أحدث المشاركات
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 25

الموضوع: توق الدنو

  1. #11
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت الكريمة سحر :

    " لا شيءيقال هنا البتة "

    نعم ، امام الدنو الزاحف ، ربما اليوم ، وربما غدا ، وربما بعد الغد ، وربما ،

    ماذا يمكن القول غير ذلك

    مع محبتي ومودتي لردودك النابضة بالسحر

  2. #12
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    هي لحظة واحدة ، جملة واحدة ، تستطيع انتزاعك ، من كونك أنت الذي تعرف وتخبر ، إلى أنت الجديد المتنصل من كل خطوات السابق الذي شكل ذاتك من الداخل والخارج ، لحظات ، تضعك على فاصل بين زمنين متسارعين متوازيين ، تنظر للخلف وأنت تستدعي من تعرف ، من عشت فيه وعاش فيك ، ترتد للامام ، محاولا الوصول إلى مولود ما بعد اللحظات التي بدأت تتمحور كنقطة ارتكاز نهائية لكل ما في القادم من إنبثاقات وإضاءات

    \

    سطور تنحت في وجداننا صرخة اليقين ... أننا محض هباء لولا الله

    أننا اللانهاية إذا قسنا ذواتنا بالفناء

    وأننا لا شئ إذا قسنا ذواتنا بالعدم

    ومابين الذواتين ... نكون

    نحن الذين عجننا الله من طينة التمرد
    نعصيه
    وهو المجيد في عليائه .. فيغفر لنا الزلل


    ما أعظم .. إنتماءنا لله

    قال تعالى
    ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ... )
    فمن منا يستحضر دوماً تلك النفخة ........ فيرتاح

    \
    أخي الحبيب .. أشكر حرفك الأنور
    الإنسان : موقف

  3. #13
    الصورة الرمزية أسماء حرمة الله شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : على أجنحــةِ حُلُــم ..
    المشاركات : 3,877
    المواضيع : 95
    الردود : 3877
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي

    سلام ربّي عليك ورحمته وبركاته

    تحيـة تقطر دعاءً





    أخي الكريم مأمون،

    أدمعتَ عينيّ، وقد قفزتْ من حروفكَ حرقـةٌ، غاصتْ في جوفي حتّى أحرقَتني !
    الموت والحياة ! كلاهما يكتبُ في كتابـهِ خلجاتنا وخطواتنا، يحفرُ في ذاكرةِ الزّمن أفكارنا عنهما، ومدى استعدادنا لهما معاً !

    توق الدنوّ، ارتجفتُ عند ذكره، لاخوفاً من الموت بل ممّا يليه ! وكأنّي أرى الموتَ تحت شجرة الصبّار جالساً، يحدّق فينا جميعاً، ولاأحد يعلم متى سينهضُ ليتأبّط ذراعنا قسراً !! أكاد لا أرى وقع أناملي على لوحة المفاتيح بسبب تسلّط الدمعات على أبوابي !
    حروفكَ باسقة كالنخلـة، تماماً كإيمانكَ وصبركَ، فاثبُـتْ أديبَنـا حفظكَ اللـه،. شفاك ربّي وعافاكَ، وجعل كل ذلكَ طهوراً ورفعاً لدرجاتكَ في الدنيا والآخرة .

    اصبرْ وثقْ بأنّ اللـهَ معـكَ، هو الوليُّ والكافي، هو الشّافي أرحمُ الراحميـن ! فقطْ قلْ : يا ربّ !


    خالص تقديري ودعواتي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وألف طاقة من الورد والندى

  4. #14
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت الكريمة وفاء :

    نعم ، لا يهم كيف ياتي الموت ، لاننا لا نعرف موعده ، لا نحس بزحفه ، الا في لحظات النزع الاخيرة ، حتى المريض ، يظل ينظر للطبيب من زاوية البقاء والديمومة ، لكن ان يقف الدنو امامك ، بلحظة محددة ، فللامر هيبة ، لا تماثلها هيبة ، وفيها رجفة ، تستطيع ان تاخذ الروح الى خارج التكوين ، قبل وصول لحظة الموت .

    سيطول حديثي عن الدنو ، من خلال ذاكرة الموت التي اخطها الان عن احباب واناس فارقوا الكون ، لكنهم ما زالوا يرفضون مغادرة ذاكرتي .

    لك مني كل المحبة والتقدير

  5. #15
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت سمو الكعبي :

    ربما عن الموت كتبت ، وربما هو من يكتب ، عني ، عنه ، باناملي ، رغما عني ، للحمد لذة لا تقف عندها لذة ، لكن حب البقاء طبع في الانسان ، الانتقال الى العدالة الالهية المطلقة ، رحب واسع ، وان تخلله العذاب ، فعذاب الخالق ، رحمة نستشعرها وتعيش فينا ، نرفضها خوفا وهلعا ، ونستسلم لها ايمانا بقوة العادل المطلق الارحم بنا من امهاتنا وابائنا .

    لك كل المودة

  6. #16

  7. #17
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخ خليل :

    سيبقى الانسان " هو " - الانسان - لانه الانسان .

    لكن الموت سيبقى راصدا كل الحدود

    كل المسافات

    رغم التمرد والمعصية

    اليس ، هو الذي قهرنا به الله عز وجل ؟

    في الامر سر غريب

    لايدك على الارض وفي الحياة

    ربما ندركه هناك ، حيث نذهب الى ما لانعرف ، الا من خلال ايماننا به جل شانه ، ان كنا نملك الايمان اصلا .

    مع كل المودة

  8. #18
    الصورة الرمزية يسرى علي آل فنه شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    الدولة : سلطنة عمان
    المشاركات : 2,428
    المواضيع : 109
    الردود : 2428
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأمون احمد مصطفى مشاهدة المشاركة
    توق الدنو
    تتسارع الأشياء ، تكتمل ، تتوالج الظلمات مع انبثاقات النهار ، تتوثب الرؤى لتنازع المعلوم مرورا لطيفا بين خفقات المجهول ، تندفع الطاقة الكامنة من روح تشعر بتحدب اللحيظات القادمة ، تتدلى أيام العمر أمام العينين ، كعناقيد من وهج متفجر ، ترسل بريقا يمتزج فيه الأصفر مع لون الغروب ، تتلاقح الألوان وتتزواج ، تندغم وتتوحد ، يصبح الكون امتدادا رحبا في النفس المحملة بروائح الرحيل والمغادرة .
    بداية الأشياء ، نقطة من زمن متكون متصل ينحو نحو الصيرورة والديمومة ، ومكان يمنح الزمن لحظات التكامل والاكتمال ، الزمن والمكان توحد واندماج وانصهار ، لا فكاك منه ، يتداخل في مراحل التكون الأزلي ، أنا ولدت في زمن معلوم ، ومكان معلوم ، فلا بقاء للزمن الذي دفعني رحم أمي فيه بدون المكان الذي استقبل لحظات قدومي ، لتتداخل فيه أنفاسي مع مكونات الوجود بكل ما فيه من تنوع وخصوبة وتدفق ، دماء الرحم التي سالت ، وجع الطلقات المدوي في عمق الأثير والمكان ، فرحة الميلاد ، نشوة اقترابي من صدر أمي لألثم ثديها المترع بالحياة ، كل المكونات تتلاصق ، تندغم ، تتلاقح لتشكل ما يسمى بالزمن .
    نحو الخمسين أدنو ، أشارف منتهى التكون ، منتهى الاكتمال ، نقطة النضج ، أبو حامد الغزالي أشار للأربعين بفوات الأوان ، باغت العقل مباغتة ، باقتراب الدنو من الجحيم ، أو النعيم ، لماذا اختار الأربعين ؟ ولماذا أودع الزمن المنقضي ملاحقات القادم ؟ قديما قال الحكماء ، بان اقتراب التلاحم بين لحظات الزمن وبين الإدراك ، تمتد بتناسق مع الأربعين من العمر .
    هل هذا صحيح ؟ يبدو أن للعقل علاقة خاصة مع الزمن ، خفية ، لا يراها الفلاسفة ، ولا يتبينها العلماء ، تتسلل كخيط دافق من نور مجهول بجذور العقل ومنابت الوعي ، لكننا نقصيها من اللفظ المجرد ، لنخفيها بين تركيبات التداعي الهابط من وحي مجهول .
    أثارني قول الطبيب قبل أيام ، أشار لكائن غريب يرقد في دماغي ، قالها بنبرة الصمت الحامل دلالات الفصاحة والبيان ، اهو الدنو من الرحيل ؟
    كنت أظن أن كياني سيطول فوق الكون ، سيمتد ، سيتزاوج مع معطيات الزمن المتحرك ، المتلولب ، المتكاثف ، المشكل لبقايا الغيوم المحملة بزفرات الوجود ، لو أردت الآن القيام بعملية حسابية بسيطة ، كم من الشهقات التي أرسلتها في محيط الكون منذ الميلاد ، وكم من الأمكنة المكونة لماهية الزمن أسكنت شهقاتي ردهاتها وغرفها وممراتها ؟
    حين تشعر بالدنو ، يتغلغل بمكونات ذراتك ، تنوء بثقل الحمل المتوالد من الماضي والحاضر والمستقبل ، تبرز الأشياء من مهاجع الغموض ، جلية واضحة ، ناصعة ممتدة ، تنازعك البقاء ، وتحضك بنشوة غامرة إلى اختطاف اللحظات والهنيهات من قبو ظلام سرمدي ، يصبح للحياة لون آخر ، ينشأ من داخلك ، لا صلة له بألوان الأرض والوجود ، فيه سحر غريب ، يدفعك نحو البقاء ، نحو التمسك القاتل بخفقات الشجر والزهر ، تطالعك الوجوه الغائبة في مركز العدم منذ انفلاتها من رحم الوجود ، تخبو ، وتضيء ، تتوهج ، وتكبو ، يخترق أذنيك نداء مجهول ، تلتفت يسرة ، ويمنة ، فوق وتحت ، تحدق بالخلف المطوي ، والأمام المستتر ، يشتد النداء ، يدور راسك ، لكنك لا تدرك مصدر النداء أو مساحته ، يظل عصيا رغم إحساسك المتوثب بمعرفة أصله وكنهه .
    لماذا اجتاحتني المباغتة من عبارة الطبيب ؟ الم يكن الدنو ضمن حسابات لحظة الميلاد ؟ الم يكن منوطا بذاتي وأنا نطفة تجول بصلب أبي ؟ الم تكن جزء تام التحول والتشكل وأنا اسبح برحم أمي وخصوبته ؟
    لحظات الدنو ، تعيدك ، تحملك بصورة ما ، إلى الغابات الممتدة ، الموغلة بالتقصي والتخفي والامتداد ، تتداخل أنفاس الأشجار ، بأنفاس التوزع الكوني ، تلتحم الصحارى مع حركة النجوم والكواكب ، تتدفق الأنهار كشلالات من حلم الغابة إلى عروق النوق المرتحلة في الصحراء العربية .
    لحظة الدنو ، جاءتني ذات يوم ، كانت اقرب إلي من الورم الذي أشار الطبيب لوجوده بدماغي ، اقرب كثيرا من التصور والتوقع ، كانت البندقية مغروسة براسي ، قال لي ، ستموت الآن ، وكان أولادي وزوجي يشاهدون لحظة الدنو المعلقة برصاصة صغيرة ستخترق راسي ، أيقنت بالموت ورحيل الدنو منه ، كان ملامسا لكل تكويني ، من لحظة الميلاد المتصلة بالمكان ، إلى اللحظة الأخيرة ، تصاعد البخار من الدماغ ، من مركز الرؤى والتبصر والإبصار ، شاهدت دماغي متناثرة ، مختلطة بالدماء ، وكان جدول الدم الساخن يرتسم أمامي وهو يسيل بزقاق حارتنا في المخيم ، تدلت البصيرة ، وتساقط الوعي الكامن .
    للحدث تأثير بتكوين الزمن ، بتكوين المكان ، بتكوين الأشلاء المتفرقة في أعطاف الزمن الراحل ، يومها ، وبلحظة واحدة ، وبعد أن سحبت الأقسام ، وأصبح الإصبع الحلقة الأخيرة لنقلي من مرحلة الدنو إلى مرحلة السقوط باللانهائي ، قفز الماضي كله مرة واحدة ، شاهدت نفسي وأنا اخرج من الرحم ملطخا بدماء الولادة ، شاهدت المكان ، ولأول مرة في حياتي ، أمسكت بالزمن ، لمسته ، أحسسته ، كانت وجوه أولادي وزوجي ، وهي تحتقن العزاء واليتم ، تتراءى لي وأنا أضع إصبعي في نواة الزمن المجهول ، غابات الزيتون ، بيارات البرتقال ، نوار اللوز ، مرارة الألم والهزيمة ، فرحة الانتصار ، لحظات التجلي والهيام ، تدفقات الحلم بنشوة الذروة ، شوارع العواصم التي زرت ، ياسمين دمشق ، ورائحة دجلة ، تاريخ الفراعنة ، والأمويين والعثمانيين ، الأندلس الخافقة برؤى الأجداد ، برؤى تلاحم الزمن مع الأمكنة الموزعة عبر مساحات الأرض والوجود ، كل الأشياء انزلقت بطريقة تفوق انزلاق النسيم في مخيلتي ، كانت تلك اللحظات السابقة لحركة الإصبع ، أغنى وأوفر اللحظات التي عاشتها ذاتي الداخلة بسراديب الفناء .
    لحظة الدنو ، والغرق بالموت ، شعوران رافقا حياتي ، منذ الميلاد ، قالت أمي : يوم ولدتك ، وبعد لحظات ، شاهدت الدم يجري ، كان الحبل السري قد فلت من ربطته ، وكان الموت يقترب بسرعة منك ، صرخت ، وأنا أعاني لحظات الألم الممتدة ، ماجت الغرفة ، أسرعت أم هاشم ، بركت فوق الدماء المتدفقة ، وأمسكت بالسرة ، عقدتها من جديد ، لو غفوت قليلا ، لو لم تتحرك بداخلي انقباضات النذر القادمة من الم الولادة وانفجار الطلقات ، لكنت الآن في قبر صغير ، بمساحة من مكان مجهول الآن ، معلوم لو نفدت الدماء من عروقك الصغيرة .
    يومها كنت فتيا ، أمارس اللذة مع مكونات الوجود ، وازرع أحلامي بخفقات النجوم ، لم تثر الرواية في شيئا غير الندم على فقد تجربة الموت بالطفولة ، لسبب مجهول ، كنت اشعر بان الموت أحق بي من الحياة ، وكنت أحس بروعة دبيبة ، وحلاوة تمكنه من الجسد ، بل وكنت اغرق بأفكار غريبة ، تمكنني بعد الوفاة من التنقل بين المجرات وحركة الكون ، لأنني جزء من منظومة تدور في فضاء لانهائي .
    أمي كانت تتعوذ بالله من الشيطان ، تقرأ الفاتحة والصمدية ، وترش فوق راسي نثار الملح ، لم تكن تقبل بفكرة ولوج الموت من باب الحياة ، لان للموت بقدرتها العقلية معنى لا يتوافق مع رؤيتي له وأنا في سنوات الفتوة والاندفاع واللامبالاة .
    وحين كبرت قليلا ، أدركت اتصال الموت بالفناء ، بالتحلل ، بالاندثار ، بالتلاشي والتبخر ، انتزعت من إدراك أمي معنى الموت ، وزرعته براسي ، فأصبحت خطواتي محسوبة ، تتصل بما يتصل بالبقاء ، وتنأى عن كل ما يتصل بالفناء والتلاشي ، أصبحت الجنازات هاجسا يعذبني ، يقلقلني ، يقض راحتي وصفائي ، وحين شاهدت اللحد ، انقطعت أواصري مع المقابر حتى وفاة أمي .
    يومها نزلت إلى القبر ، لأوسدها التراب ، ولأطبع على خديها وجبهتها قبلاتي الأخيرة ، وحين خرجت ، نشأت بيني وبين المقبرة علاقة جديدة ، بها اتصال حذر ، فيه رجفة الخوف ، ورعشة الانتماء والوفاء ، تحولت إلى كائنين ، احدهما يتصل بالقبرين المتلاصقين ، صلب أبي ورحم أمي ، والآخر يتصل بمدى مفتوح على الشعور باللانهاية ، الراجفة من نهاية ربما تأتي الآن ، وربما تنتظر أعوام .
    لحظة الدنو ، اكتمل نضوجها إلا قليل ، بعد زفافي بأيام قليلة ، اخترقت يدي مدية الزمن ، أطاحت بوجودي ، تفتت المعصم ، مزقت الشرايين ، تقطعت الأوتار ، وتناثرت الأوردة ، كانت الإصابة بليغة ، فتحت نافورة الدماء ، حملت يدي ، رفعتها فوق مستوى القلب ، اعترضت سيارة كانت في الشارع ، وصلت المشفى ، قال الطبيب ، بينه وبين الموت لحظات ، يجب أن نوقف النزف ، دخل أخي عبد الرحيم ، فاضت الدموع من عينيه ، أيقنت بالموت مع رفض النزف عن التوقف ، لحظات ، لحيظات ، دخلت قبو الموت .
    كان الليل مشاركا بكل التفاصيل ، ينسج ملحمة الموت والعزاء ، نساء الحارة ، شباب المخيم ، الأصدقاء ، خلايا نحل تتنقل بين مشفى ومشفى ، والأهل والحارة بانتظار الجثة من اجل النواح والدفن والبكاء .
    هنا تداخلت نغمات الوجود ، مع ناي الحزن القادم من خبر معتق بالموت ، يوم الميلاد ، انقطع رباط السرة ، ويوم الاعتقال ، كانت الرصاصة تستعد للولوغ براسي ، واليوم ، اتصل الدنو بدنوين سابقين ، ولكن قبل التيقن من لحظة الدنو ، كانت فكرة الموت قد اخترقت حدود الزمن كله بيقين الرحيل والاغماضة الأخيرة .
    حين أفقت ، تفحصت المكان ، لأعلم مقامي السرمدي ، البياض حولي في كل مكان ، والهدوء يغرق بالسكينة ، أفي الفردوس أنا ؟ اجتاحتني الفرحة ، وتسربت إلى مساماتي نشوة متصلة بمعرفة المصير المجهول المخفي بين طيات الرضا والنفور ، بين ميل الإيمان ، ونقاوة اليقين ، حسنا ، أنا في الفردوس العظيم .
    علا نفير سيارة ، مزق الزمان والمكان ، وخلط الوهم بالحقيقة ، ما أصعبها تلك اللحظات ، التي تعيدك من برزخ الموت ، وفتنة اليقين بالفوز ، إلى ملاحم الشك والتبعثر والتوزع بين ما كان وما سيكون .
    الانتقال من سطوع الجنة ، للانغماس بتراب الكون ، يحتاج إلى مسافة من زمن قد تبدو قصيرة ، لكنها واقعة بين حد التناهي في وهم الخوف والرعب ، وحد الانغماس برجة تخض العقل وتقتلع النشوة .
    قبل أيام ، أعادني الطبيب للحظات الدنو ، وأنا هنا لم أدون كل لحظات الدنو التي مررت بها ، فهي ستأتي بموضع آخر إن ترك الورم النابت بالدماغ فسحة للتدوين والإفاضة ، علي الآن أن أحاول بطريقة غير عادية ، التفرغ لاختلاس اللحظات من خفايا ما يتم بالدماغ من تغير وتبدل ، علي أن أحاول طي الزمن بطريقة غير التي اعتدت عليها ، لأحاول نقل أحداث تتصل بنواة ما شكل هنيهات العمر الغارق بالنسيان والسهو ، حتى قدوم لحظة الدنو ، تشكلها ككائن في الدماغ ، أو كحركة إصبع على الزناد .
    حاولت فور خروجي من العيادة أن أحدق بالأشياء والأماكن ، أن ازرع بريق الرؤى المتناسلة في جوف المكان المتصل بالزمان ، لكنني أحسست ، ولأول مرة ، بلحظة التجمد التي تغل الزمن ، فتنسف إدراك المكان ، وتحول إيقاعات الوجود إلى نقاط ثابتة ، شاهقة ، سامقة ، لكن بدون نبض أو حياة .
    هي لحظة واحدة ، جملة واحدة ، تستطيع انتزاعك ، من كونك أنت الذي تعرف وتخبر ، إلى أنت الجديد المتنصل من كل خطوات السابق الذي شكل ذاتك من الداخل والخارج ، لحظات ، تضعك على فاصل بين زمنين متسارعين متوازيين ، تنظر للخلف وأنت تستدعي من تعرف ، من عشت فيه وعاش فيك ، ترتد للامام ، محاولا الوصول إلى مولود ما بعد اللحظات التي بدأت تتمحور كنقطة ارتكاز نهائية لكل ما في القادم من إنبثاقات وإضاءات .
    تتناثر بين هذا وذاك ، تتوزع بين حيرة ودهشة ، تضغط على الرأس ، لا تشعر أبدا بغريب يسكن الدماغ ، رغم تحول ما كان وما سيكون .
    اهو الدنو ذاته ؟ أم التوق لدنو تستدعيه ذاكرة غير متفقة مع ما نعرف وندرك ؟
    مأمون احمد مصطفى
    فلسطين – مخيم طول كرم
    النرويج – 22- 4 - 2008
    الرهبة من الموت والرغبة في إدراك مابعده كفيل بأن يستنزف الذاكرة ويرتب محطات العمر
    بشعور مختلف وبأسئلة ماطرة وأجابات قاحلة غالباً
    أتساءل ..هل كان بالإمكان أن نحيا العمر بشكل مغاير عما كان؟ وهل لايزال لدينا متسع للحظة نتوهم فيها أننا نجونا من الموت ذات وقت بإعجوبة تحتمل أن تتكرر ؟
    ومهما تتكدس الأسئلة وتتنافر الأجوبة يبقى اليقين بأننا إلى الموت صائرون لامحالة فهل نستطيع أن نضيف لذكرياتنا رصيد خير و أن نعمل على تشكيل مابعده ليس لنا فحسب وإنما لكل من أحببنا رفقته في الحياة فبالحب نمت رغبة استمرار التعايش مع أناس سكنوا حياتنا بأشكال كثيرة ؛أن يجمعنا مستقر كلنا على يقين بأنه بالتأكيد سيكون مختلف تماما ولايشبه في آلية حدوثه تعايشنا معهم قبل الموت
    ..
    أخي الكريم مأمون أحمد مصطفى
    أعذر حديث نفس أتمنى ألا أكون أثقلت به عليك وتقبل إعجابي بنصك العميق
    في تجليات صدقه وهدوء لغته العذبة
    متعك الله بكل خير وحفظك بعنايته
    احترامي لك
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

  9. #19
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    وللمرض فلسفة خاصة لو عرفناها نجونا

    بقى أن نحب المرض ليحبنا

    فهل نفعل؟؟

    شفانا الله
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  10. #20
    الصورة الرمزية طه محمد طه عاصم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    المشاركات : 231
    المواضيع : 38
    الردود : 231
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    الأستاذ الجميل /مأمون أحمد مصطفى
    كنت هنا جميلا حد التأمل بصمت
    أقول دائما يحتاج كل منا أن يملك سرا ....
    وأظن أن سرك كامن في فلسفتك وروحانياتك والتي أنتجت لنا هذه الرائعة
    دمت بخير وود
    طه عاصم

    بقدر الرأي تعتبر الرجال

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. توق الدنو
    بواسطة مامون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-08-2017, 09:19 PM