المرأةُ العقل
كِدْتُ أن أقعَ فى حبه إلا أنه أنقذني من ذاك الوقوع. وكاد قلبي أن يغرد للحب أعذب الأشعار، لولا أنه علمني أن أعذبَ الشعرِ أكذبه. كدت أؤمن بالحب لكنه أثبت لي أن ذاك الشيء ما هو إلا أسطورةٌ من أساطير الأولين.
حاولت أن أحبَ من بعدِه فلم أستطع.. وكأنه قد دمر مراكز الإحساس بالحب في رأسي فأصابها بالشلل التام.
لست أدري لِمَ أُحَمّلُه هو مسؤلية بلادتي العاطفية وهو لم يسئ لي أبدا! لقد ظل يعاملني بكل احترام وتبجيل حتى آخر لقاء لي معه. لِمَ أعتبُ عليه كل هذا العتب، ولِمَ أذكرهُ هو بالذات كلما فشلت في حب أحد؟
سمعتُ عنه قبل أن ألقاه فأعجبت به، وظللت أرسم في خيالي ملامح شخصيته الجميلة؛ محوت عنها كل نقيصةٍ، وأضفت إليها كل خلق نبيل.. وعندما التقيتُه أكبرتُه ووجدت أنني لم أوفه حقه. سحرني حديثه، وأسرتني شخصيته الفريدة... أو هكذا أردتُ أنا أن يحدث!
قال لي إنه يتابعني منذ زمن، وإنه تعجبه أفكاري، وإنه أسعده أن رآني، ويسعده أكثر أن يتواصل معي. وشد على يدي وهو يصافحني في نهاية اللقاء. لم أشعر أنه يجاملني.. فمن أحق مني بما قال؟ فأنا الأديبة الشاعرة المثقفة الحاصلة على أرقى الشهادات .
كان راقيا جدا في تواصله مع أفكاري، وفي الثناء عليّ وفي انتقادي.. كانت علاقتي به علاقة العقل بالعقل، وعلاقة الند بالند.. ولم تكن يوما علاقة رجل بامرأة... أو هكذا رأيتُها.
خطر لي ذات يومٍ أن أتساءل: لو أراد هذا الرجل العقل أن يقترن بامرأة، هل أكون أنا هذه المرأة؟ راق لي السؤال وقتها.. وراق لي أن يكون الجواب: نعم.. وأخذت أرسم من جديد صورا وصورا عن حياة العقلين معا كيف ستبدو.. ووددت لو أن أطلعه على تلك الصور الرائعة التي رسمتها لنتحاور حولها، ولكن عقلي أبَى.
هل خطر له أن يتساءل هو أيضاً؟ ربما نعم ..
وهل تصور هو الآخر شكلَ حياةِ العقلين معا؟ ربما نعم ..
ولكن يبدو أن تلك الصور لم ترُق له كثيراً.. وبدلا من أن نناقش تلك الصورِ معا، وجدتني ذات يوم أهنئُه وأنا أطالع ألبوم َصورٍ له مع امرأةٍ حقيقية.