقه أو تأزَّرَ بالدَّمِ |
فالمرء إن باع الكرامة راضيًا |
فعلى خيـانة أرضِه لم يندَمِ |
لا أبصرُ العلياء أبهى منك يا |
نور الصباح بجنح دهرٍ مظلِمِ |
و أعيش في حلم و أسعى أجلَهُ |
و بغـير عِزِّكِ إنني لم أحلُمِ |
فلْتَبْقِ في نبض القلـوب أبِيَّةً |
من كل حقدٍ بالزَّمان و تسلمي |