المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مرآة النفس
الحلم الأول
أستيقظُ مبكراً يهدّني النعاس, تلفحني حرارة الشمس المتسللة من النافذة, أشعرُ بأنّي مستلقية في فرن, أنهض مسرعة...أنتصب.... تزوغ عيناي وتظلم الأشياء لبرهة, أتحسس النافذة وأتذكّر" موجة حرّ تجتاح العالم"...
أين قرأتُ هذه العبارة؟, أين....أين....أين...آه...نعم...كل النشرات الجوية تتحدّث عن الأمر.
-" أمّي ...لماذا فتحت النافذة؟!, ألا ترين أني أتصبّب عرقاً...حرارةً....لهيباً؟!"
-" كي توقظك أصوات العصافير, ويدخل الهواء النقي إلى..."
-" أمي....انتهى عصر الريف...".....قلتها بقلة أدب, وتمتمتُ ألعن الشمس" ليتنا نعيش في ليل سرمديّ!!" ....اجتاحتني سلسلة أفكار شريرة..
سأكون أكثر واقعية....." أتمنى لو كانت غرفتي بلا نافذة".
الحلم الثاني
لازال أخي منذ أن أنهى امتحانات الثانوية يخطط لمستقبل مزهر, أرقبهُ في ذهابي وإيابي, يبدو متفائلاً جداً, ذكّرني بأيامي الخوالي.
-" أشعرُ أنّ نسبة النجاح ستكون مرتفعة هذا العام" ...كان يردّد دوماً, " أنا فعلاً محتار في أيّ فرع سأسجل!"
-" لا تخف , لن تحتار بعد صدور النتائج" قلتُ في نفسي.
ويبدأ خالي خطبة التشاؤم المعهودة:" من كل عقلك مصدّق!!...النتائج مرتفعة إذاً سترتفع نسبة القبول والمعدلات في الجامعات, هذا نتيجة للجامعات الخاصة التي أصبحت تنافس الحكومية, وحتى في التعليم الخاص تحتاج إلى واسطة, ناهيك عن الأقساط الخيالية التي يطلبونها, وإذا رسبت في مادة تدفع الأضعاف, ولن تكون عبقرياً كفاية لتتخرّج بسهولة وسرعة, ولن......" يغيبُ ذهني ولازال يتحدّث...
ويخيّل إليّ أني سمعتُ أخي يتمتم:
" أتمنى ألا ينجح الكثير ...لعلّي أحظى بفرصة!!".
الحلم الثالث
ذات مساء جلستُ أشاهد التلفاز, لم أكن أفهم أو أدرك شيئاً, ولكنّي أسرح مع الألوان, وأشعر بأني لست وحيدة وأنا أسمع أصوات القذائف والإسعاف والصراخ والضحك والأغاني....إلخ , كانت جدتي تجلس بقربي وتغطي وجهها بمنديلها كلما رأت الدماء وتصرخ:
-" الله يهدّك يا إسرائيل"
وأنا أبتسمُ بمكر...
-" لا حول ولا قوة إلا بالله, الله ياخذ اليهود"...لازالت تستمر بعفوية...
-" جدتي , هذه المعارك التي ترينها ليست بين اليهود والفلسطينيين, بل بين الفلسطينيين أنفسهم"
-" ماذا؟....ماذا قلت؟"
-" يا جدتي....هؤلاء فلسطينيون يتقاتلون"
-" إنت ِ شو بيفهمك!!...يا خسارة الجامعات اللي درست فيها"
عندها آثرت الصمت وابتسمت وقلتُ في نفسي:
" ليتني كنتُ أميّة!".
الحلم الرابع
هذا الصيف كان موعد استلام تعويض التقاعد لوالدي, أكثر من شهرين وهو يخطط ويرسم ماذا سيفعل به, سيعمل مشروعاً صغيراً يتسلّى به, وفي اليوم الموعود ذهب لمراجعة قسم المالية, صديقه القديم رحّب به أيما ترحيب, ثم بدأ يفتح الدفاتر القديمة.
-" فقط مجرد إجراء روتيني كي نتأكّد أنّ كل شيء على ما يرام".
وأخذ يتصفح الدفاتر المهترئة, وعلامات لا معنى لها ترتسم على وجهه:
- " يا أبو......... عليك غرامة مالية"
-" كيف؟ أنا لم أرتكب مخالفة يوماً"
-" نعم ...نعم....ليست غلطتك, بل غلطتنا نحن, هناك خطأ في الجداول هنا, المحاسب السابق أخطأ في صرف رواتبك"
-" وما دخلي أنا بالموضوع؟!"
-" يجب أن تدفع النقص قبل استلام تعويضك"
-" ما هذا المنطق؟!!....أدفع لكم بسبب تقصيركم!!"
-" هذا هو القانون"
-" والعمل؟!"
-" ادفع المبلغ ثم استلم تعويضك".
في ذلك اليوم عاد أبي منكسر القلب, لم أره في حياتي حزيناً ومهموماً مثل ذلك اليوم, تساءلت:" هذه هي الحكومة التي لطالما دافع عنها....امتصّت شبابه وهاهي تلقيه في شيخوخته!!"
لم أدرِ ما كان يجول في خلده ولكنّي متأكدة أنّه كان يردّد:
" ليتني متّ قبل هذا!!".
الحلم الخامس
ذات صباح جاءتني بطاقة دعوة إلى زفاف صديقتي الغالية, كم كنت مسرورة !, فتحتُ البطاقة وقرأت, غريب....ربما كان هناك خطأ مطبعيّ, ليس هذا هو اسم حبيبها الذي لطالما حلمت بالزواج منه, وحدّثتني عنه طويلاً وكثيراً, كيف يعقل هذا؟!
اتصلت بها, أجابتني بصوتها الحنون كالعادة.
-" ما هذا الذي أقرأ؟!"
-" ألن أسمع منك كلمة مبروك؟"
-" ما الذي غيّر رأيك؟....ماذا حدث؟"
-" لقد تقدّم لخطبتي طبيب مشهور ومن عائلة مرموقة وفيه كل المواصفات التي تحلم بها أي فتاة, كيف أرفض!!"
-" وماذا عن.........؟!"
-" الحب ليس كل شيء, فأنا قررت أن أكون عقلانية"
أغلقت السماعة, "عقلانية"....يالها من كلمة رنّانة!!
لم أكن أعلم أنّ العقل يعني أن نتصرّف بلا إنسانية!!
في ذلك الوقت عرفت لماذا كنتُ أعيش الجنون, وتمتمتُ:" ليتني أملك عقلاً!!".
خاتمة:
صيف الأحلام....يعجّ بالأحزان....
وبينهما يقف الإنسان....
بين خيارات تتأرجح
بين شرّ وإحسان....
لم أكن أعلم...
أنّ الشمس تخبّئ كل هذا الظلام!!
أحلام.....أحزان.....إنسان
مسرحية بلا حوار
أغنية بلا موسيقى
انهزام يتوّج الانتصار...........