لاأحبّ البحر ياأبي
جلس أحمد فوق صخرته الصّغيره قرب البحر, يغوصُ بأعوامِه العشرة إلى أعماق ذكرياتِه, والشـّمسُ قد بدأت تـُلقي برأسها على كــَتـِفِ الغروب بهدوء وحياء ,وهي تجرُّ وراءها ثوب الشـَّـَفـق برقةٍ وعذوبة, بينما دمعة ُ حزنٍ تنساب بدفءٍ على وجنة أحمد 0
كانت قدماه الحافيتان تعبثان بما غمرهما من مياه البحر في نهاية يوم صيفي مرّحاراَ على أهل الجزيرة, وكأنَّ البحرَ أحس بالذنب تجاه أحمد, فراح يعتذرإليه بمداعبة قدميه بانسياب رقيق لقافلة من الامواج النّاعمة اللطيفة , علـه ينسى موت والده غرقاً قبل خمس سنوات0
التقط أحمد ببراعة تلك الدّمعة الحزينة براحة يده اليمنى, وراح يحدّق فيها ,فرأها بعين خياله تكبر وتكبر , حتى غمرتْ كفه0
أحس أحمدبتدفق الماء من يده نحو البحر, الذي بدأبدوره يتحرك بأمواج دائريّة, مالبثت أن انشقت, وخرج منها رأسُ أبيه مبتسماً له بسمرة وجهه , وجمال عينيه السّوداوين كما كان يراه دائما بمشهد يحبه و لن ينساه أبدا0
ظلَّ أحمد يحدق بوجه أبيه بخوف تمتزج به الفرحة بألوان الشّفق,ناداه والده بصوته الرّخيم :انزل ياأحمد ,هيّا أريد أن أعلّمك السّباحة 0
ولكن ّأحمد لم يستجب لطلب والده,فأعاد عليه الكلام مرّة ثانية فأجابه:لاأريد ياأبي إنني أخاف البحر0
فنهره أبوه قائلا :انزل ياولد,أ تخاف من البحر وأنا معك, هيّا ارمِ بنفسك بين أحضانه ,لم تعد صغيراً ,أنت اليوم في الخامسة من العمر والرِّجال لايخافون يا بنيّ 0
قال أحمد بشيء من التَّردد:ولكنني لاأحبّ ُ البحر ياأبي , مياهه المالحة تحرق عينيَّ و أكرهُ طعمهاأيضا0
قهقه أبوأحمد وهو يمد يده الطويلة نحو ابنه ويلتقطه من فوق الصخرة الصَّغيرة كنسر يلتقط عصفوراً, وأحمد يرفرف بيديه ورجليه في الهواء حتّى سقط في الماء, فراح يتخبّط بين الامواج مستنجدا بوالده كي ينقذه من الغرق, والاب يضحك بسعادة ,وهو يلقن ابنه أول درسٍ من دروس الحياة , فالسباحة بالنسبة لاهل الجزر, هي رأس مالهم, وشاغل بالهم0
أطبق أحمد بأنامله فوق راحته يريد أن يمسك بأبيه قبل أن تختطفه الامواج, وعندما فتح يده وجدها فارغة جافة لم ير فيها والده الذي غرقت به السّفينة ذات يوم هناك في البعيد ,الذي لايستطيع أحمد أن ينقذه من قسوة أمواجه رغم أنه أصبح كأبيه من أمهر السّباحين0
بقلم
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم000وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن