اللوحة الأولى
.....يأسرني الوجد..أغلقُ بابَ الغرفة..إذ وحدي لا أجدُ ما أبحثُ عنه..ليس ثمة سوى إطارات معلقة بين ثنايا الذاكرة والجدران..وكأنها أحلام وأسئلة..قبل أن أوجد..قبل أن توجد...لم أشفق على نفسي ..أشفقُ عليها مشنوقة...لا أستطيع أن أذرف ولا دمعة واحدة لأنه لم يعد لي شيئا أبكي منه..أو أبكي عليه..تركتُ الحزنَ ذات مساء ...حين رميتُ كل شيي ء ..كل ما امتلكته منكَ ..كل ماامتلكته مني..الأحاسيس ..الروائح ..الحواس....الانطباعات..... الأ فكار ..لكن .....ظل حضوري حضوركَ..فأنا أنتَ..بكَ في غيابكَ..وما زلتُ انتظركَ..أبدو للناس أني منشغلة ..أفكرُ..أحَدثُ المجهولَ ..أنظُرُ إلى ساعتي..أنظُر الى صورتي في المرآة..فأجدُ ملامح متوترة تزول بصفير القطار..و سارعتُ إليكَ قبل أن تصلَ..وشرعتُ يداي وصدري وفرحي فتتشابكُ أحاسيسنا..ونَعبرُ الممرَ..نظهُر للذين يمرون أمامنا كلوحتين ..من طينة واحدة..أو مشهد غير مألوف في قصة لا تخلو من مباهج الروح...
...يأسرني الوجد..أسمعُ موسيقى صاخبة في داخلي ..كجدول من الذكرى ..تعزفُ ..وتعزفُ..وأرى نفسي أضعُ قلبي في جزء من عينيكَ..وتضعُ قلبكَ في خزان روحي..نُواصلُ النظرَ في بعضنا وإلى بعضنا..نُصغي إلى أصواتنا,,,,, نتلو القصيدة تلو القصيدة..ونسرحُ بقطيع الأشعار ...نتركُ خلايا الجسد مشرعة كأياديي تتصفحُ المسافات.. .مخضبة بالحب والوطن والجنون...
..في إغفائة من إغفاءاتي السابقة..حَلمتُ بكَ..تنتظرني ....في حجرة بدون ضوء..وحَدَثَ لي أني لم أر بوضوح وجهكَ..وأن وجهي كان متعبا....لم أشأ أن أفتشَ عن عينيكَ حتى لا تحزنا بتعبي..
..منفي هناك..عُزلتي حولتني إلى امراة ..تتكلم قليلا..ولا تُصغي كثيرا..لا لضوضاء الناس ..ولا الكوارث ..ولا للأعراس..والأوهام ..والأصدقاء ..ولا لأ صوات الجنائز والصلوات..حولتني الى امراة لا تبكي..لا تحزن..لا تفرح..روحي عالقة بكَ ..لا أقوى على العيش بدونكَ .....ولكني أتسولُ الحياةَ في زوايا هاته الغرفة..أمُد يدي .....أشحذُ هواء.....فأشفقُ عليكَ أكثر..ألتقطُ كتابنا من بين الرفوف..تعرفُ أني لا يمكن أن أتخلى عن الكتاب ..تعرفُ أنهم أبعدوكَ عني لأنهم يعرفون أن رماد المنفى يطفىء النجوم ..لكنهم واهمون....قلتُ لكَ أني لا يمكن أن أتخلى عن الكتاب..أشعرُ معه بنفَسكَ تَنثره في وجهي وتُلقيه في دمي ..فيرتدُ إليكَ وجهي.. .فانا وجهكَ حين أحتمي بكَ منكَ... تشتدُ غربتي.. وماذا بين الوريد والوريد... والكلمة والكلمة ...غيركَ نبَضي..حزني اللحظة يراودني كالحلم..وأن كلماتكَ تُوشوشُ لي ..فأحنو إلى صورتكَ.... يَخضلُ الحزن وجهها ..تهمسُ لي ...(.سأجعلُ من ملح دمعكَ إسمنتا نُرممُ به انكساراتنا......لحظتها كنتُ أكتبُ لكَ شيئا يشبهكَ....\
اللوحة الثانية
...وكتبتُ لكَ شيئا يشبهكَ..وحين كنتُ أقرأ ملامحكَ.... لم تُحجبني عنكََ الرموز..لأني كنتُ أكشفكَ وأُدركُ ببصيرتي أنكَ أنتَ...
...النوافذ تلبسُ الألوان.... ولأنكَ موجود اللحظة..وجودكَ يتركُ الشمسَ تدخل إلى المكتبة..كنسمة رقيقة تسرح بين الرفوف..فانوس يضيئ وعيي المتجذر بكَ وفيكَ..
كنتُ قبلا مجبرة على السير في اتجاه الأ ماكن التي ليست بها خطوات ..ولا طرقات ولا ضوضاء .. أماكن خرساء ..لأني جبرت علىالإصغاء إليكَ ..حتى لا أرتبك في السير .....لم تعد تربكني الأ صوات الآ تية من السماء أو الصاعدة من الأرض.. ولا ضجيج أصوات سيارات الإسعاف ..بل ما يربكني تلك الخطوات الثقيلة..الحديدية..القاتلة ..وكأني أشعُر بها تسحق أزهار الحياة....
أفرُ بجلدي في اتجاه غابات..عساني أغزلُ من خيوط ما تبقى من خضرة هواء وضوء ..يَصدُ ظلمة منفاكَ. .ولأ ني اللحظة أكتبُ شيئا قريبا منكَ ..أقتربُ منكَ..... فتقترب مني..عاجزة أن ألمسَ وجهكَ..لكن لستُ بعاجزة أن أحس أني أغوصُ في تقاطيع وجهكَ..وأنتَ تنظرُ إلي بذاك القدر الكبير من المعاناة والفقد..والاغتراب..تتفقدُ بروحكَ حلمي المتيتم في عيني ....تَجول بين البصر والقلب..تُقبلُ كل قطعة صبر... بذاك الحنو .الذي عهدته منكَ ..حينَ تَشعرُ لحظة أنه يُحزنكَ بقدر ما يُسعدكَ..حين يتغلغلُ كذرات تخترق الأ ماكن الصدئة... فتنقشع فجوات ترسم دائرة من الضوء ..ذاك الحنو البالغ الذي يمكن أن تحويه الحياة برمتها ... ..
تحتلني الحياة من جديد..وأنا أنظرُ إليكَ ..ممتلئة بأكثر من دمعة ودمعة..وأنتَ تُبعثرُ أوراقي من جديد..تُحركُ الحلمَ ..وتلم شظايا الانكسار ..أحترقُ بالضوء..ولأني كنتُ أخشى الضوء..تَعرضَت أحاسيسي للخوف ما أفقدني حقيقة الأفق..صرتُ كالخفاش لا أميلُ إلا نحو الظلام..ولأنكَ أيها الوجه الذي تركني مشتتة ..كدفاتر قديمة ..تآكلت بفعل الصدأ ..ولأنك لا تُحدقُ بعينيكَ إلا في الظلام..ولأنكَ منفي عني ....أعرف أنك لا يمكن أن تراني إلا في الظلام..الشيىء الذي يدفعني إلى البكاء ....
..ويأسرني الوجد..وإني تعبتُ بظلي وظلالَ الجدران..والأ شياء.....لاأستطيعُ إنقاذ روحي وروحكَ ونحن نلتقي سوى في الظلام,,,
....أنظرُ إليكَ اللحظة وأنتَ تبعث بالأوراق ..كنتَ تكتبُ لي أنك تختلفُ عني قبل أن أوجد.....قبل أن أكون..وحين وجدتُ..اختلفتُ عنكَ..اختلفنا ولم نفقد هويتنا ....لأ ننا لم نختلف سوى في الحلم ..أنتَ كنتَ تُدللــهُ كطفل ..وأنا كنتُ أواسيه كشيخ..ولكن تطابقنا في الحب..أكتبُ اللحظة بقلمك ...كنتَ تتظاهر بالكتابة ..وأنتَ كنتَ ترسمني..ترسمُ وجهي..بقع كثيرة من الظلال..بلون واحد..شعر مسترسل على وجه ينكشف لبياض الورقة..تم كطفل تحنو إليَ وتُظهرُ لي ما رسمتَ..فأعلقُ بابتسامة ..وكفى
وأنا اللحظة..أرسمكَ..أستمتعُ بألم الفقد..واللقاء..كالصورة التي أسرتني ...ونفتك عني... ..كهاته اللوحة المعلقة..يبكي الجدار إذا وقعت ..أو يسقطُ الجدار إذا انتُزعَت....
أشعرُ بحاجة إلى إرادتكَ..رغبتي أن أشبهكَ..أصيرُ أنتَ ..اللحظة..أَرسمكَ بصورة أجتثُها مني التي سأكون.. ..سأشرع يدي للنور..وضجيج الموت والحياة.. هاته الأوراق التي بعثرتها داخلي ..تُرفرف ..كطيور..تغادر اللحظة هذا القفص الصدري ....
.....أستحقُ روحك.َ.وبيتكَ..حين أُدخِل لهاته الغرفة هواء .... أفتحُ النافذة..وأركضُ باتجاه الدقائق والساعات والزمن الذي مضى يحبو ببطىء نحو الفناء..وأحملكَ حقيبة في يدي..كحقيبة سفر..أمتطي القطارات المؤدية الى المنافي بتذاكر العودة..هاته اللحظة ..أراكَ أنكَ تنهضُ..من قبوك..في كامل حريتكَ..وبفرح خاص..بحركة بها من القوة ما يُزلزلُ مشاعري..بروح ناضجة باالأوراق..أثمرُ..وأغرقُ في أزهار الحلم ..هاته الغرفة الوحيدة غدت ..حديقة..والجدران بظلال أشجار ........وكل واحد منا ..في يده لوحة..من طينة واحدة..كانت الواحدة منهما ..ربما في يدك..أو ربما في يدي ...هي الأفضل
نفيسة