حان وقت الرضاع ..
بدل أن يطرقوا الباب أو يقرعوا الجرس خلعوا الأول وأحرقوا الثاني ، فكأن هذا ايذانٌ لهم بالدخول إلى بيتها ، كانت خائفة تحتضن طفلها الرضيع ذا الأشهر التسعة بين أضلعها، تبحث بين زوايا المنزل عن شيء ترطب به فمها؛ لتستطيع به إرضاع صغيرها ، دخلت المطبخ ...لا لتعدّ شيئاً يأكله الصغير بل لتبحث هذه المرة عن زاوية فيه لتختبئ فيها هي و الصّغير ..
قرقعة أرجلهم المنتعلة باتت تقرقع بين جنبيها ، أصوات أسلحتهم اللاشرعية أصبحت على مقربة من أذنيها ، ضوضاء تمتماتهم الأعجمية تخرق صمت المكان ؛ لتلبسه وشاحاً أسودَ كأنه عباءة الموت ..
أغلقت باب المطبخ و جلست القرفصاء ،و قد غطت بساعديها رأس الصغير ، تهدهد له بصوتها الخافت .. ولكنهم وكعادتهم خلعوا الباب بما انتعلوه ، وتلك نعمة أنها لم تكن خلف الباب ، بعد أن رأوها صوبوا نحوها وصغيرها فنادت إلى ما تبقى من إنسانيتهم :
" خذوا كل شيء .. أبقوني لصغيري .. و ابقوا صغيري حياً.."
لم تكن تلك كلمات توسل بل كانت أشبه بأمنية ما قبل النوم ، حاولت بكلماتها العربية أن توصل إلى أعجميتهم ما عنته.. لكن ..أسمعت لو ناديت حياً !
لم تكن تلك المحاولة إلا لنيل ركلة ، مع بعض الرصاصات الطائشات التي أصابت ساقيها و موضع كل علة ، سدت أذنيها من أصوات الرصاص المتناثر هنا و هناك و على أواني الفخار المملوءة بالأزهار التي كانت قد رتبتها قبل ساعات لتحيي في البيت وردة و لتشعل أمام صغيرها زهرة من أمل..
رصاصات لم يسمح لهن أي قانون سمحن لشظايا البلور المكسور و آنية الفخار أن تخترق جسدها الحامي ما بين أضلعها ..
لقد استجابوا لندائها نعم .. و أبقوا لها صغيرها حياً بعد أن أنهوا لها آخر لحظة من حياتها بضغطة على زناد وأدخلوها في سرداب الخلود و الرقاد...
لم يبقوه حياً كرمى لعينيه أو عينيها بل ليرى أمه و قد عامت فوق دمائها ..
لم يدر الصغير أن أمه قد فارقت الحياة ، فبراءته المعهودة جعلته يظن أن أمه مستلقية لمداعبته أو أنها تفضل الراحة بعد عناء طرد الغاصبين من بيتها .
نعم يا صغيري .. لقد طردتهم أمك عنك ، و لكنهم طردوا لها روحها كرمى لعينيك الصغيرتيـن .
زحف إليها و اقترب من صدرها ينتظر أن ترضعه فقد حان وقت الرضاع ، إلا أنها لم تفعل و لن تفعل بعد ذلك .. بدأ صوته يعلو قليلاً قليلاً بالبكاء ، لأن وقت الرضاع قد حل ، و لكن المساء كذا قد حل و لم يسمع من أمه جواباً، أخذ يضرب بيديه الملفوفتين كقطعة السكر صدر أمه المخملي الأحمر المخضب دماً..غاصت يده في دمائها ، نظر لأصابعه باستغراب ثم وضعها في فمه و أخذ يمص حلاوة طعم دم أمه بعد أن رسمت تلك الأصابع القانية على وجهه – في محاولة تركيز غاية الصعوبة - لوحة برئية من دمها ...
1 /4/2008