لقد تأخرت كثيراً في الرد ولكني آمل تعويض ذلك
الادب عموما هو: عملية ابداع من صاحبه وعملية تذوق جمالي من المتلقي ,
وهدفه ليس نفعيا بل جماليا , إذ يسعى الى إحداث الانفعال في النفس او إثارة الدهشة .
وقد سعت شاعرتنا " ربيحة الرفاعي" الى ذلك حيث هيجت لدينا الشوق للديار المقدسة
وكعادتها دائماً تطربنا بأعذب الألحان وتعطرنا بألوان الشذى والعبير ...
ألمح في قصيدتك هذه مقاماً كبيراً للوجد !
يعرضه على أسماعنا ذلك الحَبَبُ المتناثر كالآلئ على سطور القصيدة ... فهو موقف ليس باليسير !
فالنداء كان مخبوءً خلف نبض الأماني وحنين الكلمات منذ سنين ... والشوق مكبوت يعذبه الصمت والجَنان ..
وبين هذا وذاك تحرر النداء لينهي حالة الصراع تلك ويعلن فوزه على جميع عوائقه ! فسار محلقاً حراً طليقاً يخاطب روحه في رقة وصفاء :
سامحك الله ياشاعرة لقد حركت بأنفسنا ما قد غفى من اللواعج والاشتياق منذ سنين ...
وأججت بكلماتك العذبة الرقيقة ماخبا من مجامر الوجد والغرام !
ولكن مايعزينا في ذلك أنك بعثت إلينا أملاً مجنحاً مشرقاً من خلال
مَــــــــــــاذا أقــــــــــــولُ وَلِـــلـــتَّـــغَــــزّ ُلِ أهْــــــلـــــــهُ**وَالـ ـــحَـــــرْفُ بَــــيْـــــنَ مُـــضَـــيِّــــعٍ وَمُـــتَـــمِّــــمِ
وَأنــــا عَــلـــى عَـتَــبَــاتِ نُـطْــقِــي رِيـشَــتِــي**رُوحِـي بِـهَـا وَلَـهِـي، وحِـبْـرِي مِــنْ دَمِــي
عزفك الرائع على أوتار قلوب العاشقين
عَــبَـــثُ الَـمـشـاعِــرِ بـالـقُـلــوبِ يُـذيـبُـهــا**والأُقْـــح ُـــوانُ يَــســيـــلُ فَـــــــوْقَ الـمَــبْــسِــمِ
وَعَــلــى فُــــؤادٍ عــاشِـــقٍ يَـخْــطــو الــهَـــوَى**نَــــشْــــ ـوانَ يَــحْــمِــلُـــهُ لأَعْــــلـــــى الأَنْــــجُـــــمِ
وَيَـــبْـــثُّــــهُ الأَحْــــــــــلامَ تَـــــتْــــــرى كُـــلَّــــمَــــا**خَــط َــرَ الـحَـبـيـبُ لَــــهُ اسْـتَـكــانَ لـمَـزْعَــمِ
مــــــــا بِــــيْـــــنَ فَــــكَّـــــي تَــــوْقِـــــهِ وَحَـــيـــائِـــهِ**يَــم ْــضــي عَـــلـــى إيـــقـــاعِ حَـــمْـــدِ الـمُــنْــعِــمِ
علنا بذلك أن نستعين به على ما تبقى لنا في المسير
فرحلة الشوق نضاحة بالسعادة والألم ولاتثريب في ذلك حتى وإن قطعنا الطريق بخطوات الأماني والأمل
أَنْــعَـــمْـــتَ رَبّــــــــي بـالــحَــبــيــبِ صَـــبـــابَـــةً**فَـــــ ـــأْذَنْ بِــــوَصْــــلٍ يـــــــــا كَــــريـــــمُ وَتَــــمِّـــــمِ
فــــــــي جَــــنَّــــةِ الــــرِضْــــوانِ بِــــيْــــنَ أَحِــــبَّــــة**مِـــــن ْ صَـحْــبِــهِ الـمُـخْـتَــارِ خَــيـــر الـمَـغْــنَــمِ
بِــرِضـــاكَ بــالــرِضْــوانِ بـــالأمَـــلِ الَّــــــذي**قَـــدْ أَوْدَعَ التَسْـبـيـحَ شَـهْــدًا فــــي الــفَــمِ
أَنْـــتَ الحَـبـيـبُ وَمُصْـطَـفـاكَ مُـحَـمَّــدُ الـ**هــادي الأَمـيـنُ وَمــن سِـــواكَ لِمُـسْـلِـمِ
وفي الخاتمة :إن إيقاع اللغة له أهمية بالغة في موسيقى الشعر ,
ولتمكن الشاعرة " أم ثائر" من اللغة العربية حتما وامتلاكها إيقاع موسيقي رفيع وشامل
مكنها من السيطرة على مفردات اللغة الشعرية وايقاعاتها وايجاد المعاني المتعددة في سبيل الوصول لهدف القصيدة .
وقد نجحت في ابداع علاقات متجاوبة ومتناغمة , جعلت القصيدة تنساب هادئة الى عمق اعماق المتلقي
وهذا ما يؤيده قول لـ " ابن رشيق "
:" ان عمل الشعر على الحاذق به أشد من نقل الصخر ,
وان الشعر كالبحر ,
أهون ما يكون على الجاهل ,
أهول مايكون على العالم .
وإن أتعبَ أصحابه قلباً من عرفه حق معرفته