الرجيم
طريدا وقف عند السفح غضبان أسفا و قد أخرجه الذين آمنوا من العقول و مسارب الروح و عادوا أوراقا بيضاء نقية نقاء قلوب رهيفة احتضنتها الصدور يوم ولدتهم أمهاتهم أطهارا .
وحيدا يستلبه الهلع وهو يتراجع أمام البياض المتدافع نحوه ؛ يرسل سهامه و أعوانه بين الحشود علّه يقتنص ثقبا أهمله الحراس فيقتحم سكينة من أغفل الله قلبه عن الذكر فلا يرى إلا عيونا شاخصة إليه ، تجمع الجمار بيد و تتوعده بالأخرى ، لا يرف لها جفن رغم النّصب ، تكرّ عليه كرّة واحدة تخلع بقايا وساوسه من القلوب و ترجمه بكل ما أوتيت من عزم ، و يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ، يحاول التقاط الأنفاس و استجماع القوة بين الجمرة و الجمرة فيفجأه سيل الجمار مجتاحا صخرة وقف عليها ذات يوم مزيّنا الحياة و الولد لأبٍ أُمر بذبح وحيده ، فإذا حرارة الجمار تذهب به و بالصخرة ، تفتّت مكره و تهزم جنده و تطمس معالم الشر و العصيان وقد حصّنها الرماة بالبسملة و التكبير ؛ فيعلن هزيمته الشنعاء من تحت الركام و يخرج من مكة مذؤوما مدحورا يجرّ أذيال خيبته نحو قلوب ضعيفة لمّا تذق حلاوة الإيمان مجنّدا جيشا جديدا يزحف به بعد عام إلى الموقف ذاته كي يثأر لدهائه فيجد قلوبا بيضاء جديدة بانتظاره تجمع الجمار في مزدلفة و تطارده في (مِنى ) في مشهد يتكرر و هزائم تترى فيصرخ وقد وهن منه العزم : لا مقام لي اليوم ها هنا و قد تفرّق عني الجند و ذهب عني السلطان و تاب عباد الرحمن .