أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: شعرنا الاسلامي المعاصر كما نريده

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : العراق - الموصل
    العمر : 78
    المشاركات : 15
    المواضيع : 8
    الردود : 15
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي شعرنا الاسلامي المعاصر كما نريده



    إنّ أَدبنا الإسلاميّ المعاصر؛ كما نريده؛ يعايش تأزُّمات المدنيّة المعاصرة، ويشقّ طريقَه القياديَّ في مسارات الطلائع الإسلاميّة التي تهدف إلى استقاء زخم الدفع إلى الأمام من منابعها الأصيلة الصافية، وبالتّالي انتقاء الأَحراش من طريق الإنسانيّة، وحَمْل المشعل في متاهات التمزُّق الفكريّ والصراع اللاواعي الذي تعاني منه امَّتُنا العربيّة بخاصّة والإنسان في المجتمعات الأُخرى عامّة.
    إنّ الأَدب الإسلاميّ المعاصر- كما نريده - إنّما يحتاج لعنصر الزمن الذي يُتيح له فرصة الهضم والتمثيل؛ لترجمة معاناة التجارب ترجمة صادقةً، ثمّ طرْح النماذج التي تتوفَّر فيها الأصالة والإبداع أمام شعرائنا الروّاد وأَدبائنا. وَلَعَلَّ مَدْرَسَةً أَدَبِيَّةً جَدِيْدَةً فِي أَدَبِنَا المُعَاصِرِ تَتَبَلْوَرُ مُحَاوَلاتُهَا؛ لِيَأْخُذَ أَدَبُنَا مَكَانَتَهُ بَيْنَ آدَابِ الأُمَمِ الأُخْرَى، ويقومَ بدَورِه، عاكساً طموحاتِنا الإنسانيةَ، وكاشفاً عن مُثُلِنَا وقِيَمِنا الإسلاميّة، وبذلك نستطيعُ توصيلَ معطياتِنا الفكريّة والأَدبيّة والفنّيّة بكلِّ ما تحمل من نُبْل وإبداع إلى المجتمعات البشريّة.
    إنّ ظهور بعض الأصوات في الغرب؛ في عصرنا هذا، والتي تدعو إلى عالميّة الأَدب كعطاء من عطاءات القريحة البشريّة، التي من حقّ كلّ الأُمم أن تستفيد منها ـ إنّما تمهّد للمشروع الذي نحن بصدده، وتضع سماداً في التربة التي نريد بذرها ببذور هذا الاتّجاه الأَدبيّ الهادف.
    إنّ النوعيّة الفنّيّة هذه بحاجة إلى طاقات نقديَّة عميقةِ الرؤى؛ لكى تواكبَ بالتفاتاتها الذكيّة وبلُغتها المطاوِعة والواضحة نتاجَنا الفنّيّ الجديد. فالنماذج الشعريّة التي نهدف إليها في محاولاتنا الأولى لا تستطع أقدامُها النهوضَ إلاّ إذا أخذت بأيديها مؤازرات النقد الجادّ، بعيداً عن المحاباة وبعيداً عن التجريح.
    *:*:*
    هكذا نريد شعرَنا الإسلاميَّ المعاصِر: نريده - قبل كلِّ شئ - أصيلاً وبعيداً عن التكلُّيف والتصنُّع؛ اللذين يُجهِضان التجاربَ وهي بعد في رحم القريحة. وإنّ الأَصالة؛ توأماها: الخلقُ والإبداع؛ بكلِّ ما للمصطلَحَينِ من دلالات العمق؛ وخاصّة فيما يتّصل بالرؤية الشعريّة.
    أما الشكل؛ فبِقَدر ما نحن بحاجة إلى تراثنا القديم؛ نحن بحاجة إلى التجديد. ومن ثّمَّ العمل ـ بكلِّ بصيرة وحذر ـ على صهرهما في بَوتَقة واحدة؛ لإنتاج أعمال شعريّة تُخرِج أَدبَنا العربيَّ من دوائر السقوط ومحيطات التقوقع… إنّ الانفتاح على العالم والحياة، والاستفادةَ من المذاهب المعاصرة في الأَدب العالميّ، هو السبيل الوحيد الذي يكفل لاتّجاهاتنا الجديدة التعبيرَ عن تجاربنا الحياتيّة المعاصِرة.
    ولا مانع لأَدبِنا الإسلاميِّ المعاصر من الاستفادة من الرمزيّة وحتّى السرياليَّة في قوالبها وطريقة طرحها للمضامين؛ طالما كانت مجرَّد محاولات وتجارب. وطالما كان الأديب ملتزِماً الخطوطَ العامَّةَ لمسارِ الشخصّية الإسلاميّة واخلاقيَّتها.
    *:*:*
    نريد لشعرنا الإسلاميّ أن يكون ملتزِماً… والالتزام يعني طرحَ ومعالجةَ كلِّ ما يعتلِجُ في النفْس، وما يعاني منه الأديب في مجتمعه ومحيطه المزدحم بالتناقضات. نريد أن يكون ذاتيّاً وجماعيّاً في الوقت نفسِه، وهذا يعني أن يكون الالتزامُ من الداخل، يتبنَّى مسارَه الشاعرُ والأديبُ بمحْضِ اختياراتِه كمبدأ وكعقيدةٍ يشدُّهما إلى الأعماق الإيمانُ الصادقُ.. ولا نريدُه مفروضاً من الخارج، وإلاّ فستُصاغ المعاني في قوالبَ جاهزةٍ خاليةٍ من شفافيّةِ الروحِ الشعريِّ والمعاناةِ الصادقةِ. وبذلك لا يكون أكثر من مجرَّدِ نَظْمٍ متكلَّف!. والالتزام ـ بمفهومنا ـ لا يعني الجمودَ في معالجة موضوع بذاتِه؛ أو غرضٍ بعينِه. إنّ النظرَ في الكون والوجودِ والحياة؛ والتأمُّلَ في النفْسِ الإنسانيّة، وتشخيص الظواهر البيئيّة والطبيعيّة، ومحاولاتُ تقويمِ الحياةِ ومعطياتِها.. والتخطيطُ لمجتمعاتنا البشريّة الهادفة إلى المستقبل الأفضل ـ كلُّ ذلك وغيرُه يمكن أن يكون منطلقاتٍ لأَدبائنا وشعرائنا؛ ما داموا ينظرون إلى الأشياءِ بعينِ الإيمانِ الصادقِ والرؤيةِ الإسلاميّة النقيّة.. إنّ شعرَنا الجديدَ يمكن؛ بل يجب؛ أن يستغِلَّ مواقفَنا الإسلاميّة، بصفتِها مواقف إنسانيّة، فيجسِّد الرمزَ التاريخيّ ويُحْيِي الشخصيّات التي أبدَعَتْ في حركتِها على مسارحِ الحركةِ الإسلاميّة. كما أنّ له أنْ يستغلَّ معطياتِ الثقافةِ الحديثةِ، ويعرفَ كيف يُطاوِع النظريّاتِ العلميَّة؛ ويَعرضُها بشكل أَدبيٍّ حيٍّ!. وهنا نستوضِح ضرورةَ الذكاء والصدق، لسبْغِ الطلاوةِ والرَّوَاءِ.. إنَّ شعراً كهذا لا تَحُولُ دونَه حدودُ الزمانِ والمكانِ. فشاعرُنا؛ في القصيدةِ الواحدةِ؛ يمكن أن ينقلَنا من الماضي إلى المستقبل عبْرَ الحاضرِ. بل إنّه يستطيع التحليقَ بنا في مداراتِ السماوات ومحيطات الأرَضِين، ويحمِلَنا على جناح خياله إلى ما وراء الطبيعةِ.. ويأخذَ من كلِّ شئ طرَفا؛، ليرسمَ لنا جوّاً مثاليّاً نعيشُ مناخَه. على ألاَّ ننسى الواقعَ.. أي أنّ البيئةَ الشعريَّة المثاليَّة هذه فيها صفاتُ الواقعِ وملامحُه؛ لكي يستطعَ بتصويره أنْ يُؤدِّيَ رسالتَه التي آمنَ بها. إنَّ أخلاقيَّةً وفنِّيَّة كهذه كفيلَةٌ لإنجاحِ محاولاتنا في الاتّجاه الذي نُخطِّط له، ومن ثَمَّ تحْبيبُ هذا الَّلونِ الجديدِ إلى نفوسِ غيرِ المسلمينَ من المجتمعاتِ البشريّةِ التي تشارِكُنا المسيرَ في المنعطفاتِ المصيريَّةِ على سطحِ كوكبِنا الصغيرِ هذا!، من أَجْلِ إحقاقِ الحقِّ وبَثِّ روحِ السماحةِ والخير والسلام في معمورتِنا التي هدَّدها العصرُ الذرّيُّ بالفناء!.
    ومن هنا يمكنُنا اعتبارُ ما يُكتبُ من شعر وأَدب إِسلاميّينِ بلُغاتٍ غيرِ العربيّةِ ـ أَدَباً يُمكن أنْ يلعبَ دورَه حتّى على مسارح أُمَّتِنا العربيّةِ عن طريق الترجمة.. ولهذا نريدُ أنْ يكون أَدبُنا الإسلاميُّ إنسانيّاً؛ يتعدَّى محيطَ اللغة العربيّةِ.
    إنَّ تحديدَ الخطوطِ العامّة والرئيسةِ لمسارِ شعرِنا الجديدِ الذي ندعو إليه أمرٌ ليسَ بالهَيِّنِ!، وخاصّة الحاجة إلى النماذج التي نبني عليها ونُخطِّطُ من خِلالِها لاتِّجاهنا.. كما يتطلَّبُ أمرٌ كهذا التضحيةَ بالمُحاولاتِ الأولى، والنظر إليها بعينِ السماحَةِ، لكي لا تُجهَضَ دعوتُنا؛ وتُقبَرَ في مهدِها!. وهنا نُنبِّه حمَلَةَ الأقلامِ الجارحَةِ إلى خطورةِ ما يقترفونَ بحقِّ روَّادِنا باتِّهامِهم بما اعتادَ أمثالُهم أنْ يتَّهِموا. كما أنَّ تشجيعَ حركةِ الرُّوَّادِ بكُلِّ الإمكاناتِ والقُدُراتِ البنّاءَةِ لإلْقَاءِ الأضواءِ أمامَهم ـ أكثرُ مِن ضَرورةٍ.
    *:*:*
    إنّنا إذا أردنا أن نستعرضَ الشعرَ الإسلاميّ لنُعطيَ صورةً تاريخيّةً سريعةً عنه في الأَدب العربيّ؛ فإنّ (حسّانا)ً و(كعْبَ بن زهير) و(ابن رَواحَة) و(لَبِيد) و(النابغةَ الجَعدِيّ) و(الحطيئةَ) _ ناءتْ أكتافُ قوافيهم عن حمْلِ أعباءِ التّعبيرِ عن ثورةِ الإسلامِ الجذريّةِ؛ فلم يستطيعوا استيعابَ كلِّ معطياتِ أبعادِ الدين الجديدِ؛ لذلك قيلَ ما قيلَ عن الشعر في فترةِ صدر الإسلام، وعلّلوا ذلك بموقفِ الإسلامِ من الشعرِ!. وقد ظلموا الإسلامَ – من حيث لا يشعرونَ – بإناطَة تعَثُّرِ خُطا الشعرِ بهِ. ونحن نرى السببَ يكمنُ في تشبُّثِ المخضْرمينَ بالصورةِ الشعريّةِ الجاهليّةِ والأُسلوبِ القديم. ونخرج من ذلكَ بنتيجَةٍ خطيرةٍ؛ هي: أنّ الإسلامَ – باعتبارِه ثورةً عظيمة؛ وانقلاباً جذريّاً – إنّما يحتاجُ إلى شكلٍ جديد؛ يستطيع مواكبةَ انفلاتاتِه من قيودِ التخلُّفِ والجمودِ.
    ذلك أنّ القصائدَ الجاهليّة إنّما كانت تعيد نفْسَها على ألسنة الشعراء شكلاً ومضموناً؛ حيث كانوا متزمِّتينَ لبناءِ القصيدةِ القديمةِ فنِّيّاً، فلم يقولُوا إلاَّ مُعاراً أو مُعاداً من قولِهم مكْرُوراً.. ولمّا كانتْ الأشكالُ الشعريّة المعاصرة ثورةًً على القالبِ القديم ومحتواه؛ فإنّ هذه الأخيرةََ؛ يُحتَمَلُ أن تُعبِّرَ عن روح ثورةِ الإسلامِ المتجدِّدةِ عبْرَ الزمن؛ إِنْْ نحنُ نقَّيْنَا طريقَها منَ الشوائبِ التي تَكَلَّسَتْ عليها.
    *:*:*
    إنّ المُتتبِّعَ لحركةِ الشعرِ الإسلاميِّ في العصرِ الأُمويِّ يقفُ على بعضِ النماذجِ؛ منَ التي شُحِنتْ قَوافِيها بالتمرُّدِ حيناً؛ وبالرفضِ والثورةِ أحياناً أُخرى. على أنّ الميولَ المذهبيّةَ والعصبيّةَ لِفئةٍ مسلِمة معيَّنةٍ دون غيرها – يجعلنا نتحفّظُ في قبولِها كنماذجَ إسلاميّةٍ وكتراجمَ لشموليّةِ الإسلامِ الإنسانيّةِ!.. إنّ (عُبَيدَ الله بن قيس الرُّقيّات) كان لسانَ الزبيريِّينَ.. و(عمرانَ بنَ حِطَّان) و(الطِّرِمَّاح) لسانا الخوارج.. و(كُتَيِّرَ والكُمَيتَ) لسانا الشيعةِ.. و(أعشى هَمدانَ) لسان ثورةِ (ابن الأشعث). أمّا شعراءُ بني أُميَّةَ فقد كان على رأسِهم (عَدِيُّ بن الرَّقَّاع).. وإنّ مُجرَّدَ المُشاحَناتِ بينهم؛ والنقائضِ التي نَجَمَتْ عنها؛ هو بِحَدِّ ذاتِه خروجٌ على تعاليمِ الإسلامِ؛ وبذلك نَرفُضُ كثيراً من تلكَ الأعمالِ الشعريّةِ. بل إنّنا نَلْمسُ فيها هذهِ النزعةَ الجاهليّةَ، ولولا وجودُ بعضِ المصطلَحاتِ الإسلاميّةِ لَتَعذَّرَ فَصلُها عن المجاميع الجَاهليّةِ.
    إِنَّ في "شعرِ الفتوحِ الإسلاميّةِ" مجموعةً؛ أَغلبُها ينحصرُ في مقطوعاتٍ قصيرةٍ يُمكنُ أنْ نَعُدَّها أَشعاراً إِسلاميّةً؛ يتوفَّرُ فيها كثيرٌ من مواصفاتِ العُمق والرفض الإسلاميّينِ.
    وإذا عُدنا إلى الشعرِ العربيِّ في العصرِ العبّاسيِّ فإنّنا نجدُ بعضَ القصائدِ الجادّةِ تتوفَّرُ فيها هذه النزعةُ الإسلاميّة، كما هو الحالُ في بعض قصائدِ (أَبي تمّام)، ولعلَّها كانت السببَ في إِجماعِ النُّقَّادِ على أَنّ (أَبا تمّام) كان شاعراً مُجَدِّداً في الشعرِ العربيّ.. وإذا كانتْ قصائدُ (أَبي تمّام) المعْنِيَّةُ ثورةً في مضامينها السياسيّةِ بخاصّةٍ – فإنّ بعضَ قصائدِ (المَعَرِّيِّ) تُمثِّلُ أَبعادَ الثورةِ الفكريّةِ في الإسلامِ؛ لولا شَطَطُه في شَطَحَاتِهِ الميتافيزيقيّةِ.. و(النَّظَّامُ المُعتزِليُّ) لم يقِلَّ خطورةً في تاريخ الإسلامِ الفكريّ والأَدبيّ من (المعرّيِّ).
    أَمّا شعراءُ المُتصوِّفةِ في الإسلام؛ فأغلَبُه لا يُمثِّلُ روحَ الإسلامِ الثائر لِتمادِيهِ في التَّوَاكُلِ والقَدَرِيّةِ التي لا تَحْسِبُ لإمْكانِيّةِ الإنسانِ المُغَيِّرَةِ حسابَهَا الّلازمَ، ولو امتزجَ شعرُ الصّوفِيّة عامّةً بالثورةِ؛ لكانَ أَبدعَ ما أَنتجَتْهُ القرائحُ البشريّةُ في مجالاتِ الأَدبِ والفَنِّ.. وهذا لا يعْنِي أَنَّنا نَعْدَمُ العَظََمَةَ بينَ رجالاتِ هذهِ الطائفةِ؛ منْ أَمثالِ (جَلالِ الدِّينِ الرُّومِيّ) في ديوانِه الإبْداعيّ: "المَثْنَوِيّ".
    أَمّا شعراءُ السياسةِ في هذا العصرِ العبّاسيِّ؛ فيَنْطَبِقُ عليهِم ما ذكَرْناهُ عن أَمثالِهم في العصرِ الأُمويِّ. فـ (أبو دُلامَةَ) و(مروانُ بنُ أَبي حفْصَةَ) و(سَلْمُ الخاسِر) كانوا يُعبِّرونَ عن تَطَلُّعاتِ الدَّعوةِ العبّاسيّةِ وثورتِِها.. و(العَتَابيُّ )و(بِشْرُ بنُ المُعْتَمِرِ) من شعراءِ المُعتزلةِ.. و(السَّيِّدُ الحِمْيَريُّ) و(دُعْبُلُ الخُزاعيُّ) و(دِيكُ الْجِنّ) من شعراءِ الشيعَةِ.
    على أَنَّ الطابِعَ الإسلاميَّ يعودُ ليظهَرَ في شعر طائفةٍ من شعراءِ العصرِ؛ ولكنّنا نَتَحَفَّظُ أَيضاً في اعتِباره مُتَرجِماً عن طُموحات الإسلام وروحهِ المُتَطَلِّعةِ؛ لافتِقَارِ مُعظَمِهِ للعُنصُرِ الطلائعيِّ والدعوةِ إِلى الانْقِلابِ الجَذْريِّ؛ فِكرِيّاً كَانَ أَمْ سياسيّاً أَمِ اجتماعيّاً؛ بالعودةِ إِلى منابِعِ الإسلامِ الحَنِيفِ.
    إِنَّ ما قِيلَ مِن أَشعارٍ دِينيّة قَلَّما تَتَعدّى المدَائحَ النبويّةَ أَو الزهدَ والمواعِظَ؛ وخيرُ ما يُمثِّلُ النوعَ الأوّلَ: (البُوصِيريُّ) في "هَمْزِيّتِه" المشهورة.
    *:*:*
    أَمّا إِذا عُدنا إِلى العصرِ الحديثِ؛ فأَوّلُ ما نَقِفُ عندَه: "إِسلاميّاتُ شَوقِي"؛ إِنَّ إِسلاميّاتِهِ تُعَدّ لَبُنَةً جديدةً في شعرِنا الإسلاميِّ المُعاصِرِ؛ استطاعَ – من خلالِهَا – إِبرازَ الجوانبِ الروحيّةِ في القِيَمِ الإسلامِيّةِ.
    أَمّا الشاعرُ المَجِيدُ والمُجِيدُ.. الذى حَمَلَ لواءَ الشعرِ الإسلاميِّ؛ ويُمكِنُ اعتبارُه أَباً وباعِثاً للشعرِ الإسلاميِّ الحَقِّ.. ثائِراً على مَسْرحِ العُصور الرَّثَّةِ.. مُتطَلِّعاً صَوبَ آفاقِ الحرِّيّةِ الإنسانيّةِ والحياةِ الكريمةِ.. داعِياً إِلى تَغيِيرِ المُجتمَعاتِ والشعوبِ الإسلاميّةِ؛ فهو – بِلا مُنازِعٍٍ – شاعرُ الإسلامِ الباكستانيُّ: (محمّد إِقبال). إِنّ (إقبالاً) "آمنَ بِأَنّ الإنسانَ باستطاعَتِهِ؛ عن طريقِ النَّفْسِِ المُتطوِّرةِ؛ أَنْ يرتَفِعَ فوقَ الظروفِ؛ ويتَسامَى فوقَ المادِّيّاتِ والطبيعيّاتِ":
    "النُّقْطَةُ الْمُنِيْرَةُ الَّتِيْ اسْمُهَا النَّفْسُ
    هِيَ شَرَارَةُ الْحَيَاةِ تَحْتَ تُرَبِنَا
    فَبِالْبَحْثِ يُمْكِنُ جَعْلُهَا أَكْثَرَ ثُبُوْتاً،
    أَكْثَرَ حَيَوِيَّةً، أَكْثَرَ إِحْرَاقاً،
    أَكْثَرَ تَوَهُّجاً،
    تُغَيِّرُ حَفْنَةً مِنْ تُرَابِكَ إِلَى ذَهَبٍ
    قَبْلَ عَتَبَاتِ إنسان كَامِل".
    إنَّ مفهومَ "الشعْرِ" عندَ (إقبالٍ) هو هَمْزةُ وَصْلٍ يَشدُّ إِبداعَ القَرَائحِ والروحِ بأَواصِر وَحْيِ السماءِ. فقد فَسَّرَ سورةَ "النورِ":
    اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ؛ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ؛ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ. نُّورٌ عَلَى نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  [النور/35].
    ورَبَطَ حديثَهُ عن الإلْهامِ الشِّعريِّ بتفسيرهِ لآيِ الذكْرِ الحكيمِ. وقد ضَمَّنَ قصائدَهُ رُوحَ الإسلامِ الثائرِ المتعشِّقِ للحرّيّةِ؛ فاكْتَنزتْ بِحُشودِ الأَفكارِ الخَلاّقةِ.
    أَمّا شعراؤُنا العربُ؛ فتظْهَرُ ملامحٌ من رُوحِ الإسلامِ في إِنتاجِ بعضِ شعراءِ "مدرسةِ أَبُولُو" و "مدرسةِ النَّجَفِ". وإذا ما تصَفَّحْنا الصُّحُفَ والمجلاَّتِ الإسلاميّةَ؛ فإِنَّ أَصواتاً تشْرَئِبُّ لِتُنادِيَ في سَمْعِ مَلأِ الأَشْهادِ بالشعرِ الإِسلاميِّ، وكلُّ ما يُعْوِزُها أَنّها أَصواتٌ مُتَفَرِّقةٌ؛ سُرعانَ ما تَتَلاشَى في صَخَبِ وضَجِيجِِ الأَصداءِ، لا لعَدَمِ أَصالتِها؛ وإِنَّما لعَدَمِ مُؤَازَرةِ بعضِها بَعْضاً من ناحية .. ولِعَدَمِ التفرُّغِ لهذا الاتّجاهِ.. وأَهمُّ مِن كُلِّ ذلك لافْتِقَارِنا إِلى النقْدِ الإسلاميِّ الموضوعيِّ الّذي يُخَطِّطُ للقصائدِ مَسارَاتِها؛ ومِن ثَمَّ تعريفُ جُمهورِ القُرّاءِ بهذا النوعِ الأَصيلِ منَ الشعرِ.
    فمُنذُ مَطلعِ النصْفِ الثّاني منَ القَرنِ العشرينَ بدأَتْ تلوحُ في الأُفُقِ ملامحُ حركةٍ شعريّةٍ شابّةٍ، تصْدُرُ عن روحٍٍ إِسلاميّةٍ ورؤْيةٍ إِيمانيّةٍ، غيرَ أَنّنا نجِدُ في مُعطياتِ هذهِ الحركةِ كثيراً مِمّا نجِدُهُ لَدَى أَيَّةِ تجربةٍ أَو مُحاوَلةٍ جديدةٍ لمْ تَسْتَوِ على سُوقِها بَعْدُ.
    ومع ذلك فإنّ ثَمَّةَ إرهاصاتٍ تلتَمِعُ في قصيدةِ هذا الشاعرِ أو ذاك، تمنحُنا أملاً بأنَّ شعراً إسلاميّاً أصيلاً قد بدأ يُثَبِّتْ خطواتِه في مساحاتِ الإبداعِ الفنّيَّ الحديثِ. ولا ننْسَى أن نُلَمِّحَ هنا ـ لا على سبيلِ الإحْصاءِ ـ إلى: (هاشم الرفاعيّ) و(محمود حسن إسماعيل) و(محمّد غزَيِّل) و(محمّد الحسناويّ) و(عمر بهاء الدين الأميريّ) و(عبد القادر حدَّاد) و(وليد الأعظميّ) و(مأمون فريز جرّار).. وغيرِهم مِمَّن لا يتَّسعُ المجالُ لإيرادِهم. وهذا لا يعني التغاضي عن سلبيّات الانغلاقِ على القديمِ أو التقوقعِ في محيطِ السقوطاتِ، خاصة فيما يتَّصلُ ببناءِ القصيدةِ الفنّيّ شكلاً. وفي تركيبِ جُزَيْئات الصورةِ الشعريّة، وما يَشيعُ في الأعمالِ من تقريريَّة مباشِرةٍ، أو خِطابيّة منبريّة أو عظيّةٍ لا تخلو من ارتباطٍ بأواصرِ عُلماءِ الدين. وهذا ما نُحاولُ أن نرسمَ له في تخطيطاتِنا النقديّة؛ِ لكي يتجاوزَه شعراؤُنا الشباب في أعمالِهم المُقبِلةِ ويتفَادَوْه.
    *:*:*
    لقد كُتِبَ عن الشعرِ الدينيِّ عدَّةُ كتبٍ وأُعِدَّتْ عِدَّةُ أُطروحاتٍ جامعيّةٍ لنيل الشهادات العالية؛ إلاّ أَنَّها كثيراً ما اعْتَبَرتْ الشعرَ الدينيَّ هو شعرَ الزهدِ والتصوّفِ. وهناك من الباحثينَ من راحَ يتصيَّدُ الألفاظَ الدينيَّةَ والمصطلحاتِ الإسلاميّةَ في القصائدِ؛ ليُدرِجَها تحتَ الشعرِ الإسلاميّ، وكانتْ إساءَتُهم إلى الإسلامِ الحقِّ وشعرِه أكثرَ من إحسانِهم إليه، سواء كان ذلك عن حُسنِ نيَّة الباحثينَ المسلمينَ أو سوءِ ظنِّ كثيرٍ من المستشرقينَ. وما أخالُ الشعرَ الإسلاميّ الأصيلَ ما دُرِج في تلك المُصنَّفاتِ، ولا داعيَ هنا للتخْصِيص.
    *:*:*
    لقدْ أُُقيمَ في "وهْرانَ و"الجزائرِِ" "مُلتقىً للتَّعرُّفِ على الفكرِ الإسلاميِّ"؛ حضَرَهُ وحاضَرَ فيهِ كثيرٌ من رِجالاتِ الفكرِ والأَدبِ، وحبَّذا لو أُقيمَ مهرجانٌ للشعرِ الإسلاميِّ في إِحدى الدولِ العربيّةِ أَوِ الإسلاميّةِ؛ ليكونَ زخماً ومنطلقاً لحركةِ الشعرِ الإسلاميّ الهادفِ؛ ولِيَجدَ فرصةَ التقويِمِ، وبالتَّالي كَسْر القَوْقَعِ الذي الْتَفَّ فيه بعضُ شعرائنا.
    *:*:*
    وإذا كنّا قدِ استعرضنا بسرعةٍ الشعرَ العربيَّ الإسلاميّ؛ فنرجو أنْ تُتاحَ الفرصةُ لغيرِنا للكشفِ عن هذا الشعرِ الإسلاميّ ممَّا كُتَبَ بغيرِ اللغةِ العربيَّةِ: كالفارسيَّةِ والتركيَّةِ والأرْدِيَّة واللغاتِ [الإفريقيّةِ المحلِّيّةِ] والأوربّيّةِ الحديثةِ… الـخ ـ بعدَ أن بدأنا نضعُ أيديَنا على ملامِحِه أداءاً وتعبيراً.. تكنيكاً ومضموناً.
    حكمت صالح
    المحمديّة ـ وهران.
    = 4/5/1972=


    صدرت هذه الدراسة ضمن كتاب : نحو آفاق شعر إسلامي معاصر , صدر عن مؤسسة الرسالة , بيروت , في 3 طبعات
    1979, 1982, 1988.

    ونشر في مجلة : البراق , في عددها ألاول 1425 هـ - 2004 م
    ,تصدر المجلة عن : منشورات البراق الثقافية بالموصل.
    الرسمي

    http://www.postpoems.com/members/hikmat/

    بسم الله الرحمن الرحيم : وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها- إليه يصعد ألكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.

  2. #2
    الصورة الرمزية طائر الاشجان شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    الدولة : المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 1,048
    المواضيع : 41
    الردود : 1048
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    توقيع بالاطلاع .. ولا أدري هل يأذن الدكتور لنا بنقل الموضوع إلى دوحة قضايا وآراء أو دوحة الفكر الاسلامي ، أم أنه يفضل بقاؤه هنا لبرهة ربما كونه يتعلق بالقصيد وشؤون القصيد .

    تحية وتقدير .
    طائر الاشجان
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية معاذ الديري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : خارج المكان
    العمر : 49
    المشاركات : 3,313
    المواضيع : 133
    الردود : 3313
    المعدل اليومي : 0.43

    افتراضي

    اشكرك على جهد طيب واستاذنك في نقلها حيث يجب.

    تحيات خالصات.
    عـاقــد الحــاجبــين
    http://m-diri.maktoobblog.com

  4. #4

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : العراق - الموصل
    العمر : 78
    المشاركات : 15
    المواضيع : 8
    الردود : 15
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طائر الاشجان
    توقيع بالاطلاع .. ولا أدري هل يأذن الدكتور لنا بنقل الموضوع إلى دوحة قضايا وآراء أو دوحة الفكر الاسلامي ، أم أنه يفضل بقاؤه هنا لبرهة ربما كونه يتعلق بالقصيد وشؤون القصيد .

    تحية وتقدير .
    طائر الاشجان
    الاخ الاستاذ ( طائر الاشجان) المحترم

    نخولكم التصرف بموادنا السابقة واللاحقة , وحبذا لو اعلمتمونا بذلك

    شكرا

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : العراق - الموصل
    العمر : 78
    المشاركات : 15
    المواضيع : 8
    الردود : 15
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان الاسلام
    أخي
    موضوع رائع


    اتابعك باستمرار


    بارك الله فيك
    اخي ( عدنان الاسلام) نشكرك

    على تقويمك وحبذا لوكان مدونا لنضيفه الى سلسلة في موكب شعراء الاسلام بعبارة اخرى انت مدعو الى موائد نتاجنا , وبارك الله فيك سلفا ونشكرك ايضا على متابعتك الدائمة لما سنضخه مستقبلا باذن الله ونرجو ان نكون عند حسن الظن في تادية رسالتنا ومن الله التوفيق

  7. #7
    الصورة الرمزية بندر الصاعدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : المدينة المنورة
    العمر : 43
    المشاركات : 2,930
    المواضيع : 129
    الردود : 2930
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخانا الكريم الدكتور حكمت صالح
    نشكر لك نشر هذه الدراسة بهذا التناول لمراحل الشعر منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا , ومن خلال هذا التسلسل لطرح قضية الشعر الإسلامي على مراحله والكيفية التي اتخذتها في تطورها نرجو منكم التكرم بأمرين هما :
    - وضع الأسس والمعايير من وجهة نظركم للشعر الإسلامي .
    - كيفية التوفيق بين التقليد والتجديد لمواكبة العصر المكتظِّ بالقضايا السياسية والأخلاقية من جهة والزمن المادي والترويجي من جهة أخرى ..
    إن كان لكم مقالٌ حول هاتين النقطتين نسعد بنشرها فنزيد علماً بما لديكم ونستفيد ..

    ولكم منا جزيل الشكر
    لك التحية والتقدير
    دمت بخير
    في أمان الله .

المواضيع المتشابهه

  1. لنعرب معاً أبياتا من شعرنا العربي الجميل
    بواسطة وطن النمراوي في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 148
    آخر مشاركة: 15-07-2013, 06:55 PM
  2. النقد الأدبي المعاصر بين الهدم والبناء
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-06-2013, 09:26 AM
  3. مخاضات الخطاب الشعري المعاصر
    بواسطة محمود سلامة الهايشة في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-05-2013, 08:56 AM
  4. أدبنا العربي المعاصر وظاهرته المتجددة..
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-04-2009, 12:27 AM
  5. ثقافة السلام والمقاومة والاستشهاد في الأدب الفلسطيني المعاصر
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-07-2006, 11:44 AM