لو قدر لسايكس وبيكو أن يعودا للحياة لبصقا في أوجه العرب كيف يقدسون خطوطا ما ظنا هما أن تبقى لسنوات قليلة ، حتى صارت خطوطا تقسم شعوبنا وعائلاتنا وقلوبنا ومفاخرنا وأسامينا وألقابنا ولغاتنا وفنوننا و ... ننا
إن حدود القارات والمحيطات ومستوى سطح البحر قد تغيرت وهذي الخطوط لم تتغير ، غابت جزر بكاملها وولدت أخرى ، والخطوط ثابتة .
ندافع عنها – التي فيما بيننا فقط - بكل قوة ورجولة وشهامة ووطنية وإباء وشموخ .
نشتري الأسلحة بالمليارات ونجيش الجيوش ، ونؤلف الأناشيد الوطنية ، ونرسم خرائطها بماء الذهب .
ننقب عن آثار منذ آلاف السنين تثبت أن الإنسان ضمن هذه الخطوط كان متميزا عن غيره من الشعوب الأقل شأنا ضمن الخطوط الأخرى .
البيئة الجغرافية والتركيب الجيولوجي والمناخ يختلف فجأة بين أقاليمها بمجرد الانتقال لأقل من سنتيمتر واحد فوق الخط .
ثروات الأرض والجبال والسماء والماء تنتقل ملكيتها فجأة وتنقسم بنفس الخط ، وحده الهواء – إلى الآن على الأقل – ينتقل بحرية فوقها ، حيث لم تتوفر التقنيات اللازمة – والمستوردة – بعد لتقسيمه بينها .
لا يمكنك عبور أحدها إلا بإذن خروج قبل الخط وإذن دخول بعده .
ثم عليك أن تدفع قبله رسم الخروج وبعده رسم الدخول ، وبعملة مختلفة طبعا .
أنت قبل الخط مواطن وبعده زائر أو سائح أو لاجئ أو متسلل وأجنبي في كل الأحوال .
أنت قبل الخط بلا أدنى كرامة وبعده بلا حق الإقامة
أنت قبل الخط عالة وبعده عمالة
أنت قبل الخط معاقب وبعده مراقب
عليك أن تغلق فمك قبل الخط حفاظا على رقبتك
وعليك أن تغلقه بعد الخط حفاظا على رزقك
حتى أخلاقك قبل الخط غيرها بعده
أحلامك غيرها
طموحط غيره
النادي الرياضي الذي تشجعه
الزعيم الذي تمجده
البلاد الصديقة غيرها
البلاد العدوة غيرها
الكل شيء الذي تعرفه .. غيره .
باختصار ، ماقبل الخط عالم آخر لا يمت بصلة إلى ما بعد الخط ، بل هو أشبه ما يكون بكوكب آخر
لو قدر لسايكس وبيكو أن يعودا للحياة وشاهدا ما آلت إليه أحوالنا لندما كثيرا على رسم هذه الخطوط ولتمنيا أن يعدود بهما الزمن فيرسما بدلا عنها عشرة أضعافها ويقسما بلادنا وأمتنا وقلوبنا وأخلاقنا ومصيرنا وارتباطاتنا وأهدافنا وأدياننا ولغاتنا وثقافاتنا لمئات الكيانات والمساحات والمقدسات ، ويبدو أن هذه الحقيقة هي ما أدركه من تبعهما ويعملون عليه .