أحدث المشاركات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 20 من 20

الموضوع: بائع الخضروات

  1. #11
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,368
    المواضيع : 200
    الردود : 2368
    المعدل اليومي : 0.55

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حارس كامل مشاهدة المشاركة
    بائع الخضروات
    ==============
    في المساء، دفع عربته أمامه بعد عناء نهار طويل باع فيه خضرواته حتى هده التعب. جر قدميه التي انبطحت على الأرض وأصبحت كخفي جمل. حاول أن يقهر خوفه، وزخات المطر التي تلاحقه بلا توقف. السماء ملبدة بغيوم سوداء، وتنذر بعاصفة رعدية شديدة. دندن بأغنية حزينة اعتاد أن ينشدها في الأوقات العصيبة.
    بدت الشوارع أمامه خاوية من كل ما ينبض بحياة، والصمت خلف جدران البيوت كصمت القبور.
    لم يبق سواها يسمع صوتها على استحياء: كلاب تنبح، وتحرك أذيالها، وسرعان ما تهرع خائفة لتختبئ من مجهول ليلة حالكة استولى فيها الظلام على كل شيء، وأعلن بسطته على كل امتداد.
    تمشى في الشوارع التي امتدت وأصبحت بلا نهاية. فجأة رأى شيئا يبرق أمام عينيه، ويزداد لمعانا كلما اقترب منه.
    حدثته نفسه بأن يواصل طريقه إلى بيته ليحتمي من خطر محدق يبشر به صوت الرعد المدوي في السماء، والذي لا ينقطع لحظة واحدة. بيد أن هاتفا همس في أذنيه جعله يتقدم نحوها. بدت له كلما اقترب منها كأنها كرة زجاجية تبهره بألوانها المتلألئة.
    زرعت داخله شكا بأنها كنز، وقد تكون جوهرة نفيسة. تذكر أحاديث الناس عن الكنوز التي تخرج للمحظوظين. ترك عربته، واندفع نحوها بلا إرادة.
    تراكضت الأفكار والأحلام في رأسه، وجد يحدث نفسه بفرح قائلا:
    - غدا سأصبح من الأثرياء، وأنفض غبار الفقر عني!
    وقف فوقها، ثم انحني والتقطها، وحملها بين يديه. لامسها بأصابعه، فانطفأت جذوة فرحته. لم تكن سوى خدعة كبرى زينتها أنوار البرق المتلاحقة.
    قذفها بقوة، وغاص في بحر من الأحزان. شعر بأكوام الخيبة تثقل فوق كتفيه، حدث نفسه بصوت أقرب للبكاء:
    - المتعوس متعوس!
    وقبل أن يترك نفسه طويلا لأحزانه، تذكر عربته، فقال بنبرة قوية يشجع بها نفسه ويواسيها:
    - ليس لي سوى عربتي!
    عاد حيث تركها، لكنها لم يجدها في مكانها. تلفت يمينا ويسارا، ولا أثر لها. جن جنونه!
    لا أحد سواه في الفضاء الواسع يصارع الأمطار والرعد. فأين ذهبت؟
    قطع الشارع ذهابا وإيابا دون جدوى.
    اختفت تماما وكأنها لم تكن.
    جلس على الرصيف ووضع يديه فوق رأسه. رأي الدنيا تضيق حوله حتى كادت تطبق على جسده، وزخات المطر تواصل هطولها فوقه بلا هوادة.
    حدق في السماء يبحث عن نجمة لامعة، عساها أن تبعث له أملا. لم ير غير السواد الممتد؛ فنظر إلى أديم الأرض الغارق بالماء بحسرة وألم.
    خضار متجول يكد في الحصول على لقمة عيشه ، لكنه مل هذه المهنة التي تكلفه جهداً كبيراً ، يحس أن حياته سوف تسير على وتيرة واحدة طول حياته .. فهو يعاني من قسوة العيش وقسوة الطبيعة عليه .. / متعوس/ وما غناؤه إلا وسيلة لتبديد مخاوفه وأحزانه ..
    لتكسير خطية السرد عمد السارد إلى تغيير مسار خطاطته السردية بمفاجأة يعزز بها تماسك النص / رؤية ذلك الشيء اللامع / وهو حدث خارجي جاء كمنبه إلى حدوث تغيير في حياة الخضار ،بحيث نقله السارد من وضعية متأزمة إلى وضعية تتسم بالأمل والانفراج القريب .. ولكنه أصيب بانتكاسة كبيرة لما تبين أنه خاب في تحقيق حلمه وأمنيته ..
    ليس لي سوى عربتي / عودة إلى الواقع مرة أخرى ،فأصبح مقتنعاً بمهنته ..كأنه عاد إلى المنطق السليم والممكن ..
    لقد أعطى السارد للبطل فرصة للتحليق والابتعاد عن الواقع .. وضعية نسختها وضعية أخرى لما اكتشف أن عربته قد سرقت ..
    نص أدبي تميز بسرد هادئ ، ولغة جميلة بعيدة عن الإيحاءات المغرقة في الرمزية ، مع تنحية الاستطراد في الكلام ..
    جميل أن ينزل المبدع إلى الواقع المعيش ، ينبش ويدقق فيه ، يعيش محنة البسطاء والفقراء ،
    نص أدبي يحفر في النفوس ، ويكشف ما تحت اللباس عن طريق الرؤية البصرية والحسية .. وذلك من أجل إنتاج أدبي إنساني ،وليس بالضرورة أن يكتب المبدع عن أصحاب القصور الفخمة ، والأحياء الراقية ، بل عليه أن ينزل بأدبه ويتعالى برؤيته دون أن يسقط في النقل المباشر ، وقد نجح نجيب محفوظ ويوسف إدريس ، وحنا مينة وغيرهم في رصد النفوس البشرية البسيطة فتركوا بصماتهم الإنسانية والأدبية .. ودون شك أن هذا النص الجميل قد ترك بصمته في نفوس القراء ..
    جميل ما كتبت وأبدعت أخي حارس كامل ..
    محبتي وتقديري .. الفرحان بوعزة ..

  2. #12
    الصورة الرمزية حارس كامل أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : مصر
    المشاركات : 571
    المواضيع : 66
    الردود : 571
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غصن الحربي مشاهدة المشاركة
    ليس هناك أصعب من الفقر أكثر من أن يحرم الإنسان الأحلام. قصة جميلة بأسلوبها و وصفها. تحياتي وتقديري.
    الأستاذة غصن الحربي
    أشكرك مرورك وثنائك لنصي المتواضع
    تحيتي
    لاتأسفن علي غدر الزمان لطالما
    رقصت علي جثث الأسد كلاب

  3. #13
    الصورة الرمزية حارس كامل أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : مصر
    المشاركات : 571
    المواضيع : 66
    الردود : 571
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان الشبول مشاهدة المشاركة
    يعجبني في قسم القصص أن معضمها هو نقل للواقع وهذه واحدة منهن


    بائع الخضروات صاحبنا ، مثله الكثيرون ، يجرون خلف أحلامهم المشروعة ولتعاستهم يخسروا حتى ما يملكونه مما قل .
    لكن يبقى الأمل ... عساه بعد ليلة حالكة وماطرة يأتيه الفرج من حيث لا يدري



    أسلوب قصصي ممتع


    دمتم مبدعين
    الاستاذ عدنان
    تحية معطرة لحضورك الوارف
    في رأي أن الأدب الناجح هو الذي يخاطب الواقع
    تحيتي

  4. #14
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    لقطة بالغة الصدق بالغة العمق من قلب الواقع المعاش في تصوير قصّيّ موفق

    دمت بخير


    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #15
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    سرقة كد وتعب المساكين أصبح ديدنا في بلادنا

    فاللصوص أنواع.. وأكبر لص هي الحكومات والمافيات التي لا تشبع من عرق الفقراء

    أما الغلو في الأحلام والركض خلف ربح سريع فهو أمر زائف سرعان ما تنكشف عورته

    كعادتك متميز سردا وفكرة وأسلوبا

    أبدعت

    كل التقدير
    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  6. #16
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    هناك مثل يقول عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة وهذا البائع لم يقنع بما في يده ولم يخطط لطموحه فلم يجد ما حلم به وفقد ما كان بيده وحينها فقط أدرك قيمته
    قصة معبرة وتحمل الحكمة أخي فشكرا لك

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #17
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 842
    المواضيع : 4
    الردود : 842
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    يستحق هذه الخسارة من يتركون ما لديهم ليتبعوا أحلامهم
    سردت بأسلوب مشوق قصة الخاسرين

  8. #18
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 473
    المواضيع : 6
    الردود : 473
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    العبرة التي في القصة غلبت جمال سردها وجعلتنا نعيش معها ونتأثر بها بقوة

    لك تقديري

  9. #19
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لا أحد يستطيع منع الفقير من أن يحلم ..فهى متنفسه لتغيير عالمه إلى الأفضل
    ولكن هل يستطيع الفقير ان يحقق أحلامه، أم إنها تبقى مجرد هلوسات.
    رسمت بتميز لوحة المعاناة في سرد شائق لنص إنساني واقعي مؤلم
    أحي قلمك المبدع. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #20
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قد كان حلم يقظة لكنه آفاق منه ليجده قد تبدد
    آخذا معه الخيط الذي كان يربطه بالحياة.
    قصة مؤلمة ومشهد موجع لقاص مبدع بارع
    سلمت ودامت أحرفك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. عبقري مغربي بدرجة بائع متجول!
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-11-2006, 10:53 PM
  2. جحا بائع الزيتون
    بواسطة محمد سلطان الحريري في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 14-07-2006, 07:40 PM
  3. قصة قصيرة للأطفال بعنوان "بائع الأحلام" بقلم موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 17-06-2006, 10:30 PM
  4. بائع الكلاب
    بواسطة بلال الزين في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-04-2005, 11:05 AM
  5. بائع الأوطان - قصيده للمهندس على درويش
    بواسطة على درويش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 17-06-2004, 11:29 PM