هنـاك أشـيـاء تبـقَى مـحفورة في الـذّاكـرةِ كالثقـوب،إرث الأيـام الصدئـة ،دبـابـيس صغيـرة مغـروزة في جـدار الـقلب ،من خـراب الذاكرة يبـاغـتنـي حِـزام والـدي الجـلدي ، ينـزل على مـؤخرتـي الصغيـرة۰۰ أصـرخ۰۰ و أصـرخ الى أن يـضـيـق صـدر أمـي ۰۰ ، الجـرح الغـائر مـازال موشـوما أعلـى فخـدي ۰
إنـها تلك الأشـياء التـي لا تـموت أبـدا ، منـجـل النسيـان لا يأتـي على رؤوسـها ،عالقـة كالنـدوب على وجـه الـذاكرة، يـعسـر مـحـوها ، مقـاطع فـيلم بـاهت تُـعيـدُ نـَفسـها باسـتـمرار ۰ ۰۰رواق المدرسـة البـارد حيث أقـف على سـاق واحدة للان، قنـاعـة أمـي أمـام القُـفّة الـخـاوية، جـيب والدي الـمـسحوق بـين فكـي الغـلاء ، حبل الغـسيل الممتد الى عنقي ، لون الصحن الـحزين فوق الـمائدة ، سطـور الجـريدة العتيـقة الملفوفـة حول الخبز (ثقافة الجوع) ، روائـح صناديق القمامة خـلف سور المدرسـة ،قـذارة المرحاض المشتـرك ،شتـائم جارتـنا البـدينـة ۰۰۰۰ تـتـعاقب الـمشاهـد ،عـبثـا أحاول الانسـلاخ عن المـاضي،هل أستحق كل هذا؟؟؟؟لا أدري
عنـدما أوصدت الثـانوية بابـها الكبيـر أمامي ،كنْـت أؤمـن أَن أبْـوابا ﺃخرى ستفتح٬ كـنت مـحبا للتجارة ٬ في " سوق الدبان القريعة " شمـرت عن ساعدي أَبـيـع الأحذيـةَ الرياضيـة
المستعملـة ، صـار ﹶ والدي أكثـرﹶ هدوءا ، كـان يرمقنـي بعينـيـه الحـزينتيـن ، لومـه المكتوم يـمزقني ۰
(يسحب السم من سيجارته، وينفث عمره في الضبا ب ،تائــه في الحائط الرمادي، يُتمـتم أصغـي اليه ،يسب۰۰ يلعـن۰ ۰يرمي عقب سيجـارتـه على الأرضية العاريـة)
في هــدأة اللـيل حزمتُ أمتعتـي ، غـادرتُ هـربا من الغرفة الوحيـدة التي تَسـتر عُرينـا ، من محطة (أولاد زيان ) (كـازا) الى ( طنـجـة ) ۰ في اليوم التـالي ، كنت أجـوب( طنجـة)، في
أزقـة الضيـاع قابـلت مـلامح أشبـاهي ، ممن أعماهم وهـج (أوربـا)،غالـبيـتهم في مثـل عمـري ، جيـل كامـل من الهاربـيـن ، جـيـل كفـر بـكل الأشيـاء، أعـناقـهم تشرئِـب لمعـانـقـة جـنـان ( اسبانيا )
بعد مـغـيب اليـوم المـوعـود وبعيدا عن العيون ، تسـللنا الى مضيق ( جبـل طـارق ) ، و بـدأت رحـلة مـنتصف اللـيل ٬تـكدسنا فوق بعض٬ كـومة أعـواد ثقـاب ٬ البـرد جـمد كل شـيء
فينـا٬ ﺇلا أمـل العبـور الى حيث تـرقد أحـلامنا الصغيـرة ٬ يخـلو وجـه العـالم ﺇلا مـن أبـصارنا الدائـخة في عرض البـحر ،تعـوي الريـاح تصفـع بلا هـوادة أجسادنا ،يهتـز القـارب الهـش
،المـياه العاليـة مـلأ ت قاعـه ٬يتـرنح ذات الشمال ،وذا ت اليميـن ،يسقـط أحـدهم ٬صيحـاتـه تـملأ المـدى رعبًا ٬ غـاب صوتـه وسط العتـمة ، سـاد الصمت الرهيب ٬يقشـعر بـدني الأزرق
٬،تـتقلص معـدتي٬ يسـري في أطـرافي سم المـوت
فتـح فـاه هذا البـحر ليـبتلعنـا٬ يسخـر من أرواحنا المـعلقة بين أصابعـه ٬ حشـد أنيـابه ليقتـص مـنا ۰۰۰۰ من غيـاهب الجب أطـل وجـه أمـي " قد يلفظك البحر ٬ وتنتـهي في
مستـودع للأمـوات مـجهول الـهوية ٬ ستـمزق الأسـماك عـيونك، و ينتفـخ جسمـك ، ويـجرفـك التيار الى حيث لا تدركك العيون ،لا تحرمني البكاء على قبـرك أيها الشقي ؟ "
أتـوق لـحضنك الدافئ ، لعـيونك الـمـتعبـة ٠٠٠ سأعود أمي أعدك
(لاذ بالصمت ) عدت بـحلم مكسـور ٬كل الأبواب الـتي طرقتـها لا تفـضي ﺇلا الى فراغ لانهـائي، الى ثقـوب سـوداء ابتعلتنـي ٠هنا في السجن ، فصل شتـاء بارد يـمتد لألـف وجـع ۰
مغلقـة كل الأشياء يا صاحبـي أشبـه بدائرة،لاتـناسبـنا الأحلام لأنـها أكـبر مـن أن تتحـقق ، ولا يناسـبنا هـذا الواقـع لأنه أقسـى مـن أن يعـاش۰
محطة أولاد زيان : المحطة الطرقية أولاد زيان حيث موقف الحافلات الرابطة بين مدن المملكة المغربية
كازا :كازابلانكا مدينة الدار البيضاء الساحلية تقع في الجهة الغربية للمملكة
طنجة : مدينة ساحلية تقع في شمال المملكة المغربية
سوق الدبان القريعة :سوق عشوائي لبيع الادوات والملابس المستعملة
ابريل 2014