هذا نص رد أرسلته الى الجريدة التى تناولت خلال الأسابيع الماضية هجمات كاتب علمانى اسمه محمد الباز اعتاد لى طرق أبواب التشكيك فى مختلف الشخصيات والمراجع الاسلامية بشكل يثير حفيظة الحليم ..
ولأننا نعرفه جيدا من خلال متابعتانا لتلك الجريدة التى تحمل اسم الفجر بفتح الفاء وأطلقت عليها اسم الفجر بضم الفاء
كنت لا ألقي بالا الى هجماته التى تتصف فوق فجرها بالغباء الشديد لضعف وهوان شأنها
لكن الهجمة الأخيرة التى طالت كتب السنة الكبري مثل صحيح البخارى وعظماء الرواية مثل الامام أبي هريرة رضي الله عنه
كانت هجمة بالغة الخبث لكوونه أخضع بعض الأحاديث للمنطق وعدم المنطق مما يؤدى الى بلبلة أفكار الكثيرين
وتصدى للرد عليه فى جريدته عدد من شباب الفقهاء كانوا والحمد لله عند حسن الظن ولم يتركوا له شاردة ولا واردة الا وأفحموه فيها
فكتبت هذا الرد فى الشأن الذى رأيت أن من قاموا بالردود عليه لم يتناولوها
وهى الالتفات الى هدف الهجمة ونية الكاتب بناء على دراسة ماضيه
وهو ما حاولت فعله بتلك الكلمات
نص الرد
ذكرنى أسلوب معالجة جريدة الفجر لأزمة الكاتب محمد الباز الأخيرة بأزمة مماثلة فى المعالجة لا الموضوع .. وهى معالجة متميزة
كانت الأزمة الأولى فى بداية السبعينات عندما فضلت جريدة روز اليوسف أن تستضيف مقالات المفكر اليسارى د. فؤاد زكريا حول أزمة اليسار مع التجربة الناصرية .. وجاءت موافقة روز اليوسف غريبة الوقع على القراء لأنها لم تكن بأى حال مع سرطانية الهجوم على عصر عبد الناصر والتى ضربت صفحات الكتب وشتى المطبوعات فى تلك الأيام برعاية رسمية
وكان داعى الغرابة أن مقالات د. فؤاد زكريا كانت تتناول بالنقد العنيف جوانب عديدة فى التجربة الناصرية خلال معالجته لفشل اليسار فى تلك التجربة ..
إلا أن مسئولي روز اليوسف أثبتوا أنهم مسئولون بالفعل عندما برروا سبب استضافتهم لهجمات الدكتور فؤاد وهو التبرير الذى وقف خلف جريدة الفجر عندما أفسحت الصفحات لردود القراء الجادين بالرغم من أنها جاءت فى أغلبها الأعم مهاجمة وبقسوة لمحمد الباز وللجريدة
وقرار روز اليوسف قديما وقرار الفجر حديثا وقفت خلفه رغبة حقيقية فى إفساح المجال للنقاش الجاد والارتفاع بمستوى الحوار حتى لو كانت وجهات النظر تلك منتقدة أو رافضة
وعودة إلى موضوع الأزمة ..
وهنا أود أن أقول للكاتب المهاجم للصحابة رضوان الله عليهم تحت مبرر الدفاع عن صحيح السنة ..؟!
اننى لن أناقش صحة ما قلت لأن الردود السابقة حملت من الرد ما يفي ويكفي لكنى سأركز على هدفه والسؤال عن غرض الكتابة ذاته ..
لا سيما إذا وضعنا فى أذهاننا تجربة قديمة للكاتب نفسه قرأتها له على صفحات صوت الأمة منذ عامين تقريبا حيث دأب على الخروج بمقالات مشتعلة العناوين فارغة المضامين .. ومنها المقال الذى كتب عنوانا مضمونه " يجوز للمرأة الحائض أن تصلي " تبعا لما أتذكر .. فضلا على أن العنوان برز بحجم كبير على الصفحة الرئيسية للجريدة !!
وتابعت الردود على الكاتب وجاء رد يحمل اسم أستاذة شريعة متخصصة مفندا وجهة نظر الكاتب والذى عقب قائلا ما معناه
" هذا ما نريده .. نريد التفاعل لا التجاهل .. نريد أن ننشر ويجيب علينا أحد لا أن يتركونا هكذا !!"
وبالتوقف قليلا أمام تلك الكلمات سنكتشف بديهيا أن الغرض هنا ليس طرح أراء أو مناقشة تهدف إلى فائدة بقدر ما هو غرض طرق أبواب محرمة سعيا وراء الإثارة بحد ذاتها ..
وإلا فكيف تنازل الكاتب عن وجهة نظره ببساطة والمفروض أنه كتب موضوع طهارة الحائض مستندا إلى بحث كبير وسعى وراء إثبات وجهة نظر تعب خلفها .. إضافة إلى تفاهة القضية ذاتها والتى لا توحى بغير غرض الإثارة لأسباب مختلفة
واليوم أتى الباز بقضية جديدة وعملاقة كان من الممكن أن تؤدى الغرض منها .. فقط لو صدقت النية .. وتحسن الأسلوب
فمع كاتب مثله له عند القراء سوابق اعتداء بلا حصر على رموز ومسلمات دينية كان لابد أن يتقي أثر ذلك عند طرحه لقضية حساسة مثل تنقية كتب السنة إن كان حقا يهدف لتصحيح علمى لا إثارة وأدوار بطولة وشهادة رأى
فقد كتب عن الإمام أبي هريرة رضي الله عنه أوصاف مبتذلة وما إلى ذلك من الألفاظ التى أشعرتنا أنه يتحدث عن مسئول من مسئولي هذه الأيام لا عن صحابي قدير ممن قال فيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام " الله الله فى أصحابي .."
ومع جهلنا بالمصادر التى استقي منها الكاتب تلك الأوصاف لإلصاقها براوى الحديث .. أتمنى منه أن يخبرنا بهدف التشكيك فى عدالته وعدالة كبار الأئمة من حملة الدعوة الذين اصطفاهم الله تعالى لرسوله ليكونوا أركان تعليمها وناشريها
ربما كانت كتب التراث عامة بها ما يحتاج للمراجعة والتصحيح ولكن هذه المراجعة يلزم لها عدة عوامل لم تتوافر أيها لمقالات الباز
أولها
أن كتب الحديث الشريف وبالذات صحيح البخارى المكتوب بلغة عميقة وبالغة الفصاحة كان لزاما عليه قبل إثارة القضية تتبع شرح هذا المرجع الضخم للتأكد من أنه استقي بالفعل معنى صحيح للكلمات بدلا من أن يفسر الكلمات على خلفية ثقافته وعصريته وكأن الكتب تضع لخطوط الموضة يجب مراجعتها وتنقيتها بما يناسب العصر
وثانيها
أن معيار الحكم بصحة الحديث أو تضعيفه أو الحكم بعدم صحته علم غزير العمق له متخصصوه ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نخضع الأحاديث النبوية للمنطق الذى نقتنع به ونحكم بناء عليه بصحتها أم لا
على سبيل المثال حديث الرسول عليه الصلاة والسلام فى شأن أنه نصر بالرعب لو أخضعناه لطريقة الباز سنحكم حتما أنه حديث مكذوب لأن الثابت بالقرءان والسنة أن الدعوة الإسلامية كانت بالتى هى أحسن ..
ولكن علم الحديث يقر بأن الحديث متواتر وثابت النسبة وبمطالعة شرح الأحاديث وتفسيرها يتضح اللغز وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام نصر بأن ألقي الرعب فى قلوب أعدائه من المشركين
نضيف الى ذلك أن احتجاج الباز بتجربة الامام الدكتور عبد المنعم النمر شيخ الأزهر الأسبق والذى نادى بتنقية كتب التراث والتاريخ الاسلامى من الروايات الضعيفة .. هو احتجاج متسلق لا يمكن أن نأخذ به مبررا للباز لسبب بسيط
أن عبد المنعم النمر العالم الجليل لم يتهم التراث وكتاب التاريخ الاسلامى وكلهم من كبار علماء السنة بأنهم سردوا الخرافات بل قال أنه ينادى بتنقيتها من الروايات الضعيفة ..
وهى تلك الروايات التى وجدت بكتب التاريخ الاسلامى جنبا إلى جنب مع الروايات الصحيحة وكان علماء التاريخ يشيرون إلي الروايات المكذوبة صراحة ويوردونها مع الإشارة إليها ليتقيها الناس وهو المنهج الذى سار عليه جميع كتاب التاريخ الاسلامى من أول محمد بن سعد صاحب الطبقات حتى الإمام بن الأثير صاحب كتاب الكامل
ولم يخرج عن هذا النهج إلا الإمام الطبري رحمه الله لكونه كان يتبع أسلوب الرواية التاريخية بكل أشكالها وينسبها لأصحابها دون الإشارة للتلفيق وهى وجهة نظر على أية حال
ولهذا نادى عبد المنعم النمر بإعادة طبع تلك المؤلفات واستثناء ما ضعفه الأئمة لتبقي الرواية الصحيحة فقط .. أما أصول المراجع والتى تحتوى كل الروايات فحبذ النمر قصرها على متخصصي التاريخ من الدارسين والباحثين
وأخيرا ..
كان من الممكن أن تكون لحملتك تلك الأثر الايجابي المحمود لو أنك اتبعت الأسلوب العلمى لمناقشة ما تريد وهو أن تطرح دون اعتداء واتهام لرموز كبري قامت على أيديهم الدعوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام مما يؤدى ـ إذا اتبعناك ـ إلى هدم رجعية الدعوة بأكملها لفساد الأصول التى استندنا عليها كمراجع
ثم ما هو المبرر خلف العناوين والعبارات البالغة الاستفزاز فى حديثك عن الصحابة كقولك " أسبوع الدفاع عن أبي هريرة " هكذا بدون خجل وكأن أبو هريرة رضوان الله عليه كان مشاركا لمقعدك أيام الدراسة .. "
ثم هجومك الغير مبرر على ما أسميته السلطة الدينية للشيوخ .. وهو أمر عجيب .. فسلطة الشيوخ هى سلطة العلماء إذا كان عالما حقا وما عداهم فهم معروفون فما الداعى للتعميم
وان كنت حقا تنتصر لحريتك وتريد لها أن تبقي بمنأى عن التسلط فركز من باب أولى على من جعلوا لديهم سلطة التنفس فى رقابتهم على شعوبهم .. أو دافع من باب أدعى عن حرية مهنتك إزاء هجمات نظام الحكم
أو على الأقل كنت وقفت ثابتا فى مسألة كتابك الأخير عن المشير عبد الحليم أبو غزالة والذى خرجت طبعته الأولى بعنوان " المشير ـ قصة الصراع بين مبارك وأبو غزالة "
ثم فوجئنا بالطبعة الثانية تخرج بعنوانها التالى " المشير ـ قصة صعود وهبوط أبو غزالة "
فما هو الداعى يا ترى وراء تغيير العنوان أيها الصحفي الحر
انتهى الرد