ها أنا ذي أطلق سراحك من قلبي ..
هو ذا صوتك يأتيني عبر أسلاك الهذيان ، تكاد تذوب بحرارة الشوق ، تلسع مسمعي بصوتك الموشى بالحنين ، فيرتجف القلب بخفقات الجوى طربا ، لحروف كم تلهفت لسماع عزفها على حبال وجدانك الصوتية ، المرتجفة بلوعة الحب المرتعشة خلف ضلوع الخجل ، لحنها يتردد صوت نبض مغنـَّىً في حنايا صدري .
أتلفع بعباءة الفرح ، أرقص جذلا على همس يداعب شغاف الفؤاد ، أتوارى خلف ستار الحياء صمتا ، تباغتني ضحكة طفولية ، تصل إليك رنانة تشي بفرحي ، فيفيض الحنين كلماتٍ تتعثر على شفاهي ، معلنة احتجاجي على غيابك الذي غلف مشاعري بشرنقة الصبر ، تمزقها لتخرج يرقات تفرد أجنحة النور ، تحلق في فضاء الحلم، تحط على أضلع حبست آهات السهد على وسائد السهر ..
ينقطع اتصالك ..
أنطفئ كشمعة هبت عليها نسمة حزن ، ألوذ بالصمت إلى ركن قصي في الذاكرة ، استرجع كلماتك ، ألوكها شهدا اختلط بمرارة الذكريات ، تغص به الدمعات في مؤق تلحفت جفون أثقلها السهر ، تحملني سنة النوم على غمامة حلم ..
ها أنا ذي أطلق سراحك من قلبي ، يا من جمعت أشلاء قلبه المتسكع على دروب الهوى ، يمنح مشاعره لغانية أو لعوب ، يزهق ليله في غياهب الصالات الليلية ، يداعب دنان العشق المباح لكل المارقين ..
ها أنا ذي أطلق سراحك من قلبي ، حتى لا تضيق بحبي ، ولا تختنق بصدق هواك الذي تلقيته جرعات دواء لسقم غيك ، فتعلقت بحبال هواي ترتجي النجاة من غرق في يم التيه ، متخذا من قلبي ملاذا وسكنا ، ومن مشاعري دثارا يدفئ صقيع تشرد عواطفك المسفوكة على أرصفة الضياع، رثة ممزقة لطخها الزيف والرياء بأوحال المجون .
ها أنا ذي أطلق سراحك من قلبي بعد أن جعلتك تدمن صوت المآذن ، وطرق أبواب المساجد ، وصحبة العابدين ، فلبست ثوب الورع ، واغتسلت بدموع الندم ، وتطيبت ببخور الإنابة ، فسطع في جبينك النور.
ها أنا ذي أطلق سراحك من قلبي الذي لم يكن لك يوما سجنا ، ولم يكن لك قيدا ، بل كان صومعة ضمتك حناياها تائبا يبحث عن شط أمان ترسو عليه سفينة حياته التي تقاذفتها أمواج محيطات التيه والغفلة ، ملاذ عفة وأنسا .
تراتيل القرآن التي هدهدت بها روحك ، لا زالت تحفك بالسكينة ، ولا زال نورها ساطعا في دربك، وإن أظلمت السبل ، فبصيرتك التي اتقدت دليل خطاك ، فلن أخشى عليك تعثرا ..