المضيفه
لم يكن يعنينا ونحن صغار سبب إنطلاق صرخات النساء الفزعه علي فراق حبيب أو صدحهن بالزغاريد إبتهاجا بخبر زفاف أحد شباب العائله ، كل ما كان يعنينا أن المغاره السحرية ستفتح ، وأننا سوف ننعم بالعبث ولو لبعض الوقت فيها ، أما هذه المغاره فلم تكن سوي حجرة المناسابات التي كانوا يطلقون عليها المضيفة ، وكانت تلك الحجرة ملاصقه لدار كبير العائلة وجزء منه ، وهي ذات بنيان متفرد بسقفها العالي الذي به فتحه كبيرة عليها زجاج في بعض الاحيان ومشرعه في كثير من الأحيان لدخول الهواء ، ومصاطبها التي كانت تلاصق كل جدرانها من الجهات الأربع ومخزنها الصغير الذي كانت ترص فيه الفرش التي كانت من الحصير البلدي الملون وإن استبدلت في أيامنا الاخيره بحصير صناعي من البلاستيك وبعض السجاد المحلي ،
كانت تلك المضيفة تغلق شهورا حتي تفتح أبوابها لحادث جلل ،، موت شخص أو زفاف أخر وكانت نسوة العائلة تسارعن إليها بعد أن تفتحها كبيرتهن وتبدأن في إزالة التراب وتنظيفها ورشها بالماء المخلوط بماء الورد ومسح أرضيتها ونفض حصائرها وفي أحايين غسلها ومن ثم فرش الأرضيه وتزيين الأركان في حال كان الحدث زفافا أو كتب كتاب ،
أما نحن الصغار فكنا نسارع بالدخول مع أول فوج من النسوة وقبل أن يشرعن في التظيف كنا نطارد بعض الطيور الصغيرة من عصافير ويمام يكون قد إتخذ أعشاشه في هذا المكان المهجور شهورا ، فنمسك بما نستطيع من صغار هذه الطيور التي لا تستطيع الطيران ونجري فرحا ونحن نلهوا ، أما الذين كانوا يكبرونا سنا فقد كانت تستهويهم بعض الخرافات عن سكن الجن لتلك المضيفة فكانوا يدخلون وهم يتوجسون خيفة ويزيحون الحصائر بوجل وهم يتوقعون أن تخرج من بين أرتالها جنية أو مارد ممن كانوا يسمعون عنه من خرافات الحكايا في الريف ،وقد كان يغزي هذا الهاجس صدي الصوت الذي كان ينبعث حين تكون المضيفة خاوية لارتفاع سقفها وكبر مساحتها ،
ولا أستطيع نسيان تلك الليلة التي فارق فيها أخا جدي الحياة ، فقد حزن جدي حزنا شديدا وكانت المرة الأولى التي أراه فيها يبكي ، وقد طلب من أحد أعمامي أن يأخذ المفتاح ويذهب لفتح المضيفة ويرسل نسوة العائلة كالعادة لتنظيفها ، وقد كان وقت دخول الليل لذا طلب منه أن يساعدهن في إنارة المكان ، وقد تعلقت بزراع عمي ولم يمانع من إصطحابي ، حين أولج المفتاح في الباب القديم سمعت صريرا مرعبا وهو يديره ، تشبثت به أكثر ، أصطنع ضحكة ثم دلف إلي داخلها متوجسا ، خطا خطوات لجهة القاطع الرئيسي ثم توقف وهو يزدرد ريقة بعد أن شعر بحركة في الظلام ، أخذ نفسا عميقا ، تقدم أكثر ، سقطت أحدي الفرش التي كانت مسندة علي الحائط أحدثت صوتا تردد صداه لبرهه وشعرت بعمي وقد تجمد في مكانه ، ثم ما لبث أن تابع خطواته وهو يحاول إلا يبدوا أمامي بمظهر المرتعب ، مرت اللحظات ثقيلة وهو يتقدم بإتجاه القاطع في الظلام وأنا متشبث بذراعه ، وقبل أن نصل بخطوة سمعنا وقع خطوات واهنه خلفنا قبل أن ننصت لصوت لم نتبينه قد أتي من خلفنا ، وقتها سمعت دقات قلب عمي وكأنها طبول ، أما أنا فقد انقطعت أنفاسي مد عمي يده إلي القاطع فشمل المكان ضوء ساطع ، ثم ألتفت أنا وهو لنجد جدتي هي من كانت خلفنا تسأل هل من أحد هنا أبتسمت وهي تستدير عائدة وعصاها التي تستند عليها بيدها ، أما أنا وعمي فقد غرقنا في في حالة من الضحك الهستيري خاصة حين عم المكان ظلام دامس من جديد بعدما فصل القاطع من تلقاء نفسه،
خرج عمي فأحضر شمعه وأنا ممسكا بيده ملاصقا لجسده اقترب بهدواءمن القاطع في محاولة لأصلاح الخلل وهو يحاول ألا تنطفئ الشمعه ، علي بعد خطوه من القاطع انطلق من بين الفرش المسنده شيء مرق بين أرجلنا كأنه سهم ، أختلت الشمعه بيد عمي وسقطت ليعم المكان الظلام من جديد ، أنحني عمي ليلتقط الشمعه ويحاول أشعالها من جديد ، لم يجدها ، أشعل عود ثقاب تسمرنا في مكاننا ونحن نشاهد وجه عينان تلمعان تبينا أنهما لوجه قطه غاضبه قرب الحائط التقط عمي الشمعه أوقدها واقترب قليلا من القاطع وهو يلتفت من آن لاخر للقطه الواقفه في تحفز ، أمسك بالقاطع ونظفه ثم أعاده فعم النور المكان وسمعنا مواء ضعيف يخرج من خلف الفرش ، أزاح عمي الفرش فوجدنا أربع قطط وليده لم تكد عيونها تتفتح بعد التفت عمي للقطه ثم انحني ليلتقط القطط فقفزت فقو ظهره ناشبة مخالبها في ردائه إستقام واقفا وقد شملة الفزع ، وقفا متحيرا للحظه قبل أن تحضر جدتي من جديد بصحبة النسوة ، تقدمت احداهن فحملت القطه بيد وانثنت تحمل صغارها فلم تفزع خرجت من الباب وسط دهشتي ودهشة عمي وغادرنا ونحن نبتسم بعدما تعلمت في تلك الليله اكثر من درس ،